حصاد 2023 – من مرموش لكعبر .. صحوة عربية في الكرة الألمانية


هذا الموسم (2023/2024)، يحتضن فريق أينتراخت فرانكفورت بمدربه الجديد دينو توبمولر أربعة من اللاعبين العرب، أحدثوا أثرا كبيرا في تقديم أداء هو الأفضل له بالدور الأول من البوندسليغا منذ سنوات طويلة. فقد انتقل إليه التونسي إلياس السخيري، قادما من كولن، في صفقة انتقال حر هذا الصيف. هذا اللاعب الجوكر الذي يلعب في خط الوسط ويمكنه تقديم مهام دفاعية وهجومية أيضا صنع فارقا في أداء فرانكفورت، حيث يتسم السخيري بالثقة والثبات وبرودة الأعصاب. يلعب السهل الممتنع ولديه رؤية موسعة للملعب. وخاض السخيري مع فرانكفورت 14 مباراة بالدوري، سجل خلالها هدفين وصنع هدفا، لكن أثره يتعدى تسجيل الأهداف وصناعتها.

مرموش يُنسي فرانكفورت رحيل كولو موانيه

مع بداية الموسم الجديد كان فرانكفورت منقلبا رأسا على عقب بسبب رغبة الفرنسي كولو موانيه، نجم الفريق وهدافه، في الرحيل إلى باريس سان جرمان. ورضخ النادي في النهاية بعد الحصول على 100 مليون يورو، نظير التخلي عن موانيه. لكن جاء إلى فرانكفورت في الصيف، وفي صفقة انتقال حر، مهاجم مصري، جعل النادي والجماهير تنسى موانيه. إنه عمر مرموش، الذي سئم مقاعد البدلاء في فولفسبورغ، حيث المدرب نيكو كوفاتش، فهجرها إلى الثقة والتقدير من جانب دينو توبمولر في فرانكفورت.

إنه لاعب جسور يقدم كل ما لديه ولا يخشى الالتحامات أو الصراعات للحصول على الكرة من المنافس. وكثيرا ما يتسبب مرموش في حصول المنافسين على إنذارات لأنهم لا يجدون طريقا آخر لإيقافه سوى العنف. واستطاع أن يسجل في 15 مباراة 7 أهداف وصنع 3 آخرين ليكون مشاركا في أهداف الفريق بنسبة تقترب من 40 في المائة. بيد أن دوره لا يقتصر على ذلك فحسب، فبتحركاته الجسورة يفتح الطريق أمام زملائه الآخرين أمام مرمى المنافسين.

النجم المصري عمر مرموش، يحتفل بالتسجيل في شباك بايرن ميونيخ. مهاجم أينتراخت فرانكفورت هو أبرز اللاعبين العرب في الملاعب الألمانية في النصف الثاني من 2023. صورة من: Gerhard Schultheiß/Jan Huebner/IMAGO

لكن مرموش بجانب التفوق، أخطأ مثلا، حيث حصل على العديد من البطاقات الصفر بدون داع، فقد أوقف لمباراة بعد حصوله على خمس بطاقات، ليغيب عن اللقاء المهم أمام ليفركوزن ويخسر فرانكفورت بالثلاثة، بعد أسبوع من فوزه التاريخي على بايرن بنتيجة 5/1، والتي افتتحها مرموش بالتسجيل، وصنع أهدافا أيضا، وكان عاملا أساسيا في الفوز الكبير. ومن المؤكد أن غياب مرموش والسخيري عن فرانكفورت خلال كأس أمم إفريقيا سيؤثر أيضا على نتائج الفريق.

كما تسبب مرموش في ضربة جزاء ضد فريقه في مباراة بوخوم، منحت بوخوم التعادل لتضيع نقطتان على فرانكفورت. لكن لابد من القول إن ضربة الجزاء تلك كانت مثيرة للجدل وتعرض بسببها الحكم بنيامين براند لانتقادات. 

ويكمل الثلاثي العربي الأساسي بفرانكفورت الجناح الجزائري فارس الشايبي، الذي جاء هذا الموسم إلى عاصمة المال في ألمانيا وأوروبا قادما من تولوز، بعقد يمتد لخمسة مواسم. وقد سجل الشايبي هدفا مع فرانكفورت خلال 13 مشاركة مع فرانكفورت بالدوري وصنع 4 أهداف، ويشكل مع السخيري ومرموش ثلاثيا متفاهما في الملعب وربما أيضا خارجه. وسيغيب الشايبي أيضا بسبب كأس إفريقيا حيث سيشارك مع منتخب بلاده في البطولة.

النجم الجزائري فارس شايبي يحتفل بتسجيل هدف فوز فرانكفورت على دورتموند 3/2 في الدوري الألماني وخلفه يظهر عمر مرموش (29/10/2023)صورة من: Jan Huebner/IMAGO

أما رابع العرب في فرانكفورت فهو لاعب خط الوسط المغربي الشاب مهدي لعوني (19 عاما)، الذي تم تصعيده من فريق الشباب إلى فريق الكبار، غير أنه لم يخض حتى الآن ولا مباراة مع الفريق الأول.

ماينز – رحيل سريع لأنور الغازي

وفي ماينز، المجاورة لفرانكفورت، كان يوجد في فريقها لاعبان مغربيان، لم يبق منهما سوى لاعب واحد هو لاعب خط الوسط أيمن برقوق، الذي عاد من الفريق الرديف بماينز هذا الموسم. وخاض برقوق 13 مباراة سجل خلالها هدفا وصنع آخر. ومن المنتظر أن يشارك برقوق مع منتخب المغرب في كأس أمم إفريقيا.

أما المغربي الآخر الذي رحل سريعا عن ماينز فهو أنور الغازي، الذي يحمل أيضا الجنسية الهولندية. جاء الغازي هذا الموسم إلى ماينز قادما من أيندهوفن وخاض معه ثلاث مباريات فقط في الدوري الألماني. وقد وقعت مشكلة كبرى بين الغازي وماينز بسبب منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية الحرب في غزة. في البداية أوقفه النادي وأجرى معه تحقيقات ليتمسك الغازي بموقفه ويعلن ماينز (في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر 2023)، فسخ تعاقده مع اللاعب مغربي الأصل.

المغربي أنور الغازي لم يخض سوى ثلاث مباريات فقط مع ماينز صنع خلالها هدفا وحيدا، ليغادر سريعا بعد خلاف حول منشورات له داعمة للفلسطينيين. صورة من: Revierfoto/IMAGO

في بايرن ميونيخ، زعيم الكرة الألمانية، يتواجد منذ الموسم الماضي المدافع المغربي نصير مزراوي، بعقد يمتد حتى 2026. شارك مزراوي في الموسم الحالي في 11 مباراة بالدوري الألماني مرر خلالها ثلاث تمريرات حاسمة “أسيست”. كما مرر تمريرة حاسمة أيضا في مشاركاته الأربع بدوري أبطال أوروبا. لكنه تعرض لمحنتين، خرج من الأولى، عندما تحدث عن حرب غزة على مواقع التواصل الإجتماعي وارتفعت أصوات تطالب برحيله من بايرن، لكن الفريق البافاري تمسك بمدافعه، بعد تحقيق وحوار معمق معه. أما المحنة الثانية فهي تعرضه للإصابة بتمزق عضلي في ربلة الساق، قبل جولتين من نهاية الدور الأول، ومن المتوقع أن يغيب مزراوي ستة أسابيع، وربما يكون محظوظا فيخرج من هذه المحنة ويستطيع المشاركة مع أسود الأطلس في كأس أمم إفريقيا التي تقام في كوت ديفوار في يناير/ كانون الثاني 2024.

ماذا جرى لبن سبعيني في دورتموند؟

وفي بوروسيا دورتموند، المنافس، التقليدي لبايرن في العقدين الأخيرين، مازال المدافع الجزائري الصلد رامي بن سبعيني يبحث عن إثبات نفسه في الفريق الذي انتقل إليه هذا الصيف قادما من مونشنغلادباخ، الذي كانأساسيا ومتألقا فيه. وصحيح أن رامي أساسي في دورتموند إلا أنه لم يقدم بعد ما ينتظر منه، وبعد أنا كان يصنع ويسجل في شباك الخصوم أصبح يخطئ كثيرا ويتسبب في دخول أهداف في مرمى فريقه بل والتسجيل بالخطأ في شباك الحارس غريغور كوبل. وفي 13 مباراة مع دورتموند بالدوري هذا الموسم لم يسجل أو يصنع بن سبعيني أي هدف، لكن ربما يعود بعد كأس إفريقيا محملا بدافع قوي، يجعله يقدم في دورتموند ما يتناسب مع موهبته الكبيرة.

كانت أيام رائعة لرامي بن سبعيني مع بوروسيا مونشنغلادباخ، ينتظر منه الآن أن يعود لمثل هذا التألق مع فريقه الجديد بوروسيا دورتموند.صورة من: Marius Becker/dpa/picture alliance

أما باير ليفركوزن، بطل الخريف هذا الموسم فلديه الجناح المغربي أمين عدلي، الذي سيذهب إلى تمثيل بلاده بكأس أمم إفريقيا. ويقدم عدلي مستوى مميزا مع ليفركوزن فقد خاض 11 مباراة بالدوري سجل خلالها هدفا وصنع ثلاثة. وكان الإعلام قد تحدث في بداية الموسم عن أن بايرن ميونيخ كان مهتما باللاعب، لكن عدلي قال لموقع “تي أونلاين” الألماني إن انتقاله إلى ليفركوزن هو القرار الصحيح.

وفي واقع الأمر فإن ليفركوزن في وجود عدلي وغيره من النجوم مثل فلوريان فيرتس وفيكتور بوني فيس يؤدي حتى الآن موسما غير مسبوق، إذ إنه الفريق الوحيد الذي لم يتعرض لخسارة هذا الموسم بعد انتهاء الدور الأول.

وبجانب عدلي في ليفركوزن يوجد أيضا مواطنه أيمن عورير (19 عاما)، المولود في كولن لأب مغربي وأم جزائرية. لعب عورير لفريق الشباب في ليفركوزن منذ 2018، قبل أن يصعد هذا الموسم للفريق الكبير ويخوض أول تجربة له في عالم الكبار نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني في مباراة بالدوري الأوروبي. وقرر عورير تمثيل منتخب المغرب، ما يعني أنه وعدلي سيغيبان عن ليفركوزن في يناير/ كانون الثاني.

أمين عدلي يحتفل بعد تسجيله الهدف الثاني لفريق ليفركوزن في شباك هاكن بالدوري الأوروبي (21/9/2023)صورة من: Thilo Schmuelgen/REUTERS

تونسيان في أونيون برلين

وبعيدا في العاصمة برلين، يشارك لاعبان تونسيان مع فريق أونيون برلين، الذي يقدم هذا الموسم أداء مخيبا للآمال على العكس من الموسم الماضي. وهؤلاء هما التونسي الألماني راني خضيرة، شقيق نجم منتخب ألمانيا السابق سامي خضيرة. والدهما من تونس وأمهما ألمانية. وقد لعب راني مع منتخبات ألمانيا للناشئين ولم ينضم للفريق الأول قط. في نهاية الموسم الماضي نجح راني في تسجيل هدف في شباك بريمن في الدوري الألماني ليمنح أونيون برلين مقعدا بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم. لكن الفريق خرج من مرحلة المجموعات خالي الوفاض، فلم يحقق ولو فوزا واحدا في مبارياته الست بالمجموعة الثالثة، التي كان على رأسها ريال مدريد ثم نابولي؛ ليتذيل أونيون برلين المجموعة بعد تعادلين وأربع خسائر. 

عيسى العيدوني هو النجم التونسي الآخر في أونيون برلين. لفت العيدوني الأنظار إليه بقوة خلال كأس العالم بقطر، حيث اتسم بالروح العالية والقوة في الأداء مع نسور قرطاج، وهو ما جعل أونيون برلين يتعاقد معه في يناير/ كانون الثاني الماضي ويؤدي نصف موسم ناجح مع الفريق. لكن في الموسم الحالي لم يكن العيدوني ولا فريقه في الحالة الطبيعية، ورغم ذلك صنع المدافع التونسي لفريقه ثلاثة أهداف في 11 مباراة شارك فيها في النصف الأول من الدوري.

عيسى العيدوني يتسم بالقوة والروح العالية، هنا ينقض المدافع التونسي على الكرة من أمام زالازار لاعب شالكه في مباراة أونيون برلين وشالكه في الدوري الألماني (19/2/2023)صورة من: Martin Rose/Getty Images

وفي نهاية الحديث عن لاعبي الأندية الألمانية، لابد أن نتذكر النجم الواعد محمد طلبة (19 عاما)، مدافع فريق بوخوم ذي الأصل المصري. أثبت طلبة موهبته بقوة في فرق الشباب في بوخوم وكان قائدا لفريق تحت 19 عاما، ثم حصل في يناير/ كانون الأول على عقد احتراف وتم تصعيده للعب مع الفريق الأول، لكنه ولسوء الحظ تعرض في مايو/ أيار إلى إصابة خطيرة عبارة عن قطع في الرباط الصليبي، قيل إنه يحتاج في البداية إلى ستة أشهر للتعافي منها، لكن قد مرت الشهور الستة ولم يعد طلبة. وربما يعود العام القادم مع بداية دور الإياب بالبوندسليغا. 

وفي مختلف البطولات الألمانية الأقل ستجد حتما لاعبين عربا أو من أصول عربية، كثير منهم يحملون جنسية ألمانية أو أوروبية. ففي الدرجة الثانية هناك مثلا في هيرتا برلين لاعب خط الوسط الصومالي السويدي بلال حسين، وزميله الفلسطيني الألماني نادر الجنداوي. وفي أينتراخت براونشفايغ هناك على سبيل المثال التونسي الألماني رامي الزاوي، والعراقي الألماني يوسف أيمن. وفي فريق هامبورغ يوجد المصري الألماني عمر عبد المجيد لاعب خط الوسط أيضا.

ولو استعرضنا بقية الأندية في الدرجة الثانية فسنجد بالتاكيد لاعبين عربا، وكذلك في الدرجة الثالثة والدرجات الأدنى والمسابقات الجهوية.

منتخب ألمانيا للناشئين

وعلى العكس من منتخب ألمانيا للكبار الذي يخلو حاليا من اللاعبين من أصول عربية، يضم منتخب الناشئين تحت 17 عاما ثلاثة لاعبين من أصول عربية ساهموا في فوز الفريق في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2023 بكأس العالم لأول مرة في تاريخ ألمانيا، في البطولة التي أقيمت في إندونيسيا. وسبق لهم هذا الصيف أيضا أن فازوا ببطولة أوروبا التي أقيمت في المجر.

وهؤلاء الثلاثة الألمان من أصول عربية هم من أهم لاعبي المنتخب الألماني للناشئين وعلى رأسهم الألماني من أصل عراقي نوح درويش، أو كما يسميه الألمان “نواه دارفيش”، قائد منتخب ألمانيا ولاعب الفريق الرديف بنادي برشلونة الإسباني. ونوح والده عراقي ترعرع في ستراسبورغ بفرنسا وأمه من أصل جامايكي. وقد سجل نوح درويش في نهائي البطولة الهدف الثاني ضد فرنسا معززا تقدم ألمانيا بهدفين لصفر، قبل أن تتعادل فرنسا ويلجأ الفريقان لركلات الترجيح.

بمشاركة ثلاثة لاعبين من أصول عربية، منتخب ألمانيا للناشئين تحت 17 عاما يفوز لأول مرة في تاريخه بكأس العالم. صورة من: Achmad Ibrahim/AP Photo/picture alliance

والثاني هو المدافع الألماني من أصل مغربي فيصل حرشاوي، لاعب نادي كولن تحت 19 عاما. وخلال كأس العالم بإندونيسيا سافر محمد حرشاوي، والد فيصل، مع ابنه الثاني عماد لمساندة فيصل ورفاقه. والطريف أن عماد، شقيق فيصل، كان له دور أيضا مع منتخب ألمانيا، فبما أنه حلاق، فقد تولى قص شعر رؤوس لاعبي منتخب ألمانيا قبل المباراة النهائية بيوم، حسب ما ذكرت صحيفة كولنر شتات أنتسايغر. وأشعر فيصل سكان حي أهى في مدينة بيرغهايم القريبة من كولن بالفخر، حيث أعرب عمدة المدينة عن سعادته بأن فيصل حرشاوي الذي ولد وترعرع في بيرغهايم كان بين الفائزين بالكأس. وكان حرشاوي قد سجل بنجاح إحدى ركلات الترجيح.

أما آخر الثلاثة فهو الشاب الألماني من أصل ليبي المغيرة كعبر، صاحب ركلة الترجيح الأخيرة التي منحت منتخب ألمانيا لقب الكأس على حساب فرنسا. وهنا لابد أيضا من الإشادة بالحارس الألماني كونستانتين هايده، الذي لقبته الصحافة الألمانية بقاتل ركلات الترجيح، حيث تصدى لركلتي ترجيح مانحا كعبر الفرصة لتسديد الركلة الحاسمة وهو ما حدث بالفعل. والمغيرة كعبر والداه من ليبيا وقد ولد في مدينة بريمن بشمال ألمانيا عام 2006. ويلعب المغيرة مع فريق تحت 19 عاما بنادي بروسيا دورتموند.

لقد كانت 2023 سنة تألق فيها لاعبون عرب أو من أصول عربية في مجال الكرة الألمانية ومن المفترض أن يزدادوا تألقا في الأعوام القادمة، ولأجل ذلك يجب القيام بأشياء كثيرة، منها تطوير أنفسهم والتعامل مع موهبتهم بما تستحقه من اعتناء والتزام.

صلاح شرارة

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment