جرد حساب: ما نجاعة العقوبات ضد إيران وروسيا؟


إيران تعرف ذلك، والصين تعرف ذلك، ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تعرف ذلك أيضا: فعلى الرغم من العقوبات المفروضة ضد صناعة النفط الإيرانية، إلا أنه يجري شحن كميات غير مسبوقة من النفط من إيران إلى الصين.

“لو صدقنا تصريحات الحكومة الصينية، فسنرى أنها لا تستورد النفط من إيران أبدا. ولا برميل واحد. وإنما تستورد الكثير من النفط الخام الماليزي. بل تشير بيانات الجمارك الصينية الرسمية إلى أن الصين تستورد من ماليزيا أكثر من ضعف كمية النفط التي تنتجها ماليزيا فعليا”، يصف خافيير بلاس، المتخصص في مراقبة تجارة المواد الخام، عملية الاحتيال في حوار مع وكالة بلومبيرغ.

ويقول بلاس إنه بخدعة بسيطة يصبح النفط الخام الإيراني ماليزياً. وبحسب تجار النفط، فإن هذه هي “الطريقة الأسهل والأرخص للتحايل على العقوبات الأميركية”.  وهكذا أصبحت ماليزيا في العام الماضي رابع أكبر مصدر أجنبي للنفط إلى الصين، بعد السعودية وروسيا والعراق.

وتستخدم إيران الإمارات العربية المتحدة كمركز للتهرب من العقوبات لسنوات عديدة. البضائع المدرجة على قوائم الحظر الطويلة التي تفرضها الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، غالبا ما تأتي إلى إيران عبر دبي. ولهذا الغرض، يتم ترتيب ومعالجة شحنات النفط المحظورة عبر الإمارات.

جرى وضع دبي على القائمة الرمادية لفريق العمل المعني بالإجراءات المالية، بسبب مشاكل غسل الأموال وتمويل الإرهابصورة من: Imaginechina/Tuchong/imago images

وللحصول على المواد المحظور عليها شراؤها، مثل قطع غيار للمركبات أو للطائرات، فقد قامت إيران منذ وقت طويل بتعديل سلاسل التوريد الخاصة بها، بحيث يمكن شراؤها عبر المراكز التجارية والمالية مثل دبي. هذه الطريقة أغلى طبعا من الاستيراد المباشر، ولكنها تتيح الالتفاف على العقوبات الغربية، وخاصة تلك التي تفرضها الولايات المتحدة. وهو ما تقوم به إيران منذ سنوات كثيرة.

نقطة الشحن في آسيا الوسطى

روسيا هي الأخرى لديها أيضا نقاط إعادة شحن للسلع الخاضعة للعقوبات.  وفي الحالة الروسية أيضا، لا يكاد يوجد منتج لا يمكنها شراؤه عبر دولة ثالثة: مثل قطع غيار السيارات الألمانية الفاخرة أو المكونات الإلكترونية التي تستخدم للتحكم في الأسلحة. وتلعب الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى دورا رئيسيا. والميزة التي تتمتع بها موسكو هي أن الاتحاد الروسي مرتبط بدول مثل كازاخستان وقيرغيزستان في اتحاد جمركي يسمح بحركة البضائع عبر الحدود بطريقة سهلة للغاية.

وهذا يعني أن المنتجات الخاضعة للعقوبات الواردة من الغرب، والتي أصبحت من المحرمات بالنسبة لروسيا بعد العقوبات، يمكنها عبور الحدود الدولية دون عوائق تقريبا. هل يمكن مراقبة بذلك؟ يكاد يكون الأمر مستحيلا، إذ يبلغ طول الحدود بين الاتحاد الروسي وكازاخستان وحدها حوالي 7500 كيلومتر. وأرمينيا مثال آخر على ذلك: فقد ارتفعت مبيعات السيارات الألمانية وقطع غيارها إلى أرمينيا بنسبة 1000 تقريبا في عام 2023.

ومنذ فرض  حزمة العقوبات الثالثة عشرة للاتحاد الأوروبي على موسكو في 22 فبراير/شباط 2024، باتت روسيا الدولة التي فُرض عليها أكبر عدد من العقوبات. ومع ذلك، تواصل روسيا حربها العدوانية ضد أوكرانيا، والتي تنتهك القانون الدولي، فيما يبدو الاقتصاد الروسي بعيدا تماما عن أي انهيار.

ورفعت الحكومة الروسية للتو توقعاتها للنمو الاقتصادي هذا العام من 2.3 إلى 2.8 في المئة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2 في المئة. وهذا المنطق مثير للقلق بالنسبة لمؤيدي العقوبات الغربية، لأن ارتفاع الإنفاق الحكومي والاستثمارات المتعلقة بالحرب ضد أوكرانيا ستتم تغطيتها من خلال الدخل المرتفع من صادرات النفط، وهذا من شأنه أن يدفع الاقتصاد الروسي للنمو، رغم العقوبات الغربية، وفقا لصندوق النقد الدولي.

 

حجم العقوبات غير مسبوق

كانت إيران حتى 2022 هي الدولة التي فرض عليها أكبر قدر من العقوبات في العالم. ولكن مع بدء الغزو الروسي تغير الأمر، حيث قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض جولات جديدة من العقوبات. وتخضع روسيا الآن لأكثر من 5000 عقوبة مختلفة، أي أكثر من إيران وفنزويلا وميانمار وكوبا مجتمعة.

وتستهدف العقوبات، المفروضة ردا على حرب بوتين العدوانية، السياسيين والمسؤولين (بما في ذلك بوتين نفسه) والأوليغارشيين والشركات الكبرى والمؤسسات المالية والقطاع الصناعي العسكري. وتستكمل هذه العقوبات بعقوبات بعيدة المدى في القطاع المالي تعمل على تقييد قدرة البنوك الروسية على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، من خلال استبعادها مثلا من نظام الدفع الدولي سويفت. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراءات القسرية التي يتخذها البنك المركزي الروسي تمنع الوصول إلى احتياطيات العملة وممتلكات الذهب الموجودة في دول مجموعة السبع.

والمشكلة هنا هي أن العقوبات تكون ملزمة للجميع بموجب القانون الدولي، فقط في حال فرضها مجلس الأمن الدولي. فهناك سلسلة كاملة من الدول مثل الهند والبرازيل والصين لا توافق على هذه العقوبات.

هل من بديل؟

فلماذا يستمر الغرب إذن في فرض حزم عقوبات جديدة، حزمة تلو الأخرى، إذا لم يكن من الممكن تحقيق هدفه المتمثل في تغيير سلوك الدول المعاقَبة؟ يقول كريستيان فون سويست، خبير العقوبات من المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق (GIGA) في لقاء مع المانيا اليوم: “نحن نعيش في عصر العقوبات. فإذا لم يتم فرض عقوبات، سيكون ذلك بمثابة دعم غير معلن. أو كما لو لم يكن هناك أي رد على الإطلاق على هذا الهجوم الذي ينتهك القانون الدولي”.

حضور قوي في آسيا الوسطى: بنك ألفا الروسي خاضع للعقوبات. وهنا مبنى للبنك في آلماتي في كازاخستانصورة من: Anatoly Weisskopf/ المانيا اليوم

وبالنسبة لمؤلف كتاب “العقوبات: سلاح جبار أم مناورة عاجزة؟” الذي صدر قبل عام، فإن العقوبات لم تؤد إلى تغيير في سلوك روسيا ولا إيران. ولكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بصدد سد بعض الثغرات في العقوبات. فوفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تستعد الولايات المتحدة لفرض عقوبات على عدد من البنوك الصينية لاستبعادها من النظام المالي العالمي. تريد من خلال ذلك وقف المساعدات المالية التي تقدمها بكين لإنتاج الأسلحة الروسية، حسبما ذكرت صحيفة فايننشال الأمريكية نقلا عن “مصادر مطلعة”.

كما أعاد الاتحاد الأوروبي تنظيم صفوفه من أجل ضمان تطبيق عقوباته بشكل أفضل. ومنذ يناير/كانون الثاني 2023، بات هناك مسؤول عقوبات في الاتحاد الأوروبي، وهو الدبلوماسي الكبير ديفيد أوسوليفان. كما يقول كريستيان فون سوست، موضحا أن “مهمته، مثلا، هي السفر إلى الدول السوفييتية السابقة المجاورة لروسيا وإقناع الحكومات هناك بتطبيق العقوبات بقوة أكبر”.

و”هناك الآن أيضا ما يسمى بشرط (لا روسيا)، والذي يهدف إلى إجبار المصدرين على إثبات أن البضائع المسلمة والآلات والمركبات وقطع غيار السيارات لا تذهب إلى روسيا”، يقول خبير العقوبات، الذي يضيف: “ونحن نعرف مثل هذا الشرط الخاص ببلد البقاء النهائي، من قانون مراقبة الأسلحة الحربية”.

وهناك ضغوط أيضا في حالة الإمارات العربية المتحدة، التي “أضحت  ملاذا للتحايل على العقوبات الإيرانية والروسية”،  كما يقول مركز الأبحاث الأمريكي “أتلانتيك كاونسيل”. ولذلك قامت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية، وهي هيئة تنسيق دولية أنشأتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أجل مكافحة غسيل الأموال، بوضع الإمارات على ما يسمى بالقائمة الرمادية، فالبلدان التي يرى فيها محققو مجموعة العمل المالي خطرا متزايدا في مجال غسل الأموال أو تمويل الإرهاب ينتهي بها الأمر بوضعها على هذه القائمة.

التقييم أظهر أن هناك مشكلة كبيرة، كما يقول كريستيان فون سويست، ويضيف: الآن وقد “تم الاعتراف بالمشكلة العامة، وهي أن هناك بدائل لكل من روسيا وإيران للتحايل على العقوبات. فما علينا سوى أن نرى ما ستجلبه التدابير الجديدة المختلفة”.

أعده للعربية: ف.ي

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
Comments (0)
Add Comment