“لا أحد يعرف أين هم. لقد رأينا قاربا مكتظا للغاية، يبحر وسط أمواج عالية الخميس، وهو ما أفادت به منظمة هاتف الإنذار أيضا، ومنذ ذلك الحين تبحث العديد من الجهات الفاعلة عنهم. منذ أيام ونحن نتساءل هل ما زالوا على قيد الحياة؟”، هذا ما نشرته منظمة “سي ووتش” على صفحتها على منصة (X)، أمس الإثنين.
ولا تنفك المنظمات الإنسانية تتحدث عن العثور على قوارب فارغة في عرض البحر، أو ما يعرف بـ”القوارب الشبح” (ghost boats)، وهي قوارب ترجح المنظمات أنها كانت تحمل مهاجرين قبل أن يتوهوا في البحر ويلقوا حتفهم.
“بالنسبة للسلطات، المهم أن عدد المهاجرين الوافدين آخذ في الانخفاض، أما بالنسبة لنا، فالفجوة بين المغادرين والوافدين كبيرة”
وبما أن الأرقام الرسمية لأعداد الغرقى في البحر تتطلب الاستناد على معلومات مؤكدة أو العثور على جثث المهاجرين، تلاحظ المنظمات فجوة كبيرة بين أعداد المهاجرين المغادرين للسواحل الأفريقية وأعداد الوافدين إلى السواحل الأوروبية.
وشرح خوسيه بابلو باريبار، خبير الأنثروبولوجيا الطبية الشرعية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمهاجرنيوز في نهاية نيسان/أبريل الماضي، أن “أعداد القوارب التي تغادر السواحل الأفريقية أكبر بكثير من القوارب التي يعثر عليها، مصير هؤلاء المهاجرين واضح، لقد اختفوا في البحر، أو عثر على قواربهم فارغة (ghost boats). بالنسبة للسلطات، المهم أن عدد المهاجرين الوافدين آخذ في الانخفاض، أما بالنسبة لنا، فالفجوة بين المغادرين والوافدين كبيرة، ومن واجبنا أن نحدد مصير هؤلاء المفقودين”.
ومن المشاريع التي أطلقتها المنظمات لمتابعة هذه القوارب وإحصاء أعداد المفقودين وتحديد هوياتهم، مشروع “المهاجرين المفقودين” التابع للصليب الأحمر الإسباني. ويحاول هذا المشروع جمع أكبر قدر من المعلومات عن جثث المهاجرين التي يعثر عليها، بالإضافة إلى معلومات عن المهاجرين الذين فقدوا على طريق الهجرة، وذلك عبر الاستماع إلى شهادات الناجين وفرق الإنقاذ، فضلاً عما يمكن الحصول عليه من الجانب الآخر للمحيط، سواء من عائلات المهاجرين أو أقاربهم الذين أبلغوا عن اختفائهم.
بعد ذلك، يربط الفريق هذه المعلومات مع بعضها باستخدام برامج وتطبيقات محوسبة تسهّل التعرف على الضحايا والمفقودين، وبالتالي التواصل مع ذويهم وإبلاغهم بمصير أبنائهم، خاصة إذا ما تمكنت من مطابقة الحمض النووي للجثث مع عائلاتهم. مثل تطبيق “DIVIDOC” الذي يسجل معلومات القبور والجثث، ويسمح للشركاء والعاملين في المجال ذاته بالوصول إليها. وأداة “SCAN” التي تسمح للشركاء العاملين في مجال البحث عن المفقودين وتحديد هويات جثث المهاجرين، بمشاركة وتعديل المعلومات التي يحصلون عليها من المصادر المختلفة، وذلك بهدف “جعل العلاقات بين هذه المعلومات مرئية”.
“العثور بانتظام على مئات الجثث والرفات على الساحل الليبي”
وتعاني سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية، والتي تنشط في منطقة البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، من التضييقات التي تفرضها السلطات الأوروبية، خاصة الإيطالية، والتي تحول دون تنفيذها عمليات الإنقاذ، وبالتالي “المزيد من القوارب الشبح”.
وفي لقاء مع مهاجرنيوز في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أكدت مارغو بيرنارد، نائبة منسق المشروع على متن سفينة “جيو بارنتس” التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود، “في معظم الأوقات اليوم، لا يمكننا القيام إلا بعملية إنقاذ واحدة، على الرغم من أن لدينا قاربا يتمتع بقدرة استيعاب كبيرة (تبلغ سعة جيو بارنتس 500 شخص). بالإضافة إلى ذلك، وبسبب إلزامنا بمغادرة منطقة البحث والإنقاذ مباشرة بعد عملية الإنقاذ الأولى، فإننا نترك المنطقة فارغة تماماً، في ظل تخلي الدول الأوروبية عن مسؤولياتها في عمليات الإنقاذ في البحر”.
وتضيف “تشكل هذه التعقيدات مصدر إحباط كبير بالنسبة لنا، خاصة وأنها تزيد من مخاوفنا إزاء زيادة حوادث غرق السفن غير المرئية”، في إشارة إلى ما يعرف بقوارب “الشبح” التي تغرق في البحر دون أن يعلم أحد.
في كل عام، ووفقا لما تؤكده أيضا المنظمة الدولية للهجرة، لا يمكن تسجيل العديد من حوادث غرق السفن، مشيرة إلى “العثور بانتظام على مئات الجثث والرفات على الساحل الليبي”.
ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، لقي 2700 مهاجراً حتفهم في البحر الأبيض المتوسط، في 2023، مقارنة بـ2400 في 2022.
وبحسب المصدر ذاته، قضى ما يقرب من 900 مهاجر في 2023 أثناء محاولتهم الوصول إلى جزر الكناري، مقارنة بأكثر من 550 في عام 2022.