ما العمل حيال إدمان وسائل التواصل الاجتماعي؟


صرف المزيد من الوقت على الهاتف المحمول وصعوبة تركه قد يكون شعورا مألوفا لكثيرين منا، وبدلا من قضاء القليل من الوقت في التصفح والدردشة، تتوالى الساعات ونحن جالسون أمام الشاشة. وبالرغم من أن هذا الأمر قد يبدوا ممتعا للبعض إلا أنه لا يخلوا من سلبيات عديدة، قد تكون مدمرة، وذلك لأن عدد الأشخاص الذين ينفقون المزيد من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي يتزايد باطراد.

في ألمانيا وحدها، هناك أكثر من ستة في المائة من الأطفال والمراهقين تم تصنيفهم بأنهم باتوا متعلقين بمنصات الوسائط الإعلامية وفقا لدراسة نشرتها شركة التأمين الصحي “DAK” في ربيع عام 2023، وهو ما يعني تعلق أكثر من 600,000 فتى وفتاة بشكل زائد بالشاشة. كما أن هذه المسألة باتت مشكلة أيضا لأكثر من مليوني مراهق يقضون ما بين ثلاث وأربع ساعات يوميا أمام الشاشة وهو أكثر بكثير مما كان عليه الأمر قبل جائحة كورونا

مفيد أم ضار؟

مع إبراز هذه الأرقام، فإن السؤال التي يتوارد بالأذهان هو: هل شبكات التواصل الاجتماعي سيئة بالمجمل؟ يقول توبياس دينلين، أستاذ التواصل التفاعلي بجامعة فيينا إن “دور وسائل التواصل الاجتماعي متناقض ومختلف”. ويوضح لـ المانيا اليوم: “هناك الكثير من المحتوى غير المنطقي، بيد أنه أيضا توجد مواقع مفيدة، كما أن استقبال هذه المعلومات مختلف أيضا، فهناك من يقضى الوقت أمام الشاشة ليستهلك المعلومات بشكل سلبي، أي دون تفاعل، وهناك من يتفاعل مع المعلومات بنشاط ويقوم بالتواصل مع الآخرين ويعمل على الحفاظ على العلاقات الاجتماعية. وبحسب الخبير من جامعة فيينا فإنه لا بأس في كلا الأمرين ما دام أنه يتم الاستخدام بشكل معتدل، بيد أن هذا الأمر قد يتحول لمشكلة لبعض المستخدمين في حال الاستخدام المفرط.

حتى الآن، لا يوجد تشخيص طبي معترف به رسميا لوصف إدمان وسائل التواصل الاجتماعي”، يقول دينلين، ويتابع: “لكن عدم وجود هذا التشخيص لا يعني أن الظاهرة غير موجودة”.

يقول عالم النفس الإعلامي إنه إذا أصبح استخدام هذه الوسائط مفرطًا لدرجة أن الشخص لم يعد بإمكانه القيام بأشياء أخرى مهمة، أو أنه في الواقع يريد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أقل ولكن لا يمكنه التفكير في أي شيء آخر، أو أن يهمل المرء العلاقات الاجتماعية؛ فهنا يمكن الحديث عن نوع من أنواع التبعية أو الإدمان.

خوارزمية جذابة

تعمل معظم وسائل التواصل الاجتماعي على مبدأ الحوافز والمكافآت قصيرة الأجل. توفر الإعجاب والرموز التعبيرية تأكيدا إيجابيا للمضمون الذي تقدمه، وإذا لم تعجبك قطعة واحدة من المحتوى، فانتقل بسرعة إلى الجزء التالي. يوضح العالم دينلين: “أدى إدخال التصفح اللانهائي على وجه الخصوص إلى حقيقة أنه لا يمكنك أبدا إنهاء القراءة، إذ يتم توفير محتوى جديدا دائما”. “بالطبع، هذا عامل إدمان أيضا، لأنه يتعين عليك فصل نفسك بنفسك عن الشاشة”. ويوضح عندما أنتهي من قراءة كتاب، يتم اشعار المخ أن العملية انتهت والأمر ذاته عبر البرامج التلفزيونية أيضا، لكن هذا ليس هو الحال على الإنترنت.

كما تضمن الخوارزمية المتبعة في وسائل التواصل الاجتماعي أننا كمستخدمين نتعرض لمحتوى مصمم بشكل متزايد وفقا لاهتماماتنا، مما يجعل من الصعب التوقف عن الاستهلاك في الوقت المناسب. الأشخاص الذين يعانون أيضا من مشاكل في مجالات أخرى معرضون بشكل خاص لإدمان وسائل الإعلام. يقول دينلين: “بالنسبة لأولئك الذين يعانون بالفعل من ضعف في التحكم في الانفعالات أو الذين يواجهون بالفعل صعوبة في تنظيم حياتهم اليومية، فإن هذا الأمر يغدوا  أكثر صعوبة بالنسبة لهم مع وسائل التواصل الاجتماعي”. وبحسب عالم الاعلام الرقمي فبالنسبة للأشخاص الوحيدين أو الغرباء أو الأشخاص المصابين بالاكتئاب، يمكن أن يكون الاستهلاك المفرط لوسائل الإعلام هروبا مرحبا به من الواقع “لأنه يسمح لنا بتنظيم مزاجنا وإنهاء المواقف”، ويوضح: “عندما أشعر بالملل، عندما أشعر بالإرهاق، عندما أشعر بالخجل، عندما ألوم نفسي على تصرف معين، ثم ألتقط هاتفي وألجأ لوسائل التواصل الاجتماعي، فإني أشغل نفسي بأمر آخر ويختفي الشعور الذي كنت أعاني منه”.

بيد أنه على العكس من ذلك أيضا، يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط لوسائل الإعلام إلى تفاقم الأمراض العقلية الموجودة مسبقا مثل الاكتئاب أو اضطرابات الأكل. على سبيل المثال، إذا تم البحث بنشاط عن المحتوى المراد ثم تشغيله بشكل مكثف بواسطة الخوارزمية لوسائل التواصل الاجتماعي. وهو ما يعني التعرض الدائم لأمر قد يزيد من شعورنا السيئ رغما عن أنفسنا.

يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط لوسائل الإعلام إلى تفاقم الأمراض العقليةصورة من: Robin Utrecht/picture alliance

دعاوى قضائية جماعية

في الولايات المتحدة الأمريكية، رفعت مئات من العائلات الآن دعوى قضائية جماعية ضد أربعة من أكبر الشركات ويتهمون الشركة الأم للفيس بوك Meta ، وموقع TikTok الصيني  ومزوده ByteDance ، والشركة المسؤولة عن YouTube وهي Alphabet بالإضافة إلى Snap ، مزود برنامج المراسلة Snapchat ، ليس فقط بقبول إدمان أطفالهم وشبابهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن حتى الترويج لهذا الإدمان بفعالية والمساعدة عليه. وانضمت العديد من المناطق التعليمية الأمريكية إلى الدعوى القضائية. ومن بين أمور أخرى، يتهم المدعون الشركات بعدم تنفيذ التحقق الآمن من العمر وعدم كفاية آليات الرقابة للآباء. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يجعل من الصعب على المستخدمين إزالة حسابات الوسائط الاجتماعية التي تم إنشاؤها بالفعل.

لفترة طويلة، لم يكن من الواضح ما إذا كان سيتم خوض هذا النزاع القانوني على الإطلاق. إذ رفضت شركات التكنولوجيا جميع الادعاءات باعتبارها لا أساس لها من الصحة. لكن في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني أمر قاض اتحادي أمريكي بقبول الدعوى.

لكن ما مدى فائدة هذه الخطوة؟ عالم النفس الإعلامي دينلين رأيه منقسم حول الأمر ويقول إن “دعوى قضائية مثل هذه تثير الاهتمام في المقام الأول، وفي رأيي أنه من المنطقي الإشارة إلى المشكلة. ولكن – كما هو الحال في كثير من الأحيان – فهي مقايضة. إذا كان أولئك الذين يعرضون خدماتهم يجعلون خدماتهم أكثر جاذبية، وهو هدف كل شركة تريد تحقيق الربح فبالطبع، يقومون تلقائيًا بتعزيز عامل الإدمان. لا يمكن للمستخدم التنصل من المسؤولية تمامًا. عليك فقط القيام بالأمرين معًا: عليك تحسين التكنولوجيا وفي نفس الوقت التدريب والمساعدة للمستخدمين”. 

استراتيجيات مكافحة التهديد بالإدمان

الشيء الأكثر أهمية هو أن تقوم دائمًا بإلقاء نظرة نقدية على استخدامك لوسائل التواصل واستخدام أطفالك لها. ويقول دينلين: “ناقشوا الأمر كعائلة وتدربوا على عدم الاستخدام ما لم تكن هناك حاجة، بدلا من القول على الفور بأن وسائل التواصل الاجتماعي هراء محض”.

عالم الإعلام دينلين ينصح أيضًا بتحديد أوقات معينة للاستخدام ووضع هاتفك الخلوي بعيدًا في أوقات معينة أخرى. ومن الضروري أيضًا تعلم إيجاد بدائل للهواتف الذكية مرة أخرى مثل التمارين الرياضية والهوايات والأصدقاء والعمل التطوعي. ويوضح: “من الخطأ الاعتقاد بأن السبب الرئيسي وراء شعورك بالاستياء هو شبكات التواصل الاجتماعي فقط. في كثير من الأحيان، يكون تعلقك بهاتفك الذكي هو في المقام الأول تعبير عن مشكلة أخرى أعمق، وهو تعبير يمكن أن يخلق بدوره مشاكل جديدة”. ويتابع: “غالبًا ما يكون إدراك ذلك هو الخطوة الأولى للتخلص من إدمان الهواتف الذكية”.

توماس لاتشان

نقله للعربية علاء جمعة

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment