“من الجميل أنك أتيت سيادة المستشار”، قالتها ممثلة الأعمال الألمانية في الجزائر لروبرت هابيك، عندما وصل الجزائر، ما أثار الضحكات بسبب زلة لسانها الصغيرة. فهابيك ليس مستشارا، وإنما نائب مستشار ألمانيا ووزير الاقتصاد وحماية المناخ. هو نفسه تفاعل بابتسامة مع الأمر.
تراجع الشعبية في استطلاعات الرأي .. وأزمات كثيرة
منصب المستشارية بات اليوم بعيدا للغاية. الأمور كانت مختلفة مطلع عام 2022. في ذلك الوقت، تكهن العديد من المراقبين بأن هابيك قد يصبح مستشارا قريبا. وبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كان هو، وليس المستشار أولاف شولتس، الذي شرح للألمان أن الغاز والنفط أصبحا باهظي الثمن. وأنه لن يأتي المزيد من الغاز من روسيا، ولن تبقى الأمور على حالها. وقد لقيت صراحته استحسانا. ففي أغسطس/ آب 2022، وفق لاستطلاع أجراه معهد Infratest-dimap، كان نصف الألمان راضين عن عمله، وهي قيمة عالية نسبيا. ولكنها انخفضت في نهاية يناير/ كانون الثاني من هذا العام إلى 26 بالمئة فقط.
لقد تراكمت الأخبار السيئة منذ بداية عام 2022: أرقام استطلاعات الرأي البائسة بالنسبة له وللائتلاف الحكومي بأكمله، وصعود حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف، وأماكن الخلل العديدة في البلاد: من بنية تحتية متداعية، ومستوى التعليم المتراجع، إلى الثغرات الكبيرة في ميزانية الدولة.
خط أنابيب الهيدروجين عبر البحر المتوسط: “ليس سهلا، ولكنه أمر مفرح”
في زيارته إلى العاصمة الجزائرية كان على هابيك أن يترك همومه في الوطن لمدة يومين ويعمل بعناد على الموضوع الكبير، موضوعه المفضل: مشروع التحول الضخم للطاقة والصناعة – المتمثل في هجر الوقود الأحفوري نحو مصادر الطاقة المتجددة.
ويمكن للجزائر أن تلعب دورا هاما فيه، حيث تقوم الجزائر حتى الآن بتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب يمر عبر البحر المتوسط . ولكن من الممكن أيضا بتعديلات بسيطة استخدام هذه الأنابيب لجلب الهيدروجين إلى أوروبا، وهو هيدروجين خالٍ من الانبعاثات، ويتم إنتاجه باستخدام الطاقة المتجددة. حيث تتمتع الجزائر بصحرائها مترامية الأطراف بحوالي 3000 ساعة من أشعة الشمس سنويا، ويمكن بالتالي توليد الكثير من الكهرباء بالاعتماد على الطاقة الشمسية، كافية لإنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين. كما أن إمكانات طاقة الرياح جيدة أيضا.
ولكن حتى الآن، لم يتم استخدام طاقة الرياح ولا الطاقة الشمسية على نطاق واسع في الجزائر. لذلك، لا يزال هناك الكثير للقيام به، وها هو هابيك يقف الآن على أعتاب هذا الحلم. فلقد تم إطلاق أول خطوة من خلال توقيع الجزائر وألمانيا، في الجزائر العاصمة، على اتفاق النوايا المشترك لإنشاء فريق عمل ثنائي حول الهيدروجين، لتعزيز ودعم الاستثمارات في جميع القطاعات الاقتصادية، العمومية والخاصة، المعنية بتطوير الهيدروجين في البلدين.
وقد عُقدت مائدة مستديرة، نظمت بمشاركة ممثلي الشركات الجزائرية والألمانية العاملة في قطاع الطاقة، وممثلين عن سفارات تونس، وإيطاليا، والنمسا والاتحاد الأوروبي بالجزائر، لمناقشة ملفات التعاون ذات الاهتمام المشترك على غرار الطاقات المتجددة، وتطوير الهيدروجين ومشروع الممر الجنوبي للهيدروجين. حيث من المنتظر أن تشارك تونس وإيطاليا والنمسا في المشروع.
مشروع سيكلف المليارات، وهذا ما يدركه هابيك أيضا، حيث يقول لـ المانيا اليوم: “من الواضح أن التغييرات لا يمكن أن تحدث مجانا”، ويضيف: “لكن في الواقع، ما أفعله هنا الآن هو استمرار لما أفعله في ألمانيا. ولكني أيضا أستمتع به كثيرا. حسنا، المتعة هي الكلمة الخاطئة هنا، ولكنه أمر مبهج”.
هل يُثقل هابيك كاهل الألمان؟
التفكير بتحولات كبيرة، التفكير في المستقبل، وعدم التراجع – بالنسبة لهابيك، فإن الهيدروجين الأخضر هو المنقذ، حتى لو كان لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه، كما يعترف هو نفسه: “نحن نستثمر المليارات من أجل تحويل محطات الطاقة من الغاز إلى الهيدروجين في المستقبل. ولا يوجد هيدروجين، على الأقل حتى الآن، بالأبعاد التي نتحدث عنها”. وللوصول لهدف حماية المناخ باستخدام الهيدروجين، يجب إنتاجه بالطاقة المتجددة، الكثير من الطاقة المتجددة.
وخلال زيارته إلى الجزائر اكتسب من خلال تفكيره هذا الإعجاب. رغم أنه مر مؤخرا مع هذا الحماس بتجارب سيئة في ألمانيا: فقد أدى ما أطلق عليه قانون التدفئة – وهو محاولة التحول بسرعة من التدفئة بالغاز إلى المضخات الحرارية التي تعمل بالكهرباء في المنازل والشقق في ألمانيا ـ إلى مناقشات محتدمة واستياء كبير بين المواطنين.
واستمر النزاع طوال عام 2023 بأكمله تقريبا، وكان الخلاف حاضرا داخل الحكومة أيضا، حيث انتقد الحزب الديمقراطي الحر، الشريك في الائتلاف، نهج هابيك. ولقد تم إقرار قانون التدفئة في أكتوبر/ تشرين الأول، بعد إحداث تغييرات كبيرة عليه. وانخفضت شعبية هابيك.
رجال الأعمال يمتدحون هابيك
وخلال الآونة الأخيرة، حُمّل هابيك المسؤولية تقريبا عن كل ما فرضته الحكومة على المواطنين من أعباء: فخلال احتجاجات المزارعين ضد خفض الدعم الزراعي، مُنع من مغادرة عبارة بعد إجازة قصيرة في إحدى جزر بحر الشمال.
ولكن هابيك لا يزال يحظى بتقدير رجال الأعمال الذين يرافقون نائب المستشار إلى الجزائر. أولاف فوهفينكل من شركة ليبهير للصناعات الثقيلة هو واحد منهم. ويقول لـ المانيا اليوم إن هابيك “واثق جدا، ومتفائل جدا، كما أنه يتمتع بأسلوب مريح جدا. وهو ملتزم للغاية ويتابع الأمور بعناية. كما أنه يشجع الشركات على القيام بشيء ما”.
لا أموال كافية لمزيد من المساعدات الاقتصادية
يريد هابيك تحسين الظروف الإطارية للاقتصاد، ويريد تغيير الهياكل، وإحداث تغييرات جوهرية، بأسرع ما يمكن. وفي رأيه أن حماية المناخ لا يمكن أن تنتظر. وهو يدرك أنه لا يثقل بذلك كاهل بعض المواطنين فحسب، بل الشركات أيضا.
ولهذا السبب يرغب في تقديم مليارات اليورو من أجل تحول الاقتصاد. ولكن مسعاه هذا فشل، ليس فقط بسبب الأحزاب الشريكة للخضر في الائتلاف الحكومي، وإنما أيضا بسبب مبدأ كبح الديون المنصوص عليه في القانون الأساسي (الدستور). لأن أفكار هابيك هي استثمارات للمستقبل ولا يمكن بالتالي تمويلها إلا من خلال أخذ قروض الجديدة.
أعده للعربية: ف.ي