ديوان المحاسبة الفرنسي ينتقد سياسة الدولة تجاه ملف الهجرة


في تقرير نُشر في 4 كانون الثاني/يناير الجاري، وتناول بالتفصيل “سياسة مكافحة الهجرة غير الشرعية” في فرنسا، اعتبر ديوان المحاسبة أن الإدارة الفرنسية “غير فعالة” ودعا السلطات إلى إعادة ضبط استراتيجيتها، التي ركزت حتى الآن بشكل أساسي على الإصدار الجماعي للقرارات الملزمة بمغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) بحق الأجانب.

ولا يتناول التقرير وضع الأجانب الذين يعيشون بشكل قانوني في فرنسا، بل يركز على مختلف السياسات التي وضعتها وزارة الداخلية للحد من تواجد المهاجرين غير النظاميين على أراضي الجمهورية، والذين يقدر عددهم بـ440 ألف شخص.

وديوان المحاسبة (La Cour des comptes) هو محكمة إدارية ومؤسسة عليا للرقابة، مسؤولة عن التحقق من  عمل المؤسسات العامة  وسياسات الدولة وكيفية استخدام الأموال العامة، وينشر تقارير دورية لإعلام البرلمان والحكومة والرأي العام حول نتائج التقييمات التي توصل إليها.

يحاول فريق مهاجرنيوز في هذا التقرير شرح أهم البنود التي ذكرها ديوان المحاسبة:

سوء إدارة الحدود

على الرغم من الانتشار الكبير لقوات الأمن على الحدود الفرنسية (وخاصة على الحدود الإيطالية) منذ عام 2015، وهو تاريخ إعادة فرض الضوابط الحدودية الداخلية بين البلدين، فإن عدد الأجانب الذين يدخلون الأراضي الفرنسية بشكل غير قانوني استمر في الزيادة منذ عام 2015.

واعتبر ديوان المحاسبة أن تلك الاستراتيجية “مُكلفة” من  الناحية المادية والبشرية، ولم يكن لها أثرا فعّالا على إدارة الحدود.

أثناء عمليات التفتيش الحدودية، “تأخذ شرطة الحدود في الاعتبار الهوية المعلنة للأشخاص الموقوفين فقط، دون دمجها في نظام معلومات وطني ودون تسجيل بصمات أصابع الأجانب الموقوفين. ولا تتحقق من وثائق هويتهم أو تحتفظ بنخسة عنها”، ويتنقد التقرير عدم التحقق من ملفات الموقوفين في سجلات الشرطة، إلا في حالات استثنائية.

من جانبها، أعلنت السلطات الفرنسية  عن رفض دخول حوالي 240 ألف شخص بين عامي 2018 و2022، عند نقاط عبورها الحدودية، والبالغ عددها 126 نقطة بما يشمل المطارات والموانئ والمعابر الحدودية البرية.

لكن التقرير يشير إلى أن “تنظيم حرس الحدود لم يتم تطويره بما فيه الكفاية”.

أعداد قليلة من المحتجزين في مراكز الاحتجاز الإداري

وبالنسبة للمحكمة، لا تحتجز السلطات “أعداد كافية من الأجانب غير القانونيين” في مراكز الاحتجاز الإداري (CRA)، مقارنة بعدد قرارات مغادرة الأراضي الفرنسية (OQTF) الصادرة.

فبين عامي 2019 و2022، تم وضع 5% من  الأجانب “غير القانونيين” المطلوب منهم مغادرة الأراضي الفرنسية، في مراكز الاحتجاز الـ22 في فرنسا. وتم ترحيل نصف هؤلاء بعد احتجازهم.

ومع ذلك، وفقا لـ”يوروستات”، تعد فرنسا واحدة من أكثر الدول التي تنفذ عمليات الإبعاد القسري في الاتحاد الأوروبي، حيث نفذت أكثر من 11 ألف عملية إعادة قسرية في عام 2022 وحوالي 19 ألف في عام 2019.

وهناك عدة أسباب تقف أمام صعوبة تنفيذ قرارات الإبعاد، مثل صعوبة تحديد هوية المهاجر الذي لا يملك جواز سفر أو وثيقة هوية، مما يؤدي إلى صعوبات في استكمال الإجراءات الإدارية اللازمة واستصدار تصريح قنصلي من البلد الأم للمهاجر (وهي وثيقة إجبارية لطرد شخص إلى بلده الأصلي). كما أن هناك عوائق أخرى مثل رفض طاقم الطائرة تسيير الرحلات الجوية التي يوجد فيها أجانب يعترضون على ترحيلهم.

وإدراكا منها لإخفاقاتها، بدأت فرنسا منذ آب/أغسطس 2022 في اتخاذ إجراءات صارمة فيما يتعلق بعمليات الطرد، لكنها ركّزت أولوياتها على احتجاز الأجانب غير القانونيين  من مرتكبي الجنح. ومثلت هذه الفئة من الأجانب “الجانحين”، أكثر من 90% من المحتجزين في مراكز (CRA) في نهاية عام 2022، مقارنة بأقل من 50% قبل ذلك بستة أشهر.

تطوير برامج “العودة الطوعية” بدلاً من الطرد

بالنسبة لعمليات الترحيل التي لا تقع ضمن الأولويات، أي تلك غير المرتبطة بـ”الأجانب الجانحين”، يوصي ديوان المحاسبة بتعزيز برامج “العودة الطوعية”، أي دعم المهاجرين الذين يريدون العودة إلى بلدهم الأم.

خلال عام 2022 نفذت فرنسا حوالي خمسة آلاف عملية إعادة طوعية، حسبما يشير التقرير، ما يجعلها تتخلف بشكل كبير عن جيرانها الأوروبيين (26,545 في ألمانيا مثلا).

وبالتالي، تقترح المحكمة تعزيز  برامج العودة الطوعية وجعلها أكثر جاذبية، لا سيما وأن تكلفتها تبلغ حوالي 2200 يورو للفرد الواحد بالمقارنة مع ​​4400 يورو للفرد الواحد في حال إعادته قسريا إلى بلده.

نقص الموارد البشرية في الإدارات

بالإضافة إلى النقص في الموظفين على الحدود الوطنية، يأسف ديوان المحاسبة لنقص الموارد البشرية في الإدارات الفرنسية، وخاصة المحافظات، للتعامل مع الإجراءات الخاصة بالأجانب، ولا سيما إصدار قرارات “OQTF”. ويصف التقرير الوضع بـ”أنهم يكافحون من أجل تنفيذ مهمتهم”.

وجاء في التقرير “على مدى السنوات الخمس الماضية، ارتفع عدد قرارات (OQTF) الصادرة من قبل المحافظات بنسبة 60%، في حين زاد عدد موظفي المحافظات المخصصين  لترحيل الأجانب ومقاضاتهم بنسبة 9% فقط”.

ويشير التقرير أيضاً إلى وجود خلل في التوازن بين المناطق المختلفة، حيث يواجه بعضها  ضغط هجرة قوي، بينما لا يواجه آخرون أي ضغط.

بين عامي 2019 و2022، أصدرت جميع المحافظات الفرنسية حوالي 447 ألف قرار ملزم بمغادرة الأراضي الفرنسية، نصفهم في 10 محافظات “فقط”.

ويرى التقرير أنه من خلال زيادة عبء العمل، تخاطر المحافظات بارتكاب أخطاء بشرية يمكن أن تعطل حياة الأجانب.

غياب التنسيق بين أجهزة الدولة

وأشار التقرير إلى غياب التنسيق بين الإدارات الفرنسية المختلفة في بعض الأحيان، فلا يتم التنسيق بين مراقبة الحدود، والتحقق من الهوية على الأراضي الفرنسية، وقراءات بصمات الأصابع، وتسجيلات عمليات الخروج والدخول إلى فرنسا.

على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعيشون في وضع غير نظامي يتم الكشف عنهم خلال العديد من الإجراءات الإدارية”، لكن سجلات المعلومات   “غير مترابطة بشكل كاف، مما لا يسمح للمحافظات بالحصول على رؤية كاملة لرحلة كل شخص، منذ دخوله إلى البلاد حتى خروجه منها”.

وبناء على ذلك، في بعض الأحيان “لا يتم تحويل إعلان الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية تلقائيا إلى مؤسسات الضمان الاجتماعي أو شركات برامج الإسكان الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى دفع المعونات الاجتماعية بشكل غير مستحق”،  لأشخاص من المفترض أن يغادروا البلاد.

مهاجر نيوز 2024

 

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment