الهجرة وإصلاح سياسة اللجوء.. ماذا تتوقع أوروبا في 2024؟
قضية سياسة الهجرة واللجوء كانت حاضرة ومسيطرة على مناقشات وجدول أعمال اجتماعات الاتحاد الأوروبي في عام 2023. وكان الأمر كذلك داخل ألمانيا، حيث كان هناك جدل وخلاف بين الحكومة الاتحادية والولايات والبلديات والسلطات المحلية المثقلة بعبء اللاجئين.
كما أن الوفاق حول مسألة الهجرة واللجوء لم يكن دائما قائما حتى بين أطراف الائتلاف الحكومي في برلين. كذلك عانت واشتكت العديد من دول الاتحاد الأوروبي من عبء اللاجئين ومن أنظمة اللجوء المثقلة بالأعباء لديها كما الحال في ألمانيا.
تزايد عدد الباحثين عن الحماية في أوروبا
ازداد عدد طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي خلال العامين الماضيين. ففي عام 2022 وصل عددهم إلى حوالي مليون شخص تقريبا، ولكنه قد يتجاوز المليون خلال عام 2023، حسب وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء. وهذا أعلى رقم منذ عام 2015 الذي شهد أزمة لجوء وقدوم عدد كبير من طالبي اللجوء بشكل استثنائي.
ومن بين القادمين خلال عام 2023 هناك أكثر 350 ألف شخص دخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير نظامية خلال أحد عشر شهرا، حسب وكالة حماية الحدود الأوروبية “فرونتكس”.
علما أن الهجرة غير النظامية هي فقط جزء ضئيل من الهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، حسب ما هو منشور على موقع مفوضية الاتحاد الأوروبي.
وللمقارنة، في عام 2022 هاجر إلى دول الاتحاد الأوروبي بصورة نظامية 3,5 مليون شخص، هذا يعني أن اللاجئين الحاصلين على وضع اللجوء، هم أيضا تقريبا مثل هؤلاء الذين يأتون من أجل التأهيل العلمي والمهني أو البحث عن فرصة عملفي أوروبا.
استمرار قدوم اللاجئين إلى أوروبا
يتوقع الخبراء أن يستمر قدوم الكثيرين إلى أوروبا خلال عام 2024 عبر طرق خطيرة قد تكلفهم حياتهم. وحسب كاثرين ولارد، مديرة المجلس الأوروبي للاجئين،، هناك عدد قياسي من اللاجئين حول العالم. عدد قليل منهم سيصلون إلى الاتحاد الأوروبي لطلب الحماية، وتتوقع أن يصل عدد هؤلاء إلى حوالي مليون شخص في عام 2024. وأغلبهم يحتاجون فعلا للحماية، تقول في حوارها مع المانيا اليوم.
هذا ما يراه، دافيد كيب أيضا، الباحث في شؤون الهجرة في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين (SWP) إذ “ليس هناك مؤشرات على تغير ذلك” في ضوء تفاقم الأزمات حول العالم، يقول كيب.
لكن هذا العدد من المهاجرين، يمكن التحكم به، وقد ظهر ذلك مثلا من خلال التعامل مع الأشخاص الذي فروا عام 2022 من أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، حسب ولارد. ووفق مجلس الاتحاد الأوروبي وصل عدد الأوكرانيين الذين حصلوا على الحماية المؤقتة إلى 4,2 مليون شخص.
وتطالب خبيرة شؤون الهجرة، ولارد، بجعل نظام اللجوء الأوروبي أكثر فعالية وعمليا بدل الإصابة بالهلع إزاء الأرقام والإحصائيات.
العبرة في تطبيق وتنفيذ الإصلاحات
في نهاية عام 2023 توافقت دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي على إصلاح واسع لسياسة الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي. لكن قبل دخول هذا التوافق السياسي حيز التنفيذ، يجب أن تقره دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي بشكل رسمي. وسيتم هذا خلال النصف الأول من عام 2024 بعد توضيح التفاصيل التقنية.
ويرى الباحث السياسي دافيد كيب، أن دخول الإصلاحات حيز التنفيذ والعمل بها يحتاج من عامين إلى ثلاثة أعوام. ففي البداية هناك الاتفاق الرمزي، الذي يعني “تحررا سياسيا” للفاعلين المعنيين بالأمر من الناحية العملية.
والإصلاح الذي تم الاتفاق عليه، يتضمن تشديد الإجراءات، مثل بحث طلب اللجوء على الحدود بالنسبة للاجئين الذين فرص حصولهم على حق اللجوء ضئيلة. وخلال ذلك سيتم إيواء هؤلاء في ظروف تشبه ظروف السجن، بدون استثناء للعائلات التي لديها أطفال.
كما تم الاتفاق أيضا على تخفيف أعباء الدول التي تشكل حدود الاتحاد الأوروبي الخارجية وتستقبل عددا كبيرا من طالبي اللجوء مثل إيطاليا واليونان، وذلك عبر آلية للتضامن الإلزامي بين الدول الأعضاء، من خلال استقبال جزء من طالبي اللجوء، والدول التي ترفض ذلك يجب عليها دفع تعويض مالي أو تقديم مساهمة أخرى، بغية تخفيف العبء عن تلك الدول الحدودية.
بيد أنّ العديد من المنظمات الحقوقية انتقدت الإصلاحات بشدة، إذ تخشى كاثرين ولارد، من أن يتم إفراغ حق اللجوء من محتواه وهو هش أصلا الآن. فهي تعتقد أن هذا الإصلاح لن يحل المشاكل في مجال الهجرة، وتقول “بسبب المسؤولية الكبيرة للدول الحدودية، نتوقع المزيد من عمليات الصد والإعادة من على الحدود”.
وبالنسبة لتنفيذ الإصلاحات، يقول كيب، يجب الانتظار أولا لمعرفة مدى قابلية الاقتراحات للتطبيق العملي. فمثلا يجب التوضيح فيما إذا كان يجب بناء مراكز استقبال لتطبيق إجراءات الحدود، وكيف يمكن أن يكون تصميمها بطريقة تحفظ الكرامة الإنسانية؟
المزيد من اتفاقيات الهجرة مع الدول الأخرى
في صيف عام 2023 وقع الاتحاد الأوروبي على اتفاقية هجرة مع تونس، يدفع بموجبها الاتحاد الأوروبي ما مجموعه أكثر من مليار يورو مساعدة مالية لها مقابل منعها انطلاق قوارب المهاجرين من سواحلها باتجاه أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. لكن حتى الآن لم تثمر الاتفاقية عن نتائج تذكر.
ويبدو أن هناك أزمة في العلاقة بين الطرفين، ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رفض الرئيس التونسي، قيس سعيّد، دفعة بملايين اليورو من الاتحاد الأوروبي باعتبارها “صدقة”.
في عام 2024 ستزداد أهمية دبلوماسية الهجرة، حسب ما يتوقعه دافيد كيب. واتفاقية الهجرة مع تونس، ليست الأولى للاتحاد الأوروبي مع دولة ثالثة بهدف إبقاء المهاجرين بعيدا عن أوروبا. ففي السنوات الماضية عقد الاتحاد الأوروبي اتفاقيات مع تركيا وليبيا، كما يسعى الآن إلى عقد اتفاقية مماثلة مع مصر أيضا.
وهذه الاتفاقيات مثار جدل وخلاف كبير من وجهة نظر حقوق الإنسان. وهي لا تحقق نجاحا كبيرا تقول كاثرين ولارد، وتضيف لـ المانيا اليوم “ليست هناك مصلحة حقيقية أو رغبة في تولي مهام أوروبا” لدى تلك الدول.
وأكثر من ذلك، تتطلب إجراءات الحدود المزمع العمل بها، المزيد من التعاون مع الدول التي عليها استقبال طالبي اللجوء المرفوضين، يوضح دافيد كيب. وليس من مصلحة دول العبور استقبال أشخاص من دولة ثالثة، ليسوا من مواطنيها!
هل ستكون الهجرة موضوعا في حملات انتخابات البرلمان الأوروبي؟
هناك حديث غير رسمي في بروكسل مفاده أنّ الوصول إلى اتفاق حول إصلاح سياسة اللجوء كان لسحب البساط من تحت أقدام اليمينيين الشعبويين. ففي صيف هذا العام 2024 ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي. والهجرة كانت موضوعا بارزا ولعبت دورا كبيرا في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها أوروبا، كما في هولندا.
بيد أنّ بعض الخبراء مثل دافيد كيب، غير متفائلين بقدرة قواعد اللجوء الجديدة في المساهمة بالتخفيف من التوتر وحساسية هذا الموضوع. فالحقيقة هي أن حركة الهجرة مستمرة.
أعده للعربية: عارف جابو