هل يمكن أن يصبح "فاشي" رئيسا لوزراء ولاية ألمانية؟
بعد التقرير الاستقصائي الذي نشرته مؤخرا شبكة “كوريكتيف” الصحفية حول الخطط السرية التي وضعها سياسيون من حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي (AfD) مع متطرفين يمينيين لطرد المهاجرين من ألمانيا، ازدادت التحذيرات من جانب المراقبين السياسيين وكذلك ناجين من المحرقة وباحثين في مجال التطرف من عواقب صعود الحزب على جمهورية ألمانيا.
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير دعا بدوره إلى اليقظة، كما اكتسبت المناقشة حول حظر الحزب زخما، بالنظر إلى التطرف الذي يتصاعد في صفوف “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي.
وفي الوقت نفسه، يسعى الحزب للمشاركة في الحكم بعد سنوات قضاها في صفوف المعارضة. وفي عام 2024 يمكن “للبديل” الشعبوي أن يحقق نجاحات سياسية مهمة، لأنه عام حافل بالانتخابات: فإلى جانب انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران، هناك العديد من الانتخابات على مستوى برلمانات الولايات، وانتخابات البلديات.
وتشير استطلاعات الرأي حاليا إلى أن الحزب الذي يضم تيارا يمينيا متطرفا هو القوة السياسية الأقوى، خاصة في شرق ألمانيا. وفي ولاية تورينغن الصغيرة، يتطلع الحزب للظفر بمنصب رئيس الوزراء في عام 2024، في حدث هو الأول من نوعه في جمهورية ألمانيا الاتحادية. والشخص المرشح لذلك سياسي متطرف جدا، وهو: بيورن هوكه.
هوكه هو رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “البديل من أجل ألمانيا” في برلمان ولاية تورينغن. وقد شارك المدرس السابق في مدرسة ثانوية في مسيرة للنازيين الجدد.
ليس هذا فحسب، بل إنّ مسؤولين في قيادة الحزب كانوا مقتنعين قبل سنوات بأنه نشر نصوصا تحت اسم مستعار “لاندولف لاديغ”، في منشورات لحزب النازيين الجدد، كانت “قريبة للغاية من فكر النظام النازي في عهد هتلر. وقد نفى هوكه هذه المزاعم. لكنه رفض التوقيع على إفادة خطية بذلك النفي.
ولهذا السبب تقدم “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي، في عام 2017 بطلب لاستبعاد هوكه من الحزب لكن دون جدوى. ولكن بدلا من ذلك، انحرف الحزب الآن نحو التطرف أكثر في اتجاه هوكه؛ وأنصاره يصيغون الآن البرامج.
الأيديولوجية النازية بقيت من المحرمات في ألمانيا لفترة طويلة
منذ نهاية الحكم الوحشي للنظام النازي الألماني، في ظل “زعيمهم” الفاشي أدولف هتلر، الذي نصب نفسه حاكما للبلاد من عام 1933 حتى عام 1945، تم اعتبار أي شكل من أشكال النهج الأيديولوجي أو الرمزي للنازية محظورا على الصعيد السياسي في ألمانيا. فخلال الحقبة النازية، قتل النازيون أكثر من ستة ملايين يهودي أوروبي وكانوا مسؤولين عن الحرب العالمية الثانية، وهي واحدة من أفظع الحروب في تاريخ العالم.
واليوم هناك العديد من مسؤولي حزب “البديل” الذين جذبوا الانتباه بسبب قربهم الأيديولوجي من الفكر النازي. بل يمكن وصف بيورن هوكه بأنه “فاشي”؛ هذا ما قضت به المحكمة الإدارية في ماينينغن في عام 2019. وجاء حكمها “استنادا على أساس واقعي يمكن التحقق منه”، وفق المحكمة.
والآن يمكن أن يتم انتخاب بيورن هوكه رئيسا للوزراء في ولاية تورينغن، في انتخابات سبتمبر/أيلول 2024، كأول سياسي يميني متطرف في ألمانيا ما بعد الحرب يصل لأرفع منصب في إحدى ولايات البلاد.
ومن يتبوأ منصب رئيس الوزراء يصبح مسؤولا إلى حد كبير عن سياسة التعليم والإعلام في ولايته، كما يقرر أيضا فيما يخص الإجراءات التنفيذية لسياسة اللجوء التي يتم إقرارها من البرلمان الاتحادي. وقد يكون لهذا أهمية خاصة، في ضوء دعوة حزب “البديل من أجل ألمانيا”، إلى تغييرات جذرية في مسار سياسة الهجرة واللجوء.
هوكه: “سنوقف محاربة اليمين”
في اجتماع لحزب “البديل” في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلن هوكه أنه سيتخذ إجراءات واسعة إذا تم انتخابه: “سنوقف التصدي لليمين!”، وعد ذلك وسط هتافات أنصاره. كما يريد هوكه اتخاذ إجراءات ضد وسائل الإعلام العامة: “ما الذي سيحدث إذا أصبح هوكه رئيسا للوزراء؟ هل يلغي عقود الحكومة مع وسائل الإعلام؟ نعم، هوكه سيفعل ذلك، نعم”، قالها أيضا وسط هتافات أعضاء حزبه.
بسبب التقارير الناقدة لحزب “البديل” التي تبثها وسائل الإعلام العمومي في ألمانيا، يدعو الحزب منذ سنوات إلى إلغاء أو إعادة هيكلة البث العام في ألمانيا. ويعتمد الحزب، مستلهما نهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على ما يسمى “وسائل الإعلام البديلة”، وينشر أفكاره السياسية من خلال قنواته الحزبية واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي.
وإلى جانب منصب رئيس الوزراء، هناك منصب آخر هام هو رئيس برلمان الولاية، والذي يذهب تقليديا إلى الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات في الولاية. وفي تورينغن من الواضح أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” يتقدم في استطلاعات الرأي. وهذا يعني أن لديه فرصة مشروعة للفوز بهذا المنصب.
“أضرار جسيمة للديمقراطية”
تحذر مدونة متخصصة بالشأن الدستوري في ألمانيا من عواقب ذلك: “الضرر الذي يمكن أن يلحقه حزب شعبوي استبدادي بالديمقراطية بمساعدة هذا المنصب هائل”، لأن رئيس برلمان الولاية ينظم سير العمل البرلماني.
لكن: “حزب البديل من أجل ألمانيا لا يهتم بالمصلحة المشتركة المتمثلة في وجود برلمان فعال”، هذا ما جاء في تقييم مدونة الدستور. “إنه يتغذى على السرد القائل بأن النخب بحاجة إلى الاستبدال وأن الديمقراطية لا تعمل. وهذا الحزب لا يستمد أحقيته في تولي السلطة من الإجراءات الديمقراطية، وإنما يضع نفسه محل الشعب”.
خصوصا في تورينغن، يمكن لرئيس برلمان الولاية تسمية سياسي معين كرئيس للوزراء، حتى لو لم يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات في البرلمان. وستكون الأغلبية البسيطة من الأصوات كافية في الجولة الثالثة من التصويت.
وربما لن يكون من الممكن منع ذلك إلا من خلال تشكيل ائتلاف غير معهود، أي يتعين على الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ (حزب المستشارة السابقة أنغيلا ميركل) وحزب اليسار الاتفاق على مرشح مشترك. لكن الحزبين يعتبران خصمين سياسيين لدودين في ألمانيا – وخاصة في تورينغن.
أعده للعربية: ف.ي