125 عاما على ميلاده.. لماذا كل هذا الاهتمام بقصة آل كابوني؟
في عشرينات القرن الماضي والتي عُرفت بالولايات المتحدة بحقبة “العشرينيات الصاخبة” ذاع صيت آل كابوني الذي أسس في حينه “نقابة” لعصابات الجريمة المنظمة أو مافيا “شيكاغو اوتفيت”.
أطلق البعض على آل كابوني لقب “روبن هود” المافيا الأمريكية لأنه تبرع بالمال الذي حصل عليه من أعماله غير القانونية فضلا عن أنشطته داخل الجمعيات الخيرية، لكنه تميز عن باقي زعماء المافيا برغبته في البقاء تحت دائرة الضوء من خلال حديثه مع الصحافيين وإقامة حفلات كبيرة وصاخبة بالتزامن مع انخراطه في أنشطة غير قانونية.
ورغم مرور الأعوام، مازال آل كابوني الذي عُرف بكونه شخصية غادرة وجذابة، يثير الجدل كحال العديد من رجال العصابات في الماضي. ووفقا لموقع مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن آل كابوني – الذي يحظى باحترام البعض – كان مسؤولا عن إمبراطورية إجرامية في شيكاغو كانت ضالعة في أنشطة غير قانونية مثل القمار والدعارة وبيع الخمور وتهريب المخدرات والسرقة والقتل.
آل كابوني.. من هو؟
ولد ألفونس غابرييل كابوني عام 1899 في حي بروكلين الشهير بمدينة نيويورك وهو ينحدر من أسرة ذات جذور إيطالية حيث كان والداه مهاجرين من نابولي. وفي سن مبكرة، ارتبط كابوني بعصابات الجريمة المنظمة لينضم في سن المراهقة إلى “عصابة النقاط الخمس” ذات الأصول الأيرلندية-الأمريكية لأن معظم أعضائها ينحدرون من إيرلندا.
وانطلاقا من منطقة مانهاتن السفلى بوسط مدينة نيويورك، كانت العصابة تقوم بابتزاز السكان عن طريق الاتفاق على عدم إيذائهم أو الإضرار بممتلكاتهم مقابل الحصول على المال.
لكن آل كابوني سرعان ما أدرك أن العنف وحده لن يضمن له النجاح الدائم.
في عام 1917، قام أحد رجال العصابات ويدعى فرانك غالوشيو بضربه بالسكين في الوجه داخل حانة بعد أن ألقى عبارات فظة على شقيقة غالوشيو. وعلى وقع هذا الإصابة، عُرف آل كابوني بصاحب الوجه ذي الندبة.
وبعد ذلك بوقت قصير، قتل آل كابوني ضحيته الأولى خلال مشاجرة مع عصابة أيرلندية حيث انهال بالضرب على أحد أعضائها حتى الموت ليترك نيويورك ويقصد شيكاغو.
مثلت الفترة ما بين عامي 1925 و1929 ذروة نشاط آل كابوني الإجرامي في شيكاغو حيث اشتهر بكونه رجل العصابات الأكثر شهرة في الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، لم يعتبر آل كابوني نفسه مجرما، بل رجل أعمال حيث كان معروفا بالسخاء وثروة كبيرة حصل عليها باعتباره زعيم المافيا في شيكاغو خلال عشرينيات القرن الماضي إذ كانت أمبراطورية الجريمة المنظمة التي يتزعمها تفتخر بتحقيق إيرادات كبيرة من أنشطة الدعارة وتهريب الخمور.
مذبحة عيد الحب
وصف مكتب التحقيقات الفيدرالي الجريمة التي وقعت في عيد الحب في الرابع عشر من فبراير / شباط عام 1929 بأنها تمثل ذروة عنف رجال العصابات في شيكاغو. وفي ذاك اليوم، تنكر رجال آل كابوني في زي الشرطة وأمروا أعضاء عصابة “باغز موران” بالاستدارة صوب أحد حوائط مرآب كانت تستخدمه العصابة لأغراض التهريب ثم قاموا بعد ذلك بإطلاق النار عليهم.
ورغم أنه كان متواجدا وقت المذبحة بمنزله في فلوريدا، إلا أنه جرى تحميل آل كابوني مسؤولية إصدار أوامر تنفيذ جريمة القتل التي هزت الولايات المتحدة.
لم تتم إدانة آل كابوني مطلقا بأي جريمة قتل، لكنه دخل السجن في نهاية المطاف بسبب تورطه في جريمة تهرب ضريبي لتُكتب نهاية لنشاطه الإجرامي كزعيم مافيا شيكاغو وهو في عمر 33 عاما.
قضى آل كاووني العقوبة في سجن ألكتراز الفيدرالي سيء السمعة بجزيرة في خليج سان فرانسيسكو قبل أن يُطلق سراحه عام 1939 بالتزامن مع تدهور قدراته العقلية بشكل كبير.
توفي آل كابوني في عام 1947 بسبب سكتة قلبية عن عمر يناهز 48 عاما.
آل كابوني.. البعض يعشقه
ترك آل كابوني سجلا إجراميا وسمعة سيئة كانت شوارع شيكاغو شاهدة عليها في عشرينيات القرن العشرين قبل أن تجد هوليوود منها مادة خصبة لإنتاج أفلام مستوحاة من قصة أحد أشهر رجال العصابات في العالم.
تعود صورة رجل العصابات الذي يرتدي البدلة المقلمة والقبعة المائلة، إلى آل كابوني فيما لم يتوقف الأمر على الزي بل كانت لهجته وسلوكياته مصدر إلهام العديد من الأفلام والأغاني وحتى القصص الروائية.
ظهر آل كابوني في مقطع من رواية (The Godfather) أو “العراب” – أحد أشهر روايات الجريمة والإثارة – والتي نُشرت عام 1969 من تأليف الكاتب الأمريكي ماريو بوزو. حول المخرج فرنسيس فورد كوبولا الرواية إلى فيلم عام 1972.
وكانت قصة آل كابوني مصدر إلهام الروائي الأمريكي أرميتاغ تريل الذي استوحى منها رواية ( Scarface) أو “الوجه ذو الندبة” عام 1929 حيث جرى تحويلها إلى فيلمين. ويعد فيلم (The Untouchables) أو “المنبوذون” أحد أشهر الأعمال المستوحاة من شخصية آل كابوني الذي يجسده في الفيلم الممثل الأمريكي الشهير روبرت دي نيرو فيما كان الفيلم من إخراج براين دي بالما.
وفي عام 2020، حاول فيلم “كابوني” من بطولة النجم البريطاني توم هاردي تسليط الضوء على حياة آل كابوني.
ويشير هذا الكم الكبير من الأعمال السينمائية إلى حقيقة مفادها أن آل كابوني مازال شخصية تثير الانبهار بعد مرور 125 عاما على ولادته.
ويرى الكثير من النقاد أن شخصية آل كابوني لا تجسد فقط “الحلم الأمريكي” بانتقال ابن مهاجر من براثن الفقر إلى الثراء، لكنها تجسد تناقضات الثقافة الأمريكية خلال حقبة حظر الخمور في الولايات المتحدة في الفترة ما بين عامي 1920 و1933 حيث اتسمت هذه الأعوام بالتناقض بين ضبط النفس المتزمت والاستهلاك المفرط.
أعده للعربية: محمد فرحان