تؤثر موجات الجفاف الشديدة وندرة مياه الأمطار على الكثير من سكان العالم من أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية، فيما تعد منطقة الشرق الأوسط من بين المناطق الأكثر عرضة للتداعيات الكارثية الناجمة عن الجفاف. ويلقى خبراء باللائمة في ذلك على ظاهرتي تغير المناخ والنينيو.
ومع توقع تفاقم ظاهرة الإجهاد المائي بسبب تزايد تداعيات الاحتباس الحراري، فإن نُظم الري وإمدادات المياه العذبة سوف تواجه المزيد من الأزمات، فيما يمتد ذلك إلى انخفاض في توليد الطاقة الكهرومائية التي تعد مصدرا حيويا منخفض الكربون للطاقة بفضل اعتمادها على سدود الأنهار.
وتعد الطاقة الكهرومائية أكبر مصدر متجدد لإنتاج الكهرباء في العالم، فيما يأتي ذلك رغم تزايد الاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مع توقعات بمضاعفة قدرة توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2050، في ظل الجهود الرامية إلى الحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية.
بيد أن النصف الأول من العام الماضي شهد انخفاضا تاريخيا على الصعيد العالمي في توليد الطاقة الكهرومائية بنسبة بلغت 8.5 بالمئة، فيما كانت الصين، أكبر مولد للطاقة الكهرومائية في العالم، الأكثر تضررا بتراجع بلغ قرابة 75 بالمئة بسبب الجفاف ونفاد خزانات المياه.
الفرات ودجلة؟
ولم يكن الشرق الأوسط في منأى من أزمة انخفاض الطاقة الكهرومائية، خاصة في البلدان التي تعاني منذ سنوات من تراجع في توليد الطاقة الكهرومائية على طول حوض نهري دجلة والفرات الذي بات مؤخرا “واحدا من أسرع المناطق جفافا على وجه الأرض”، وفقا لما ذكره بنيامين باول، رئيس برنامج دبلوماسية المناخ والأمن بمركز “أديلفي” الألماني للأبحاث.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف أن “الأنهار التي تنبع من تركيا وتعبر سوريا والعراق كانت ذات يوم مهد الحضارة الإنسانية”، مضيفا أن البلدان الواقعة على طول النهرين باتت تعاني من أزمات في الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية بسبب موجات الجفاف المستمرة وزيادة التنافس على موارد المياه الضئيلة.
وقد كشف بحث أجراه الخبير التركي في مجال الطاقة الكهرومائية، دورسون يلدز، عن انخفاض قدرة السدود الثلاثة التي جرى بناؤها عند نهري الفرات ودجلة في تركيا منذ حوالي 30 عاما، على إنتاج الكهرباء بنسبة 25 بالمئة في قدرة توليد الكهرباء.
وربط يلدز، الذي يرأس “أكاديمية السياسة المائية”، هذا الانخفاض في توليد الطاقة الكهربائية “بموجات الجفاف التي تعصف بالمنطقة”، قائلا: “سيؤدي انخفاض هطول الأمطار وسقوط الثلوج بسبب تغير المناخ، في نهاية المطاف إلى انخفاض في تدفقات نهر الفرات بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 بالمئة بحلول نهاية القرن”.
دول المصب .. الأكثر تضررا
وقال يلدز إن انخفاض تدفقات المياه من إيران إلى العراق يؤدي إلى تداعيات خطيرة.
يُشار إلى أن الباحث العراقي في جامعة الكتاب العراقية، سمير الجبوري، قد ذكر في دراسة أُجريت عام 2019 أن تدفقات مياه الأنهار قد انخفضت بسبب ما تقوم به دول المنبع مثل تركيا بحجب المياه لتلبية احتياجاتها من الزراعة وتوليد الطاقة الكهرومائية.
ويقول الباحثون إن تغير المناخ سوف يسرع انخفاض تدفقات المياه، ما سينجم عنه تراجعا في توليد الطاقة الكهرومائية بنسبة ما بين 5 إلى 18 بالمئة بحلول عام 2050. وخلص الباحثون إلى هذه النتيجة بعد الاستعانة باثني عشر نموذجا مناخيا لفهم التغيرات التي حدثت على تدفق المجاري المائية خلال العقود الماضية.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال الجبوري إن المعدل يبدو متواضعا مقارنة بالانخفاض الذي رُصد عند حوض الفرات العلوي في تركيا والذي بلغ 25 بالمئة، محذرا من أن معدل الانخفاض “سينجم عنه ضغوطات كبيرة على منظومة الطاقة في العراق”.
ويواجه العراق أزمة كهرباء منذ سنوات ما يسلط الضوء على أن الطاقة الكهرومائية أضحت بمثابة مصدر هام للطاقة المتجددة بسبب أنها لا تعتمد على الوقود الأحفوري، الذي تتسبب الانبعاثات الناجمة عنه في تسخين كوكب الأرض.
وفي هذا السياق، أفادت شبكة إسناد الطقس العالمية بأن تغير المناخ أدى إلى زيادة احتمالية حدوث الجفاف في حوض نهري دجلة والفرات بمعدل مرة واحدة كل عشر سنوات وليس كل 250 عاما كما كان الحال قبل بدء ارتفاع متوسط درجات الحرارة.
وقال الجبوري إنه مع تعرض العراق لارتفاع كبير في درجات الحرارة مع تكرار موجات الجفاف القاسية، فإن الطاقة الكهرومائية ستظل مصدرا موثوقا فيه، فضلا عن دورها في معالجة ظاهرة تغير المناخ وفي تجنب أزمة الطاقة في عالم ما بعد الوقود الأحفوري.
واقترح الباحث بناء محطات أكثر كفاءة مع تحسين إدارة موارد المياه من خلال الشروع في تنفيذ تقنيات إعادة تدوير المياه أو تطوير السدود الصغيرة بهدف تخزين مياه الأمطار الموسمية للاستفادة منها لاحقا.
وأضاف أن “إعادة تدوير المياه وبناء سدود صغيرة هي وسائل جديرة بالتنفيذ لمعالجة ندرة المياه وتحسين القدرة على مواجهة الجفاف فضلا عن أن تطوير ممارسات زراعية مقاومة للمناخ مع تعزيز التعاون الإقليمي هي بمثابة عناصر أساسية لمواجهة أزمة نقص موارد المياه”.
ضرورة تعزيز التعاون بين الدول
وبحسب تقرير شبكة إسناد الطقس العالمية فإن الجفاف الذي وقع بين عامي 2020 و2023 في حوض نهر دجلة كان “ثاني أسوأ جفاف مسجل، فيما يرجع ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة”.
وقد ألقت الظاهرة بظلالها على قطاع كبير من السكان الذين يعتمدون على الزراعة وتربية الماشية.
وفي تعليقها، قالت نعمة شريف، خبيرة إدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تقيم حاليا في ألمانيا، إن بعض مناطق سوريا والعراق “باتت جافة بشكل كامل”، محذرة من أن تفاقم الجفاف سيؤدي إلى نزوح جماعي من قبل المجتمعات التي تعتمد على الزراعة.
ودقت الباحثة ناقوس الخطر بأن المياه سوف تكون “وراء الحروب المستقبلية. هذه قضية سياسية في المقام الأول”.
ومن جانبه، يرى الباحث بنيامين باول أن تعزيز التعاون بين الدول وتحسين إدارة المياه سيصب في “صالح” كافة الدول التي تمر عبر أراضيها مياه الفرات ودجلة بما في ذلك تلبية حاجتها من الطاقة الكهرومائية النظيفة للتخفيف من أزمة المناخ.
وقال الباحث إن التوصل إلى اتفاقيات إقليمية تحل محل المعاهدات القديمة التي تحكم مقدار تدفقات مياه نهري دجلة والفرات، تعد بالأمر الضروري لتعظيم استخدام الموارد في جميع أنحاء المنطقة خاصة داخل الدول التي تواجه نقصا في تنفيذ مشاريع التكيف مع المناخ مثل العراق وسوريا بسبب الحروب والصراعات السياسية.
ولم تتوقف دعوات تعزيز التعاون الإقليمي على الأوساط الأكاديمية بل امتدت إلى المواطنين العاديين إذ قال السوري شريف: “نحن بحاجة إلى الجلوس على الطاولة بهدف تحسين التعاون بين دول المنطقة في مجال المياه”.
أعده للعربية: محمد فرحان