يعتبر القلب في الواقع عضو بسيط إلى حد ما، فهو مضخة تتكون من أربع غرف، مع عدد قليل من الصمامات والأنابيب والأعصاب. ولكن عندما لا تعمل المضخة كما ينبغي، تبدأ الأمور في الظهور بشكل قاتم. في الأشخاص الذين يعانون من قصور القلب الحاد، تكون المضخة ضعيفة للغاية لدرجة أنها لا تصبح قادرة على نقل الدم عبر الجسم بشكل فعال.
يعاني المصابون بقصور القلب من ضيق شديد في التنفس، حتى أثناء الراحة، إذ لا يتم تزويد أعضائهم بالدم بشكل كاف، لذلك يعانون من نقص في الأكسجين والمواد المغذية. السبيل الوحيد للخروج من المأزق هو قلب جديد.
ومع ذلك، هناك نقص في قلوب المانحين. وفي ألمانيا، يعتبر الوضع صعباً بشكل خاص لأن التبرع بالأعضاء يتطلب موافقة رسمية. وهناك حاجة ماسة إلى بدائل.
أول زراعة لقلب اصطناعي
يحاول أطباء وجراحو القلب بناء قلوب اصطناعية منذ أكثر من 60 عاماً. بالنسبة للمرضى الذين تعاني قلوبهم من مرض شديد ولكنها ليست تالفة تماماً، توجد أنظمة يمكنها دعم أجزاء من القلب، ولكن بالنسبة للمرضى الذين تضرر قلبهم بالكامل بشدة، فهذا الحل لا يكفي، فهم بحاجة إلى بديل فعال.
في عام 1982، تم زرع أول قلب كامل بشكل دائم في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هذه القلوب لها وظائف أساسية فقط، وهي ليست مصممة وفقاً للاحتياجات المحددة للمريض. لهذا السبب تم الترحيب بزرع أول قلب اصطناعي يتكيف مع احتياجات المريض.
كان العقل المدبر وراء هذه العملية الدقيقة هو جراح القلب الفرنسي آلان كاربنتييه، والذي صنع لنفسه اسماً براقاً في وقت سابق من خلال إنتاج صمامات القلب، حيث استعمل مواد بيولوجية مثل غضاريف الخنازير لتحل محل المواد الاصطناعية القديمة.
كانت الميزة هي أن المرضى الذين حصلوا على قلوب جديدة لم يعودوا بحاجة إلى أدوية مضادة للتخثر يتناولونها لبقية حياتهم. مع المكونات الاصطناعية للقلب، تكون هذه الأدوية ضرورية لكنها تنطوي على مخاطر عالية مثل حدوث نزيف قاتل.
زرع 50 قلباً صناعياً في السنوات الأخيرة
توسع كاربنتييه في عمله حتى شلمت المواد البيولوجية البديلة القلب بأكمله، كما قام بتعديل العديد من الجوانب الأخرى مثل أجهزة الاستشعار المتطورة.
كانت النتيجة هي قلب اصطناعي يمكنه التكيف مع النشاط البدني للشخص الذي يتم زرعه بداخله. إذا كنت لا ترغب فقط في الاستلقاء، ولكن أيضاً الجلوس والمشي والجري والرقص، فأنت بحاجة إلى قلب يمكنه فعل كل شيء.
كان أول متلقي لهذا القلب المسمي بـ “قلب كارمات” رجلاً يبلغ من العمر 76 عاماً وكان يعاني من مرض حاد في القلب. ومع المضخة الجديدة، عاش لمدة 74 يوماً أخرى.
في السنوات الأخيرة، تم إجراء العديد من التعديلات الأخرى على مكونات القلب الاصطناعي، كما يوضح ستيفان بيات، رئيس شركة كارمات Carmat، الشركة التي طورت القلب الاصطناعي.
وحتى الآن تم تركيب حوالي 50 قلباً من هذا النوع في المرضى. بالنسبة لـ 14 مريضاً، كانت هذه القلوب هي الحل المؤقت قبل تلقي قلب حقيقي من متبرع. حالياً، لا يزال قلب كارمات ينبض في حوالي 15 شخصاً، لكن بقية المرضى توفوا.
قلب كارمات.. تقنية معقدة
في بعض الأحيان، قد لا تكون المشكلة تقنية بحتة، بل قد تكون صغيرة للغاية لكنها قد تعطل الأمر بأكمله. قلب كارمات – على سبيل المثال – ذو حجم كبير جداً، الأمر الذي يجعله غير مناسب للأجساد الصغيرة، فالنساء – على وجه الخصوص – غالباً ما لا يستطعن استقبال واحد من هذه القلوب في أجسادهن.
علاوة على ذلك، هناك تعقيد آخر. يتكون قلب كارمات من حوالي 250 مكوناً، “كل واحد منها يمكن أن ينكسر أو يتلف”، ولهذا قد يكون قلب كارمات أكثر عرضة للخطر مقارنة بالقلوب الاصطناعية الأخرى، بحسب ما يشرح يفجينيغ بوتابوف من مركز القلب الألماني في مستشفى شاريتيه في برلين.
وكما هو الحال دائماً، تأتي المزايا بثمن مرتفع، فسعر هذا القلب يبلغ 200 ألف دولار (183,000 يورو)، وهو مبلغ ليس بالقليل أبداً.
وفقاً للشركة، فإن حوالي نصف المرضى الذين زرعوا هذا القلب لا يعيشون أكثر من ستة أشهر، كما يقول إيفجينيغ بوتابوف. لكن هؤلاء الناس لم يموتوا بسبب قلب كارمات، ذلك أن المرضى الذين يتلقون قلباً اصطناعياً عادة ما يكونون مرضى بشكل خطير بالفعل.
القلب الاصطناعي.. حل مؤقت؟
بالنسبة لمشاكل القلب الأقل خطورة، فيمكن لأنظمة الدعم الأبسط أن توفر بالفعل الراحة لعدة سنوات أثناء استمرار البحث عن متبرع بقلب حقيقي. لكن هل من الممكن العيش مع قلب كارمات على المدى الطويل؟ هذا هو سؤال المليون دولار، كما يقول ستيفان بيات، رئيس شركة كارمات.
وقال بيات إن الشركة ستتحرك في اتجاه العلاج طويل الأجل في العام المقبل. حتى الآن، تمت الموافقة على قلب كارمات فقط كحل مؤقت في السوق الأوروبية.
يقول إيفجينيغ بوتابوف: “إذا كان حجم القلب أصغر بمقدار النصف ولم يكن هناك أية مشاكل فنية، فسيتم تركيبه وزراعته على الفور”. ومع ذلك، في نهاية عام 2021، اضطرت الشركة إلى إخراج منتجها من السوق لمدة عام كامل بسبب مشاكل في الجودة.
في الوقت نفسه، وتزامناًَ مع احتفال “قلب كارمات” بالذكرى السنوية لأول قلب تمت زراعته، يقوم الباحثون بتجربة استخدام قلوب الخنازير المعدلة وراثياً وكذلك الأنسجة المهندسة وراثياً، لكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه القلوب أكثر نجاحاً من القلوب الاصطناعية، أو ما إذا كان تزايد الرغبة في التبرع بالأعضاء سيقلل من الحاجة إلى الحلول البديلة في المستقبل.
أعده للعربية: عماد حسن