في فصل الخريف يبدأ الضغط الحقيقي على شجرة الزيتون. يمكن لشجرة الزيتون تحمل فترة الجفاف الطويلة من إبريل/ نيسان إلى سبتمبر/ أيلول والصقيع المفاجئ في نوفمبر/ تشرين الثاني بشكل جيد في المجمل، ولكن عندما تخسر ثمارها تحت تأثير الهزات القوية وقتقطاف الزيتون ويتم قص أغصان منها فإنها تعاني يقول روبين غوميز، الذي يشرف على الإنتاج والحصاد في شركة غارسيا دي لا كروث ” García de la Cruz ” ويضيف: “لقد كان بإمكان هذه الأشجار أن ترتاح لمدة عام حتى الآن، لكن هذا سيتغير قريبًا”.
في مزرعته الصخرية بمدينة توليدو، يجري حاليًا قطاف الزيتون. التربة هنا رمادية وليست بنية وجميلة كما هو حال التربة في الجنوب الإسباني “الأندلس” كما يسمي الإسبان هذه المنطقة الجغرافية. العمال يبدو عليهم النشاط وبمعونة جرار زراعي “تراكتور” مع جهاز خاص يمسك ساق شجرة ويهزها، في الوقت نفسه يضرب الرجال على الأغصان بعصي طويلة.
تتساقط حبات الزيتون، سواء أكانت خضراء أو سوداء، على الشبكة السوداء الممتدة تحت الشجرة. “بالنسبة للشجرة، إنه ضغط هائل. يجب ألا يستمر الاهتزاز لمدة تزيد عن 15 ثانية، ويجب أن يكون الضرب حذرًا”، يشرح غوميز. وعادةً ما تنتج كل شجرة حوالي 40 كيلو غراما من الثمر.
تّأثير الجفاف وعواقبه
تؤدي فترة الجفاف في بعض المناطق فيإسبانيا إلى محاصيل سيئة للغاية في العديد من الأماكن. في الواقع، لا يحتاج شجر الزيتون عمومًا إلى الماء، ولكنه لا يستطيع تحمل الكثير من الحرارة خلال فترة الازهار في مايو/ أيار. وهذا ما حدث في عام 2023. ونتيجة لذلك، ارتفعت الأسعار بشكل حاد منذ الصيف.
مع ذلك ، تعد شركة García de la Cruz أحد المنتجين القلائل في إسبانيا الذين تمكنوا، بفضل تقنية الحصاد اللطيفة بشكل خاص والري الجزئي لمزارعهم، من جعل أشجارهم تؤتي ثمارها كل عام: “هذا هو أيضا الحل للمزارعين الآخرين”. 25 في المائة من المزرعة مروية الآن بشكل مصطنع، مع مجسات تقيس بالضبط متى وكمية المياه التي تحتاجها الشجرة.
التحكم في أسعار الزيت
الخبرة التقنية للإسبان في زراعة الزيتون واستخراجزيت الزيتون أصبحت مطلوبة على مستوى العالم. زيت الزيتون الإسباني يُعتبر الأفضل، ويقومون بإنتاج كميات كبيرة ومع ذلك، تأتي معظم آلات التصنيع والعصر في الغالب من إيطاليا وألمانيا.
ومع ذلك، تتحدد أسعار السوق العالمية للزيتون في خيان، حيث تكون المناظر الطبيعية مغطاة بالكامل بأشجار الزيتون. حالياً، يبلغ سعر المنتج في تلك المنطقة حوالي ثمانية يورو للتر، بينما تكلف زجاجة زيت الزيتون في المتجر عشرة يورو، وهو أكثر من ضعفين مقارنة بما كان عليه قبل عامين.
ومع ذلك، لا يزال الطلب في السوق العالمية مرتفعا”، يؤكد غوميز، الذي يرى في الوضع الحالي فرصة ضخمة أيضًا. إذ لم يؤسس الإسبان مزارع زيتون في الولايات المتحدة فحسب، بل قاموا أيضا بتوريد أطنان من زيت الزيتون غير المعبأ إلى إيطاليا المنافسة والوسيطة ومع ذلك، نظرًا لأن الإيطاليين يصدرون الزيت الإسباني بنسبة 50 بالمائة فقط ويستهلكون الباقي، يصبح المنتج أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلك النهائي، كما يعتقد أنطونيو كانياديلا، رئيس تعاونية سان سيباستيان-أسيتيس أومبريون: “لذلك يجب على إسبانيا السيطرة على سلسلة التوريد الخاصة بها بنفسها”. يبيع الإيطاليون أيضا الزيت الإسباني تحت علاماتهم التجارية الخاصة، مما يعني أن الكثيرين في العالم ما زالوا يعتقدون أن الزيت الإيطالي، وليس الإسباني، هو الرائد في الأسواق العالمي.
زيت الزيتون كسلعة فاخرة؟
ومن المشاكل الأخرى أيضا أن التعاونيات الزراعية الإسبانية على وجه الخصوص غالبا ما تتميز بهياكل عفا عليها الزمن. فالتعاونيات الزراعية الإسبانية غالبًا ما تعاني من بنية قديمة، وتسيطر هذه التعاونيات على 80 في المائة من السوق. هناك عدد قليل من النساء يعملن بهذا المجال، ولكن تتميز شركة غارسيا دي لا كروز. التي تأسست قبل 150 عامًا على يد امرأة بأنها واحدة من الشركات القليلة من منتجي زيت الزيتون في إسبانيا التي ترحب باليد العاملة النسائية، عدا عن كونها واحدة من الشركات التي تسيطر تمامًا على سلسلة التوريد الخاصة بها، مما يضمن ليس هوامش ربح عالية فقط، وإنما أسعارا أكثر تنافسية أيضا.
يتم تصدير معظم إنتاجهم تقريبًا إلى اليابان والولايات المتحدة. يمكن بيع زجاجات التي سعتها لتر واحد هناك بضعف السعر مقارنة بإسبانيا. على النقيض من ذلك، فإن المشاكل الهيكلية في سوق الزيتون الإسبانية وفشلالحصاد ساهما في تسارع التضخم وغلاء الأسعار في السلسلة الغذائية الإسبانية على مدار العامين الماضيين.
وقد أصبح زيت الزيتون سلعة فاخرة حتى في إسبانيا. فوفقًا لدراسة قامت بها جامعة مدريد المستقلة، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية في إسبانيا بنسبة 15,7 بالمائة العام الماضي، ويتوقع أن تظل معدلات التضخم في هذا العام تقريبًا على نفس المستوى. كنتيجة لذلك، بدأ الإسبان يغيرون عاداتهم بالفعل. وتقدر الدراسة بأن “استهلاك الزيتون الوطني في إسبانيا سينخفض هذا العام بنسبة 38 بالمائة”.
هيكل توزيع قديم
الاقتصادي الإسباني رافائيل بامبيلون من جامعة سان بابلو CEU في مدريد مقتنع بأن هناك بعض الحقائق الأخرى التي توضح أسباب المشكلة ويقول: “الحقيقة هي أيضًا أن زيت الزيتون في فرنسا والبرتغال أرخص بكثير من زيتوننا. السبب في ذلك ليس فقط في أن الظروف المناخية هناك كانت أفضل، ولكن أيضًا لأن الطلب لدينا كان مرتفعا في الماضي. هذا يكلف الكثير من المال”. ولهذا السبب، لا يعتقد بامبيلون أن أسعار المنتجات الزراعية في إسبانيا ستنخفض مرة أخرى في عام 2024 بالنظر إلى التوقعات المناخية الحالية.
في انتظار عام 2025
بالتأكيد، تبقى شجرة الزيتون هي الشجرة المثلى لإسبانيا، على الرغم من أنها يعاني من تغير المناخ، كما أكد مدير معهد المياه في قشتالة لامانشا، خوسيه ماريا تاروخيلو مارتين بينيتو بقوله إن “شجرة الزيتون تحتاج فعليًا إلى مياه الأمطار فقط وتتحمل الجفاف. هناك أشجار في إسبانيا تعيش منذ مئات السنين.”
ويعتقد الخبير أن مشكلة نقص المياه في الزراعة الإسبانية يمكن حلها من خلال التكنولوجيا، ولا تحتاج إسبانيا لتقليل إنتاجها الزراعي. وهو بنفسه يعمل على إيجاد حل لزيادة الإنتاجية بدون إلحاق المزيد من الضرر بالبيئة.
من جهته يذهب إنريكي غارسيا تينوريو إلى أبعد من ذلك، إذ يعتقد مؤسس تسمية المنشأ (DO) لزيت الزيتون من منطقة “مونتي دي توليدو” أن إنتاج زيت الزيتون في إسبانيا يجب أن يصبح أكثر مرونة: “لا يوجد نقص في المياه في كل مكان في إسبانيا. نحن هنا في توليدو لم نعان بقدر معاناة خيان”. كما يتوقع أن يتعافى السوق في عام 2025 ومعه أسعار زيت الزيتون. يراهن غارسيا تينوريو على أن اللتر سيكلف ما بين ثلاثة وأربعة يورو في المتجر مرة أخرى في المستقبل.
أعده للعربية: علاء جمعة