برلمان أوروبا يشدد قوانين اللجوء في ظل تنامي اليمين الشعبوي
صادق البرلمان الأوروبي (الأربعاء العاشر من أبريل / نيسان 2024) على ميثاق الهجرة واللجوء إلى دول التكتل القاري. وجاءت هذه الخطوة بعد ماراثون من المفاوضات والخلافات دامت سنوات بين مختلف التيارات السياسية الممثلة في المؤسسة التشريعية الأوروبية وعلى خلفية تنامي طلبات اللجوء وتوظيفها من قبل اليمين الشعبوي المتشدد. وبهذا الصدد قالت روبرتا ميتسولا رئيسة البرلمان الأوروبي “استغرق إعداد القانون عشر سنوات. لكننا التزمنا بتعهدنا”. وعرفت مشاريع إصلاح نظام الهجرة الأوروبي جدلا محموما، منذ 2015 عندما وصلت أعداد قياسية من المهاجرين إلى دول التكتل وخصوصا ألمانيا. وجاءت مصادقة المؤسسة التشريعية قبيل الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو/ تموز المقبل والتي قد تحقق فيها الأحزاب اليمينية الشعبوية اختراقات جديدة.
وتمت بلورة النظام الجديد على أساس تضامن إلزامي بين كل الدول الأعضاء، كما أكدت ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالقول “ستكون كل الدول الأعضاء جزءا من جهد التضامن هذا، لكنها ستختار أفضل طريقة للقيام بذلك”. غير أن التكتل القاري ربما يكون في حاجة إلى ثورة في الثقافة السياسية لمواجهة أزمة اللجوء وفق عدد من المعلقين الأوروبيين. وبهذا الصدد قامت صحيفة “لا ستامبا” الإيطالية (11 أبريل) بتقييم قواعد اللجوء الأوروبية الجديدة بنوع من التشكيك فكتبت معلقة “ربما يكون هذا الاتفاق أيضا نتيجة لأزمة هوية، بمعنى أن هذا ينبئنا بأن هويتنا ربما لا تكون قوية إلى هذا الحد إذا كانت سياساتنا، الوطنية والأوروبية، تشعر باستمرار بالتهديد الخارجي! نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية تنقلنا من الخوف إلى الفضول تجاه أوروبا، التي إذا أرادت أن ترقى إلى مستوى هذا الاسم، يتعين عليها أن تدافع عن قيم المساواة والتنوع. الاتفاقية تزيد من رفع جدار القلعة الأوروبية. وبذلك، فإنها تعزل نفسها عن تطورها الطبيعي. وفي هذا الصدد، فإن البرلمان الأوروبي المنتهية ولايته يعطي البرلمان الجديد مهمة أساسية: يتعين علينا أن نتعامل مع مشكلة العنصرية البنيوية، التي تهدد مستقبل أوروبا ذاتها”.
القانون الجديد بين التضامن والتشدد
تقضي قوانين اللجوء الجديدة أنه، إذا لم تكن دولة بالاتحاد الأوروبي ترغب في استضافة طالبي لجوء، فعليها الالتزام بتقديم مقابل لذلك مثل مساهمات مالية لصندوق دعم خاص بهذا الغرض. كما يجوز لدول التكتل أن تطلب توزيع طالبي اللجوء على دول أخرى بالاتحاد. غير أن الجزء الأكثر إثارة للجدل يتعلق بإقامة منشآت ومراكز إيواء على الحدود الأوروبية لاستضافة طالبي اللجوء وفحصهم وإعادة مقدمي الطلبات غير المقبولين سريعا. وسيقضي طالبو اللجوء ما يصل إلى 12 أسبوعا في مراكز استقبال على حدود التكتل، لحين اتخاذ قرار بشأن طلب اللجوء. وسيخضع للفحص عند الحدود مقدمي طلبات اللجوء الوافدين من دول تقل نسبة قبول اللاجئين منها عن 20 % في الاتحاد الأوروبي وكذلك الدول التي تم تحديدها باعتبارها خطرا على الأمن العام.
صحيفة “مجري نمزيت” الموالية للحكومة في بودابست كتبت معلقة (11 أبريل) “لا أحد يهتم بما تنطوي عليه قوانين الهجرة واللجوء هذه وما هي العواقب التي يمكن أن تؤدي إليها. لمدة تسع سنوات (…) لم يكن لدى الاتحاد الأوروبي أي فكرة عما يجب فعله مع تدفق المهاجرين. (…) خلال تسع سنوات، ثبت بكل وضوح أن دعوة المهاجرين، وإدارة الهجرة غير الشرعية، وإطفاء الحرائق باستمرار في أحياء أوروبا الغربية التي أصبحت خطيرة، هي مسارات خاطئة تماما. (…) سيكون بمقدور كل دولة أوروبية حماية نفسها إذا أرادت ذلك. ويمكن تأمين الحدود البحرية والبرية بشكل كامل، حتى بدون وجود وحدات ضخمة لحرس الحدود. التكنولوجيا اللازمة لذلك موجودة، وأي شخص يعتقد أن الحماية الذاتية مهمة وينفق الأموال اللازمة عليها سوف يستخدمها. (…). يوجد في أوروبا حاليا نقص في الإرادة والتصميم على إنشاء مجتمع جاد والسماح له بالعمل وفقا للقواعد المناسبة”.
ظلال اليمين المتشدد ـ حسابات الربح والخسارة
تتزامن الانتخابات الأوروبية المقبلة المقررة في يونيو/ حزيران 2024. فهل سيشكل الاستحقاق الأوروبي محطة جديدة لتكريس المد اليميني الشعبوي، أم أن الطريق لا يزال غير معبد تماما أمام هذه الأحزاب التي كانت إلى عهد قريب تنظيمات هامشية يرى فيها لناخبون تهديدا للديموقراطية. غير أنها أحزاب غير بعضها في السنوات الماضية استراتيجياتها وخففت من لهجتها، إلى حد ما، بشأن عدد من القضايا كالهجرة والعداء لمؤسسات الاتحاد الأوروبي. وتمكن اليمين الشعبوي من الوصول للسلطة في عدد من البلدان كإيطاليا حيث تترأس جورجيا ميلوني زعيمة حزب “أخوة إيطاليا”، الحكومة، كما حقق غيرت فيلدرز و”حزب الحرية” في هولندا مكاسب واضحة، ناهيك عن تكريس “التجمع الوطني” الفرنسي لمارين لوبين مكاسبه الانتخابية في البلاد. أما في إسبانيا وألمانيا فأصبح كل من “فوكس” و”البديل من أجل ألمانيا” جزءا ثابتا في المشهد السياسي في البلدين.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة “ABC” الإسبانية (11 أبريل) “الحقيقة هي أن لا أحد يحب ما تم الاتفاق عليه. ويعتقد اليمين المتطرف أن الإصلاح ضعيف للغاية، في حين يقول اليسار وحزب الخضر إنه يذهب أكثر من اللازم. ومن ناحية أخرى، فإن قوى الوسط غير راضية عن التوازن المتفق عليه بين التزامات الدول المضيفة مثل إيطاليا وإسبانيا والمساعدات الاقتصادية من الدول الغنية مثل ألمانيا. (…). لم يكن التصويت على الحزمة المخططة ناجحاً إلا بفضل الأحزاب الرئيسية المؤيدة لأوروبا، وهي الاشتراكيين والديمقراطيين، وحزب الشعب الأوروبي (EPP)، وليبراليي تجديد أوروبا. وما يدل على عدم الرضا هو حقيقة أن هذه الأحزاب فشلت في الحفاظ على انضباط التصويت”
ألمانيا ـ أهمية الانتخابات الأوروبية
اعتبر المستشار الألماني أولاف شولتس تصويت البرلمان الأوروبي، “خطوة تاريخية لا غنى عنها”. وكتب أن الإصلاح يرمز إلى “التضامن بين الدول الأوروبية”. كما رحبت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (حزب الخضر) بالنتيجة. وكتبت “ستحصل أوروبا على قواعد ملزمة إنسانية ونظامية. وهذه أيضًا أخبار جيدة للبلديات في ألمانيا”. ومن المنتظر أن تصادق الدول الأعضاء على قواعد اللجوء بحلول نهاية أبريل / نيسان الجاري وهو إجراء شكلي أخير قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ في أجل قدره سنتان على أبعد تقدير. ويأتي هذا الاتفاق قبيل الانتخابات البرلمانية الأوربية التي من المتوقع أن تكون فيها قضية الهجرة واللجوء موضوعا رئيسيا.
ففي ألمانيا
، سيشارك ما لا يقل عن أربعة وثلاثين تنظيما سياسيا ألمانيا في غمار الانتخابات الأوروبية المقبلة. فإلى جانب الأحزاب التقليدية العتيدة، سيدخل حلبة التنافس لأول مرة حزب “تحالف فاغنكنشت” اليساري الذي تأسس مؤخرا، وكذلك “جماعة الجيل الأخير” المتشددة المعنية بالمناخ وقضايا البيئة، إضافة إلى تنظيمات مجهولة وأقل حضورا في الإعلام، كـ”حزب العقل” و”حزب العالم البشري”. ويحق لألمانيا انتخاب 96 نائبا في البرلمان الأوروبي. وسيتمكن في هذه الدورة مشاركة فئة عمرية جديدة من الناخبين تتراوح أعمارهم بين 216 و17 عاما، بعدما تم خفض سن التصويت لأول مرة.
“البديل من أجل ألمانيا” وحصان الهجرة
في آخر استطلاع للرأي أجراه معهد ألينسباخ الألماني (11 أبريل)، ظهر أن حزب ال”البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي قد تراجعت شعبيته نسبيا، إذ خسر نقاطا في مختلف ولايات البلاد بعد حملة المظاهرات الشعبية وفق وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) نقلا عن وكالة بلومبرغ. ويركز الحزب على انتقاد الهجرة، ودعم برلين للمجهود الحربي الأوكراني. الاستطلاع كشف أن الحزب، الذي يدعو إلى ترحيل المهاجرين ويروج لفكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي، خسر نقطتين مئويتين ليبلغ نسبة 16% منذ شباط / فبراير الماضي، غير أن شعبية الحزب لا تزال صامدة حيث لا يزال في مرتبة متساوية تقريبا مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة المستشار أولاف شولتس الذي بلغت نسبته 15% أما المعارضة التي يقودها الحزب الديمقراطي المسيحي، فقد واصلت صدارتها، حيث كسبت نقطتين لتبلغ 34%.
رغم التذبذب في شعبية اليمينيين الشعبويين في أوروبا في استطلاعات رأي قد تبدو متضاربة أحيانا، إلا أنهم حققوا مكاسب واختراقات انتخابية كبيرة في عدد من الاستحقاقات الانتخابية. غير أن هذا النجاح تضعفه الخلافات العميقة بين مختلف لمكونات الأوروبية لهذا التيار. وتحت قبة البرلمان الأوربي يمكن التمييز بين مجموعتين على الأقل وهما: مجموعة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” (ECR)، ومجموعة “الهوية والديموقراطية” (ID). فالأولى تدعم توسع التكتل نحو الشرق ومؤيدة لحلف الناتو ولأوكرانيا في حربها ضد روسيا، فيما تبدي المجموعة الثانية التحفظ والكثير من الغموض تجاه هذه القضايا.
اليمين المتشدد بين الشعبوية والبراغماتية
إن اليمين الشعبوي حينما يصطدم بإكراهات السلطة يصبح أكثر واقعية كما يظهر ذلك في حالة رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني التي تستقبل بحفاوة الملوك في كل العواصم العالمية. ففي سياسة الهجرة، كما هو الحال بشكل عام، اتبعت ميلوني نهج التعاون بدلاً من المواجهة مع بروكسل. وزارت تونس وطرابلس والقاهرة مع رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي ورؤساء حكومات التكتل القاري الآخرين من أجل إقناع الشركاء في شمال أفريقيا بالحد من تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط. وحتى اتفاق ميلوني الثنائي مع ألبانيا لإنشاء مراكز استقبال وترحيل لمهاجري القوارب حظي بمباركة بروكسل، وقد أشاد به البعض باعتباره نموذجاً محتملاً لسياسة الهجرة المشتركة للاتحاد الأوروبي في المستقبل.
وتسعى الأحزاب الأوروبية التقليدية إلى عدم ترك موضوع الهجرة واللجوء حكرا على الأحزاب اليمينية المتشددة. ففي ألمانيا أشاد ممثلو الحكومة بالقانون الجديد باعتباره توحيدًا تاريخيًا بين الدول الأعضاء. لقد كانت ولادة قسرية، فقد أصبحت ضغوط الهجرة مصدراً للانقسام في الاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة. ووقع فعلا تحول تاريخي، ظهر في إحداث مرافق حدودية ومخيمات استقبال وعدم السماح بدخول أوروبا إلا لأولئك الذين لديهم فرصة الإقامة الدائمة. إن تحولاً جذرياً يجري الآن: إذ بات أمن الاتحاد الأوروبي أولوية على الحق الأساسي في اللجوء. وهذا تحول تاريخي، ولن يكون بالتالي احتفالا بالإنسانية وفق عدد من المراقبين.
حسن زنيند