تبدو قاعات وردهات البرلمان الأوروبي وقد تحولت إلى خلية نحل هذا الأسبوع، حيث قدم المئات من النواب المنتخبين إلى مقر البرلمان للتصويت على عدد قياسي من القوانين قبل الانتخابات المقررة في يونيو/حزيران. وخارج قاعة الهيئة الوحيدة المنتخبة بشكل مباشر في مؤسسة الاتحاد الأوروبي، تدافع الصحفيون للظفر بمكان مناسب من أجل إجراء المقابلات الأخيرة قبل أن يدخل السياسيون معترك الحملة الانتخابية بشكل جدي.
دورة تشريعية استمرت خمس سنوات شهدت عدة تقلبات ومنعطفات سياسية كبيرة، حيث انتقلت أوروبا من أزمة إلى أخرى: بدءا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ثم أتت جائحة كوفيد-19، وبعدها مباشرة بدأت حرب روسيا في أوكرانيا.
ووسط هذه الفوضى، نتساءل ما الذي حققه البرلمانيون؟ وأين فشلوا في التغيير؟ المانيا اليوم تستعرض مسار هذه الدورة التشريعية للبرلمان الأوروبي منذ 2019 وحتى الآن.
الاتفاق الأخضر: الوفاء بالوعود لمكافحة تغير المناخ
في عام 2019، أعلنت المفوضية الأوروبية – الذراع التنفيذي للتكتل – عن خطة تقضي أنه بحلول عام 2030 ستقوم بخفض انبعاثات الدفيئة بنسبة 55 بالمئة، مقارنة بمستويات عام 1990، وأنها ستصبح محايدة تماما فيما يتعلق بالانبعاثات بحلول عام 2050. جاء ذلك في أعقاب ضغوط، منها تلك التي جاءت من المتظاهرين الشباب من أجل حماية المناخ الذين خرجوا إلى الشوارع. حينها أُطلق اسم “الموجة الخضراء” على فوز عدد قياسي من البرلمانيين الخضر بمقاعد في البرلمان الأوروبي.
ومنذ ذلك الحين، شارك البرلمان الأوروبي في التفاوض على عدد لا يحصى من القوانين المصممة للوفاء بهذا التعهد – بما في ذلك خطط لحظر السيارات ذات محركات الاحتراق في العقد المقبل وفرض ضريبة على بعض الواردات كثيفة الكربون في محاولة لجعل من يلوثون المناخ يقومون أيضا بتحمل التكلفة.
“لقد برهن البرلمان الأوروبي أنه مُشرّع محنك عندما يتعلق الأمر بالسياسة البيئية”، تقول بيجي كورلاند، رئيسة مكتب بروكسل لمؤسسة روبرت شومان، في حديث لـ المانيا اليوم.
لكن في هذه الأيام، تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع في شعبية الموجة الخضراء. فالاحتجاجات في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي هذا العام دفعت بروكسل إلى تخفيف بعض قواعد الزراعة الخضراء، في محاولة لتخفيف الأعباء على المزارعين.
وقد انتقد نشطاء المناخ تخفيف قوانين حماية البيئة، معتبرين ذلك نكوصا عن الوعود المناخية السابقة.
القواعد الأولى في العالم بشأن الذكاء الاصطناعي وعمالقة التكنولوجيا
منذ عام 2019، أصدر الاتحاد الأوروبي أيضا مجموعة من القوانين التي تهدف إلى كبح جماح قوة شركات التكنولوجيا العملاقة. ففي العام الماضي، بدأ تطبيق قواعد بروكسل الجديدة التي تلزم المنصات عبر الإنترنت بمراقبة المحتوى الضار بشكل نشط. ويستعرض الاتحاد الأوروبي صلاحياته الرقمية الجديدة من خلال العديد من التحقيقات في مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك الإجراءات التي دفعت، مؤخرا، “تيك توك لايت” TikTokLite إلى إلغاء أجزاء من خطة المكافآت المثيرة للجدل.
أندريا ريندا، باحثة بارزة في مركز دراسات السياسة الأوروبية، تقول لـ المانيا اليوم: إن البرلمانيين لعبوا أيضا “دورا فعالا” في سن القوانين الأولى من نوعها، التي تنظم الذكاء الاصطناعي، مضيفين آلاف التعديلات القانونية التي تتعلق بـ”التوسع بشكل هائل” في استخدامات الذكاء الاصطناعي. وباتت هذه تخضع لرقابة أكثر صرامة من جانب الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، تحذر ريندا من أن التكتل يواجه الآن “مشكلة إنفاذ هائلة” (أي تطبيق هذه القوانين)، حيث أن كل تشريع مليء بإجراءات مختلفة. وتضيف لـ المانيا اليوم: “هناك مجهود هائل يجب القيام به لتبسيط تطبيق” هذه القوانين.
إصلاح نظام الهجرة واللجوء: أخيرا انتهى الطريق المسدود
لقد كان لفترة طويلة أحد أكثر المواضيع الخلافية داخل الاتحاد الأوروبي: سياسة الهجرة واللجوء. لذلك جرى وصف الأمر بأنه نجاح كبير، عندما أقر المشرعون في البرلمان الأوروبي، وقت سابق من هذا الشهر، الإصلاحات الجديدة المتعلقة بالهجرة، بعد عقد من النقاشات والمفاوضات.
وبموجب القواعد الجديدة، سيتعين على كل دول من دول الاتحاد الأوروبي أن تستقبل حصة أكثر إنصافا من المهاجرين الذين يصلون إلى شواطئ وحدود الاتحاد الأوروبي، أو أن تدفع تعويضات للدول الأخرى. كما سيجري العمل على تسريع عمليات الترحيل، من خلال فصل طالبي اللجوء وفقا لمدى احتمال الموافقة على طلبات لجوئهم.
“من منظور تشريعي، وبالنظر إلى الفترة التي سبقت النتيجة التي رأيناها الآن، يمكن اعتبار ذلك نجاحا”، تقول هيلينا هان، محللة شؤون الهجرة في مركز السياسة الأوروبية، في لقاء مع المانيا اليوم.
ولكن هان ترى أن النتيجة، التي انتقدها مدافعون عن حقوق اللاجئين بشدة، أصابت أيضا العديد من نواب البرلمان الأوروبي بخيبة أمل. وتشرح ذلك بالقول: “السبب وراء إعطاء أعضاء البرلمان الأوروبي الضوء الأخضر في نهاية المطاف هو الحسابات البسيطة القائلة بأنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق من عدمه. ومن المحتمل أن يؤدي عدم إقرار الإصلاحات إلى خسارة كبيرة في الانتخابات القريبة. ولذلك لم ترد أحزاب الوسط ويسار الوسط أن تعاني في الانتخابات”، فوافقت على الإصلاحات.
جواسيس في بيت الديمقراطية؟
ما زالت سلسلة من الفضائح المتعلقة بمحاولات تدخل من قبل قوى خارج الاتحاد الأوروبي تلقي بظلالها على البرلمان. في عام 2022 فتح الادعاء العام البلجيكي تحقيقا في مخطط مزعوم عن تلقي أموال مقابل النفوذ، فيما أطلق عليه اسم “قطر غيت” – رغم أن الدولة الخليجية تنفي أي تورط لها.
ثم ظهرت في تتابع سريع هذا الشهر، عدة تقارير عن عملية دعائية روسية من خلال نواب في البرلمان. وأخيرا جاء اعتقال أحد الموظفين في البرلمان للاشتباه في تجسسه لصالح الصين.
“أنا أتساءل ما هو التالي؟” تقول النائبة الألمانية من يسار الوسط غابرييله بيشوف، في حديثها لـ المانيا اليوم، وتضيف “من المهم جدا أن نجعل ديمقراطيتنا أكثر مقاومةً في مواجهة التدخلات الأجنبية”.
وعلى مدى العام الماضي، تحرك البرلمان من أجل تعزيز الحماية لمن يبلغون عن المخالفات، ومن أجل تشديد قواعد الشفافية الخاصة بأعضاء البرلمان الأوروبي.
دعم أوكرانيا ومعاقبة روسيا
يرى عضو البرلمان الأوروبي، النائب الأيرلندي الوسطي بيلي كيلر، في لقاء مع المانيا اليوم في ستراسبورغ، أن البرلمانيين استخدموا أيضا نفوذهم الناعم لدفع حكومات بلدانهم من أجل خفض الاعتماد على الغاز الروسي وتعزيز الدعم لأوكرانيا التي تواجه الغزو الروسي.
و”فيما يتعلق بمسألة العقوبات أيضا، كان البرلمان في المقدمة من أجل الضغط لزيادة قائمة العقوبات ضد روسيا لتقليل قدرتها على تمويل حربها في أوكرانيا”، يضيف يكيلر، وهو واحد من بين عدة أعضاء في البرلمان الأوروبي ممن زاروا أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
ولكن في نهاية المطاف، لا يملك البرلمان سوى القليل من السلطة الملموسة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية – فصناعة القرار هي من اختصاص حكومات دول الاتحاد الأوروبي، وكثيرا ما يقول البرلمانيون إنهم يستحقون نفوذا أكبر بهذا الخصوص، لأنه يتم انتخابهم بشكل مباشر من المواطنين.
لكن تعزيز النفوذ البرلماني لا يشكل أولوية بالنسبة لجميع السياسيين، كما يرى نيكولا بروكاتشيني، عضو البرلمان الأوروبي ورئيس مجموعة ECR اليمينية القومية، في حديثه لـ المانيا اليوم، ويضيف: “يجب أن نحترم قرارات الحكومات الوطنية لأنها هي الممثل الحقيقي للشعب”.
ومن المتوقع، بموجب استطلاعات الرأي، أن يحقق حزب بروكاتشيني، حاله كحال تياري الوسط واليمين المتطرف، مكاسب في شهر يونيو/حزيران المقبل على حساب قوى الوسط واليسار.
أعده للعربية بتصرف: ف.ي