يموتون وفي يدهم غصن الزيتون.. شمال غرب سوريا مجددا تحت القصف
يومٌ في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023 سيظل يلاحق خالد وليد طوال حياته! كان مع عائلتَي ابن عمه وابنة عمه على قطعة الأرض التي يملكونها جميعًا. كانوا يقطفون الزيتون عندما سمعوا فجأة دوي غارات جوية يشنها نظام الأسد وروسيا على المنطقة حوالي الساعة العاشرة صباحًا. يقول خالد: “نحن هنا في جبل الزاوية معتادون على هذه الهجمات، لكننا اعتقدنا أنها أبعد بكثير. ولكن بعد ذلك حدث ما حدث!”، ويتابع: “كنت على بعد حوالي 30 مترًا فقط من أقاربي. أصابت قنبلة ابن عمي وأطفاله الأربعة وابنة عمي وأطفالها الخمسة وقتلتهم”.
الصدمة عميقة، والحزن واليأس واضحان في نبرة صوت خالد وهو يواصل حديثه: “لم يكن هناك أي شيء آخر يمكننا القيام به من أجلهم”. وبدعم من الدفاع المدني السوري، المعروف أيضًا باسم ” الخوذ البيضاء “، انتشلوا جثث أقاربهم ودفنوها في مقبرة جماعية.
يقول الرجل البالغ من العمر 50 عامًا: “نخشى جميعًا أن نكون التاليين عندما نكون مكشوفين وبدون حماية في الحقول مرة أخرى. ولكن ماذا علينا أن نفعل؟ الإيرادات من موسم قطف الزيتون هي مصدر دخلنا الوحيد. ونحن نعيش منها”.
يقع جبل الزاوية شمال غرب سوريا ويتبع لمحافظة إدلب. ومحافظة إدلب (ومناطق محيطة بها) هي المعقل الأخير للمعارضة المسلحة والإسلاميين. وتخضع معظمها لسيطرة الميليشيات الإسلامية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، التي انبثقت بدورها عن “جبهة النصرة” (جناح تنظيم القاعدة في سوريا). ويوجد بالفعل اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في المنطقة منذ عام 2020. ويدعم كل من البلدين أحد طرفي الحرب: إذ تقف موسكو إلى جانب النظام السوري، بينما تدعم أنقرة جماعات المعارضة المختلفة. لكن وقف إطلاق النار انتُهك مرارًا وتكرارًا.
مزيد من الضربات الجوية
منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر 2023، يعاني الناس في محافظة إدلب مجددًا من القصف المتزايد من قبل القوات الحكومية السورية والجيش الروسي. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، والذي يعتمد بدوره على السلطات المحلية، فقد قتل ما لا يقل عن 99 مدنيًا وأصيب أكثر من 400 آخرين حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023. وينفي النظام السوري وحليفته روسيا الهجمات على المدنيين، ويزعمان أنهما استهدفا مواقع للجماعات المسلحة.
وتعتبر هجمات النظام ردًا انتقاميًا على هجوم بطائرة بدون طيار على حفل عسكري في مدينة حمص، الخاضعة لسيطرة بشار الأسد. لكن لا أحد يعرف من يقف وراء الهجوم في حمص، ولذلك لا يمكن التحقق من المعلومات.
وأفاد الدفاع المدني السوري في شمال غرب البلاد بشن النظام وروسيا هجمات على الأسواق والمستشفيات. وتصف إديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الوضع في المنطقة بأنه “مأساوي”، وتوضح: “كان التأثير على المرافق المدنية والبنية التحتية الحيوية كبيرًا: فقد تضررت 40 منشأة صحية و27 مدرسة وأكثر من 20 شبكة مياه بسبب أعمال العنف”. هذا العنف يشعر به أيضًا أشخاص مثل أفراد عائلة خالد وليد الذين يعملون في حقولهم.
يقول خالد، الذي يعيش مع زوجته وأطفاله الأربعة في بيت صغير بجبل الزاوية: “كل شخص تقريبًا في هذه المنطقة يكسب لقمة عيشه من الزراعة؛ البعض لديه أشجار تين والبعض الآخر أشجار زيتون. وقد تمكن البعض من جلب محاصيلهم إلى مكان آمن وتوقفوا عن الذهاب إلى الحقول منذ ذلك الحين. والبعض الآخر لم يعد يجرؤ على الذهاب إلى هناك، لكنهم يفقدون مصدر دخلهم. وهذا أمر مهلك في ظل الوضع الاقتصادي الحالي”.
120 ألف شخص نزحوا مرة أخرى!
ومن بين 4.5 مليون شخص يعيشون في شمال غرب سوريا، هناك 2.9 مليون نازح داخليًا. ويعيش نحو مليونين منهم في مخيمات اللاجئين على الحدود مع تركيا، لكن تلك المخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية.
وأدى التصعيد العسكري إلى خلق حالة من عدم الاستقرار وتسبب بجولة أخرى من النزوح. ووفقًا للأمم المتحدة، فر حتى الآن 120 ألف شخص داخل محافظة إدلب، معظمهم شمالًا نحو الحدود التركية على أمل أن يكونوا أكثر أمانًا هناك. لكن هذه المنطقة بالتحديد هي التي لا تزال تعاني من تبعات الزلزال المدمر الذي وقع في 6 شباط/فبراير 2023.
وبسبب الحرب والوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، أصبح أكثر من 90 بالمئة من سكان شمال غرب سوريا يعتمدون بالفعل على المساعدات الدولية. ومع ارتفاع التضخم وتزايد البطالة، يواجه أغلب الناس التحدي الذي لا يمكن التغلب عليه والمتمثل في تلبية احتياجاتهم الأساسية. والنقص ليس في الغذاء فقط، بل في الأدوية والإمدادات الطبية أيضًا. وبسبب التفجيرات المتزايدة، لم يعد الأشخاص -الذين لا يزال لديهم وظائف- يستطيعون الذهاب إلى العمل بانتظام أو إرسال أطفالهم إلى المدرسة.
برنامج الأغذية العالمي يوقف مساعداته في سوريا!
ولم تعد المنظمات المحلية قادرة على مساعدة الناس بعد الآن. وينتهي العام بأخبار سيئة إضافية: فبسبب الصعوبات المالية الكبيرة، يضطر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى وقف مساعداته الغذائية في جميع أنحاء سوريا اعتبارًا من العام المقبل.
وهذه الحقيقة صعبة بشكل خاص بالنسبة للاجئين في المخيمات الواقعة شمال غرب البلاد، حيث يتعين عليهم الآن مواجهة برد الشتاء القارس بمفردهم. وقال روس سميث، نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في سوريا، ردًا على سؤال من المانيا اليوم: “سيواصل برنامج الأغذية العالمي دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أنحاء البلاد من خلال مهام طوارئ مؤقتة وأصغر حجمًا وأكثر تحديدًا”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، سيواصل برنامج الأغذية العالمي دعم الأطفال دون سن الخامسة والأمهات الحوامل والمرضعات من خلال برامج التغذية وبرامج التغذية المدرسية وكذلك دعم الأسر الزراعية”. ومع ذلك، يخشى روس أن يؤدي إنهاء المساعدات الغذائية العامة إلى زيادة سوء التغذية من بين أمور أخرى.
ولا يريد خالد وليد الاعتماد على برامج المساعدات، بل الاستمرار في زراعة أرضه وكسب لقمة العيش منها، ويقول: “نحن خائفون باستمرار، ولكن ليس لدينا خيار آخر”.
أعده للعربية: محيي الدين حسين