إلى أين تتجه السياسة الأوروبية بخصوص الشرق الأوسط؟
رغم الحرب الحالية بين حماس وإسرائيل، إلا أن الاتحاد الأوروبي ملتزم، على المدى الطويل، بحل الدولتين بهدف إحلال السلام في الشرق الأوسط. وهذا يعني من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي وجود دولة إسرائيل من ناحية، ومن ناحية أخرى دولة فلسطين داخل الحدود التي تم تحديدها تقريبا قبل أكثر من ثلاثين عاما من خلال اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين.
وأشار جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأخير في بروكسل إلى أن الاتحاد الأوروبي متمسك رسميا بـ”حل الدولتين”، ولكن الوصول إلى “حل الدولتين يصبح أصعب يوما بعد يوم. يجب أن نتحدث عن ذلك”.
وأضاف كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي بالقول إن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة أصبحت الآن أولوية، ولكن “إذا أردنا حلا سياسيا دائما، فعلينا أن ننشط بشكل أكبر من أجل ذلك”.
ارتفاع عدد الدول الأوروبية المعترفة بـ”دولة فلسطينية”
تعترف جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بدولة إسرائيل. فيما تعتبر تسع فقط، من الدول الأعضاء الـ 27، الأراضي الفلسطينية دولة. والآن ارتفع العدد إلى 11، مع انضمام إسبانيا وإيرلندا إليها، معترفة بـ”دولة فلسطين”، التي تتكون من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. بيد أنه لا توجد حكومة موحدة لهذه المناطق الفلسطينية. فحركة حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي، هي التي تحكم قطاع غزة حتى الآن.
كما أعلنت مالطا وسلوفينيا أنهما ستعترفان بدولة فلسطينية بمجرد أن يحين الوقت المناسب. أما وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب فصرحت أن بلجيكا قررت عدم منح الاعتراف للأراضي الفلسطينية كدولة، حتى إشعار آخر.
لم تعترف معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في أوروبا الغربية، وكذلك بريطانيا أو الولايات المتحدة، بدولة فلسطين. أما الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية من بولندا إلى بلغاريا فقد اعترفت بفلسطين بالفعل في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عندما كانت لا تزال جزءًا من الكتلة الشرقية التي كانت تقف إلى جانب الفلسطينيين.
وحينها أيضا كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) تنظر إلى المناطق الفلسطينية كدولة كاملة العضوية. ومع نهاية جمهورية ألمانيا الديمقراطية في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1990 والاتحاد مع الجمهورية الاتحادية، انتهى هذا الاعتراف أيضا.
ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تريد الانتظار
تريد غالبية دول الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ألمانيا، قبول دولة فلسطينية، بمجرد تحقق السلام، وقيام إسرائيل بهذه الخطوة أيضا. ولكن هذا أمر غير مرجح. فقد رفضت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حل الدولتين حتى قبل الحرب الحالية ضد حماس. بالمقابل ترفض حركة حماس الإرهابية الاعتراف بدولة إسرائيل وقد اتخذت لنفسها هدف تدمير الدولة اليهودية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني: “نحن نؤيد إقامة الدولة الفلسطينية، لكن الدولة الفلسطينية يجب أن تعترف بإسرائيل وأن تعترف بها إسرائيل. بالتأكيد لا يمكن أن تكون دولة فلسطينية تقودها حماس، وهي منظمة إرهابية”. يشغل تاجاني حاليا منصب رئيس مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.
وقبل الانشغال بالنقاش بجدية حول حل الدولتين مرة أخرى، لابد قبلها من أن ينتهي الصراع الدموي بين حماس وإسرائيل. وقد اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على ذلك خلال اجتماعهم في بروكسل مؤخرا.
ودعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مرة أخرى إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة بهدف “إنهاء معاناة الرهائن المحتجزين، وإنهاء معاناة الناس في غزة”. وفي أعقاب الهجمات الإرهابية على إسرائيل، والتي قتلت فيها حماس قرابة 1200 شخص واختطفت 250 آخرين، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية واسعة النطاق لتفكيك مواقع حماس في قطاع غزة.
تجاهل أمر المحكمة الدولية – ماذا بعد؟
مازلنا بعيدين عن وقف إطلاق النار. حيث أطلقت حماس صواريخ مرة أخرى باتجاه تل أبيب، انطلاقا من رفح في قطاع غزة. وقصف الجيش الإسرائيلي مخيما للاجئين بالقرب من رفح، مما أدى إلى مقتل 45 شخصا على الأقل، وفقا لمصادر فلسطينية.
وقال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في بروكسل: “كلا الجانبين يتجاهلان أوامر محكمة العدل الدولية”. وتساءل بوريل أمام وزراء الخارجية الأوروبيين: “هذه معضلة حقيقية. كيف يمكن للمجتمع الدولي فرض تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية؟”.
حيث أمرت محكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الجمعة (24 مايو/أيار 2024)، بناء على طلب جنوب إفريقيا، بضرورة قيام إسرائيل بإنهاء عمليتها العسكرية على الفور في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، والسماح بالمزيد من المساعدات الإنسانية.
وتحدثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، معبّرة عن لسان حال الغالبية العظمى من الدول الأعضاء في التكتل الأوروبي، وقالت في بروكسل: “إن الإجراءات المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية ملزمة، وبالطبع يجب اتباعها. ولكننا نشهد العكس. كان هناك المزيد من الصواريخ التي أطلقتها حماس على تل أبيب. وفي الوقت نفسه، نرى أنه ليس مكسبا لأمن إسرائيل ألا يتم إطلاق سراح الرهائن عندما يحترق الناس في الخيام الآن”.
وكانت بيربوك تشير إلى الهجوم الإسرائيلي على مخيم للاجئين، والذي سيتم الآن التحقيق فيه أيضا من قبل مكتب المدعي العام الإسرائيلي. وقالت بيربوك في بروكسل: “ينطبق القانون الدولي على الجميع، وهذا ينطبق أيضا على الحرب الإسرائيلية”.
من جهته أشار وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني إلى أن حماس تنتهك أيضا القانون الدولي من خلال إخفاء مواقعها بين السكان المدنيين. معتبرا أن حماس تستغل الناس في رفح. وقال تاجاني: “جرى إغراء إسرائيل لإيقاعها في فخ إعلامي”. فصور الضحايا المدنيين في قطاع غزة من شأنها بالطبع أن تشوه نوايا إسرائيل.
“ليست هناك معاداة للسامية من جانب المدعي العام”
وانتقد منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الحكومة الإسرائيلية بشدة. واعتبر أن إعلانها بأنها لن تلتزم بأي حال من الأحوال بأوامر المحكمة أمر غير مقبول. كما طالب بوريل، ليس فقط باحترام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي لها ولاية قضائية على الدول، وإنما أيضا باحترام المحكمة الجنائية الدولية، التي لها ولاية قضائية على الأفراد.
وكان المدعي العام في المحكمة الجنائية في لاهاي كريم خان قد طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
“علينا أن نترك للمحكمة أن تقرر – دون إهانات – رأيها في طلب المدعي العام. لسوء الحظ، ليس هذا هو الحال. لقد اتُهم المدعي العام بمعاداة السامية، وهو ما يحدث دائما عندما يكون هناك شيء لا تحبذه حكومة نتنياهو”، يقول جوزيب بوريل.
ويضيف رئيس الدبلوماسية الأوروبية: “لا يمكن هنا تحت أي ظرف من الظروف قبول اتهام المدعي العام بمعاداة السامية”.
أعده للعربية: ف.ي