“أنا قلق لأنني لا أستطيع العودة إلى بلدي، هذا مستحيل. أنا بحاجة إلى الحماية”، بصوت مرتجف وخوف من المستقبل المجهول، وصف ميغيل، وهو مهاجر كاميروني، وضعه في مدينة العامرة التونسية صباح اليوم الخميس.
وتابع “هدفي هو الذهاب إلى أوروبا. وفي ظل الظروف المعيشية للمهاجرين هنا، من المستحيل البقاء في تونس”. ووفقا له، شهدت مدينة العامرة خلال الأيام الأخيرة، “زيارات” عديدة من قبل ضباط الشرطة، الذين صادروا عدداً من خيام المهاجرين، إلا أنهم لم يعتقلوا أحداً.
كما قال مهاجر آخر اسمه فاروق، وهو نيجيري عمره 35 عاما، يعيش في مخيم “الـ19 كيلومتر” بالقرب من العامرة منذ ديسمبر/كانون الأول، لمهاجر نيوز الخميس: “الشرطة تدمر وتحرق الخيام هنا”.
ويتجمع مهاجرون في مخيمات صغيرة عدة أكبرها مخيم “الـ19 كيلومتر” وتتوزع إلى الشمال من مدينة العامرة.
محاولات السلطات لإفراغ العامرة من المهاجرين
وفي اتصال مع إذاعة تونسية محلية، أمس الأربعاء، أكد محمود البكري، وهو ناشط في المجتمع المدني في مدينة العامرة الواقعة في ولاية صفاقس، ما رواه المهاجران ميغيل وفاروق، وقال إن “قوات الأمن انطلقت يوم أمس في إزالة مخيمات المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء”.
كما ناشد البكري السلطات “بإيجاد حلول سريعة وناجعة لما يحدث في معتمدية العامرة”، معتبراً أن هذه المنطقة صغيرة ومحدودة الإمكانيات ولا تستطيع استيعاب أعداد المهاجرين الوافدين إليها.
وفي تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أمس الأربعاء، أفاد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الدين الجبابلي، أنه يجري حاليا التنسيق بين الجهات الأمنية، ممثلة في الإدارة العامة للحرس الوطني، والمنظمات المعنية بالمهاجرين، والهلال الأحمر التونسي، من أجل “تسهيل العودة الطوعية لعدد من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، المتمركزين في معتمديتي جبنيانة والعامرة من ولاية صفاقس، إلى بلدانهم، أو تقديم الدعم المادي واللوجستي للراغبين في البقاء بتونس، وإيوائهم في مراكز إيواء”.
وأوضح الجبابلي أن “الحملة الأمنية الحاصلة حاليا في معتمديتي جبناينة والعامرة وخاصة في منطقة الحمايزية، هي بسبب بعض المناوشات بين هؤلاء المهاجرين في ما بينهم، واعتداءاتهم على الأملاك العامة بمعتمديتي جبنيانة والعامرة، على غرار غابات الزياتين وقنوات الأشغال العامة بالبنية التحتية، وهو ما أثار استياء أهالي المنطقتين”.
وكان قد صرح الرئيس التونسي قيس سعيد، لدى إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي مساء الاثنين الماضي، بأن “ما يحدث في معتمدية العامرة من ولاية صفاقس غير مقبول”، مشددا على أن ” تونس فعلت ما يمكن أن تفعله بخصوص المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء بناء على القيم الإنسانية وبناء على أن هؤلاء ضحايا”.
وأكد سعيّد على أن “تونس لن تكون ضحية لمن دبروا لأن تكون مقرا لهؤلاء ولن تكون معبرا ولا مستقرا”.
وكان العام الماضي مليئاً بالمصاعب بالنسبة للمهاجرين المنحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، المقيمين في تونس. ففي شباط/فبراير، ندد سعيّد بوصول “جحافل من المهاجرين غير الشرعيين” من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى بلاده، معتبراً ذلك كجزء من مؤامرة “لتغيير التركيبة الديموغرافية” للبلاد.
وعلى مدار الأسابيع التي تلت هذه التصريحات، طُرد المئات من مواطني دول جنوب الصحراء الكبرى من وظائفهم ومنازلهم، ولجأ العديد منهم إلى سفارات بلدانهم.
وفي تموز/يوليو، تعرض المهاجرون المقيمين في صفاقس إلى حملة من الملاحقات والطرد، حيث تم نقلهم إلى المناطق الصحراوية على الحدود مع ليبيا والجزائر، وتُركوا دون أي طعام أو شراب في الحر الشديد. وتلقى فريق مهاجرنيوز شهادات عديدة من مهاجرين أكدوا وفاة العشرات أثناء ضياعهم في الصحراء.
“نرفض محاولة تحويل تونس الى مصيدة للمهاجرين غير النظاميين”
ومن جانبه، رفض مسؤول التواصل في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، في مداخلة له مع وسائل إعلام محلية، “محاولة تحويل تونس الى مصيدة للمهاجرين غير النظاميين”.
وانتقد المتحدث السياسة التي تنتهجها تونس في إدارة ملف الهجرة غير النظامية التي اعتبر بأنها تتضمن تناقضا بين الخطاب والممارسة، منوهاً إلى أن تركيز السلطات التونسية على فرض التواجد الأمني في السواحل، تسبب في إنهاك الوحدات الأمنية بهذه المناطق، وذلك على حساب التواجد الأمني داخل المدن مما أدى إلى تصاعد الجريمة والعنف بحسب تقديره.
وأشار الجبابلي إلى أن هذه السياسة ساهمت في “إرساء منظومة ناجعة في البحر”، لكن قابلتها “منظومة أمنية فاشلة” على الحدود الغربية، “ما أدى الى انتقال أزمة المهاجرين غير النظاميين بعد أن كانت في جزيرة لامبيدوزا الإيطالية إلى جبنيانة والعامرة وجرجيس، ومنطقة البحيرة بتونس العاصمة، وهو دليل على انخراط السلطات التونسية في المسار الذي فرضته السلطات الإيطالية”.
وتلقى فريق مهاجرنيوز خلال الأشهر الأخيرة، شهادات عديدة من مهاجرين يعيشون في صفاقس وحولها، شاركوا فيها معاناتهم اليومية في ظل التضييقات الممارسة ضدهم. مثل كرم*، وهو شاب سوداني عمره 21 عاما يعيش في مدينة صفاقس التونسية، والذي روى معاناته من الشتاء والمبيت في العراء. وطالب بإسماع صوته للمنظمات الحقوقية والجهات المعنية لمساعدته هو والكثير من المهاجرين السودانيين، كي يجدوا مكانا يتمكنون من العيش فيه بأمان وكرامة.
اتفاقية جديدة بين إيطاليا وتونس
وفي سياق منفصل، سافرت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني إلى تونس أمس الأربعاء، للمرة الرابعة في أقل من عام، للقاء الرئيس التونسي قيس سعيد حول موضوع مكافحة الهجرة غير الشرعية.
والتزم الطرفان بـ”إشراك المنظمات الدولية للعمل على عمليات إعادة المهاجرين” إلى بلدانهم الأصلية.
وقالت ميلوني إن مكافحة الهجرة غير الشرعية “تتطلب تنمية البلدان الأفريقية، واستثمارات تسعى إلى تعزيز هذا النهج الجديد” على المستوى الأوروبي. وتأتي رحلة جيورجيا ميلوني إلى تونس قبل شهرين من الانتخابات الأوروبية حيث أصبحت قضية الهجرة واحدة من القضايا الساخنة.
وبالنسبة لروما، “يبقى من الأساسي أن تواصل السلطات التونسية عملها لمكافحة التهريب والاتجار بالبشر واحتواء المغادرة غير الشرعية” للمهاجرين.
وفي اليوم نفسه، نُظمت مظاهرة صغيرة جمعت نشطاء أمام السفارة الإيطالية انتقدوا الإدارة “الأمنية” لقضية الهجرة من قبل تونس وإيطاليا، وطالبوا “بحلول أكثر إنسانية”.
وتم يوم أمس الأربعاء، التوقيع على ثلاث اتفاقيات، وهي مساعدة بقيمة 50 مليون يورو للميزانية التونسية لفائدة مشاريع الطاقة، وخط ائتماني بقيمة 55 مليون يورو للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واتفاقية تعاون جامعي، وستتبعها اتفاقيات أخرى وفقاً لرئيسة الوزراء الإيطالية، لا سيما في المجال العسكري.
وفقا للإحصاءات الإيطالية الرسمية، شهد عدد الوافدين غير الشرعيين من تونس، والذي كان يتناقص منذ الخريف الماضي وحتى بداية العام، زيادة بين منتصف آذار/مارس ومنتصف نيسان/أبريل مع وفود 5587 مهاجرا، ما يمثل زيادة شهرية بمقدار 337.52٪.
وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت جزيرة لامبيدوزا تدفقا كبيرا للمهاجرين، حيث وصل أكثر من 1500 مهاجر خلال أيام قليلة، بعد أن انطلقوا من الساحل التونسي. وعلى الرغم من أن طريق الهجرة هذا يعتبر من أخطر طرق الهجرة في العالم (2383 حالة وفاة في عام 2023، وفقا للأمم المتحدة)، إلا أن المهاجرين يواصلون المغادرة إلى إيطاليا كل أسبوع.
موسى أبو زعنونة