كيف يمكن خفض أعداد اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني؟ الإجابة على هذا السؤال شغلت رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة. آخر إجاباتهم كانت: المزيد من اتفاقيات الهجرة مع دول بعينها.
ولإبرام اتفاقية للهجرة، توجهت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورزولا فون دير لاين، اليوم الخميس ( 2 مايو/ أيار 2024) إلى بيروت برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، الذي قد سبق وأن دق ناقوس الخطر وأوضح أن بلاده “لم تعد قادرة على قبول المزيد من اللاجئين السوريين”. فمنذ بداية عام 2024 وحده، وصل حوالي 4000 شخص إلى الجزيرة الواقعة شرقي البحر الأبيض المتوسط، في هجرة غير نظامية، في حين كان العدد خلال الربع الأول من العام السابق 78 شخصا فقط.
وأوضح خريستودوليديس أن مخيمات اللاجئين مكتظة، وكان قد أصدر تعليماته مؤخراً إلى سلطاته بالتوقف عن معالجة طلبات اللجوء المقدمة من اللاجئين السوريين.
وخلال مؤتمر صحافي إثر لقاء فون دير لاين وبصحبتها الرئيس القبرصي، مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية اليوم الخميس من بيروت عن مساعدات بقيمة مليار يورو دعماً “لاستقرار” لبنان، معوّلة على “التعاون الجيد” من أجل مكافحة عمليات تهريب اللاجئين انطلاقاً من السواحل اللبنانية.
وقالت فون دير لاين: “أستطيع الإعلان عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان، ستكون متاحة بدءاً من هذا العام حتى 2027″؛ من أجل المساهمة في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي”.
وحضّت رئيسة المفوضية الأوروبية السلطات اللبنانية على “التعاون الجيد لمنع الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المهاجرين” انطلاقاً من لبنان.
لماذا يريد الاتحاد الأوروبي دعم لبنان؟
منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، استقبل لبنان أكثر من 1.5 مليون لاجئ من الدولة المجاورة. وتبلغ المسافة بين طرابلس في شمال البلاد إلى لارنكا في قبرص حوالي 200 كيلومتر. ويحاول اللاجئون السوريون بشكل متكرر التغلب على هذا الطريق بالقوارب. ويعاني لبنان نفسه من أزمة اقتصادية خانقة، كما تشعر بروكسل بالقلق إزاء الحرب في قطاع غزة والتي قد يكون لها تأثير أيضاً على لبنان – خاصة إذا تصاعد الصراع بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في جنوب لبنان. ويُخشى أن يفر المزيد من الناس من لبنان باتجاه أوروبا.
في الأسبوع الماضي، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، الاتحاد الأوروبي إلى مساعدة بلاده على “إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”. كما دعا أيضا إلى “مزيد من الدعم للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية”، فضلا عن “المشاريع التنموية والاستثمارية في مجالات الطاقة المتجددة والمياه والتنمية المستدامة”.
اتفاقية الهجرة: الدعم المالي مقابل قبول اللاجئين
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي مستعد لمساعدة لبنان في هذا الصدد – وفي المقابل يطالب بيروت ببذل المزيد من الجهد لمنع اللاجئين من عبور البحر الأبيض المتوسط. وهناك حديث عن “دعم مالي وسياسي متعدد السنوات” حتى عام 2027.
لقد سبق أن أبرم الاتحاد الأوروبي مثل هذه الاتفاقيات مع بعض الدول في شمال إفريقيا: وفي بعض الحالات يدفع المليارات للدول التي تعاني اقتصادياً. وهناك اتفاقيات مع موريتانيا وتونس على سبيل المثال. ولم يبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقا آخر مع مصر إلا في منتصف مارس/ آذار. وبناءً على ذلك، ستحصل القاهرة على 7.4 مليار يورو من بروكسل في غضون أربع سنوات – على شكل قروض، بالإضافة إلى استثمارات في التقنيات الخضراء أو التحول الرقمي في البلاد. وفي المقابل، على البلاد اتخاذ إجراءات أكثرتشدداً ضد المهربين والمتاجرين بالبشر وتوفير حماية أفضل لحدودها مع السودان وليبيا.
جنوب أوروبا تدعو للمزيد من اتفاقيات الهجرة
ودفع الرئيس القبرصي بشكل خاص إلى الأمام بشأن اتفاقية الاتحاد الأوروبي الجديدة مع لبنان. وأوضح في مقابلة مع شبكة التحرير الألمانية الأسبوع الماضي: “نريد مساعدة لبنان في التعامل مع اللاجئين حتى لا يأتي المزيد إلى قبرص”.
ويحظى خريستودوليديس بدعم واسع النطاق من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الواقعة على ساحل البحر المتوسط. وقبل أسبوع، طالب وزراء داخلية إسبانيا واليونان وإيطاليا ومالطا وقبرص بشكل مشترك بأن يقوم الاتحاد الأوروبي “بتوسيع وتعميق” الاتفاقيات مع البلدان الأصلية المهمة من أجل “الحد من الهجرة غير الشرعية”. بل إن بعض دول الاتحاد الأوروبي تضغط من أجل إعلان أجزاء من سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية “مناطق آمنة” من أجل إعادة اللاجئين إلى هناك.
“أوروبا تضع نفسها تحت رحمة الابتزاز”
منظمات حقوق الإنسان على وجه الخصوص تنتقد هذه الاتفاقيات بشدة. وقد سبق أن وثقت منظمات دولية مثل “منظمة العفو الدولية” كيف تعرض لاجئون عائدون إلى سوريا للقتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقال التعسفي. كما أن لبنان نفسه ليس بلداً آمناً للاجئين السوريين، كما يحذر فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وقال عبد الغني في تصريح لـ “العربي الجديد” اللندنية إن اللاجئين يتعرضون للتمييز والاستغلال، وأحياناً يصبحون كبش فداء للوضع الاقتصادي المدمر في البلاد.
وينتقد العضو الألماني بالبرلمان الأوروبي والمنتمي إلى حزب الخضر، إريك ماركوارت، اتفاقيات الهجرة معتبرها “سياسة صندوق أموال غير جديرة بالثقة” تجعل أوروباعرضة للابتزاز من قبل “شركاء غير موثوقين”. وقال: “إذا لم تكن هناك رقابة على استخدام الأموال من قبل الدكتاتوريين، فلا ينبغي أن نرسل أموالا إلى هناك”، في إشارة إلى الاتفاقيات مع تونس ومصر. بالإضافة إلى ذلك، لا تتعلق صفقات اللاجئين بتحسين وضع حقوق الإنسان في الدول الشريكة المتعاقدة نفسها.
على الرغم من أن لبنان لا يعد ديكتاتورية مقارنة بدول أخرى، إلا أن البلد لايعاني من أزمة اقتصادية عميقة فحسب، بل سياسية أيضا. إذ ليس للبلد رئيس منذ عام 2022، ويتولى رئيس الحكومة مهام تصريف الأعمال فقط لحد الآن. ما جعل حزب الله يسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد. ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الحالية المؤقتة قادرة على ضمان الالتزام بهذه الاتفاقيات وعدم إهدار أموال الاتحاد الأوروبي أم لا.
وإلى جانب ذلك انتقدت منظمات حقوق الإنسان بشكل متكرر في الماضي مثل هذه الاتفاقيات وذكرت أنها لا تمنع اللاجئين من العبور إلى أوروبا، وإنما تدفعهم إلى سلك طرق أكثر خطورة.
أعدته للعربية: إيمان ملوك