بعد فوزه.. هل يتمسك فيلدرز ببرنامجه المتطرف ضد المهاجرين؟ – المانيا اليوم –
صدمة كبيرة لعدد من المهاجرين وذوي الأصول المهاجرة في أوروبا بفوز حزب “الحرية” اليميني المتطرف في الانتخابات التشريعية في هولندا، إذ يعتبر زعيمه خيرت فيلدرز أحد أكبر الأصوات المعادية لهؤلاء، خصوصاً منهم المسلمين، ولم يأل جهداً لإظهار مناهضته للإسلام ولجنسيات من دول ذات غالبية مسلمة، خصوصاً المغاربة.
ورغم أن المسلمين لا يمثلون في هولندا سوى خمسة بالمئة، إلّا أنهم كانوا حطباً للحملات الانتخابية، وساهم الخطاب المناهض لهم في انتخاب حزب متطرف سبق للقضاء أن أدان زعيمه في قضايا إهانة لمكون من المجتمع، كما وقع عام 2020 عندما أدين بـ”الإهانة الجماعية” للمغاربة، بعد مطالبته في حشد انتخابي بتقليل عدد المغاربة في البلد.
كراهية للمغاربة
وفي بلد يصل عدد سكانه إلى 17.53 مليون نسمة، لا تتجاوز أعداد المغاربة 420 ألفاً في أقصى الأحوال، بنسبة 2.4 في المئة، بينما يأتي الأتراك في المركز الأول ببضعة آلاف إضافية حسب معطيات رسمية، لكن خيرت فيلدرز ينظر إليها بكثير من الكراهية وهاجمها أكثر من مرة. ولعل وصفهم لهم بـ “الحثالة المغاربة” الذين “يجب إنقاذ البلد منهم” بات معروفا.
هناك “مجموعة من الشباب من أصل مغربي تعاطوا الإجرام والسرقة والمخدرات، والنسب مرتفعة مقارنة ببقية الأصول، وهذا السياسي الشعبوي يستغل الأمر”، يقول جمال الدين ريان، رئيس مرصد التواصل والهجرة بأمسترادم، لـ المانيا اليوم عربية.
ويضيف ريان أن هناك مسؤولية واضحة للإعلام اليميني “الذي يركز على الأصول المهاجرة للمغاربة-الهولنديين عندنا يرتكبون جرائم، في خطاب يؤثر على المسنين وكذلك من يعانون العطالة”.
وتوضح تقارير هولندية رسمية تخص الاندماج، أن نسبة كبيرة من ذوي الأصول المغربية يعانون من تدني المستوى التعليمي، خصوصاً لدى الجيل الأول المنتمي بشكل رئيسي للعمال الضيوف الذين جلبتهم هولندا للعمل بأجور منخفضة منذ عقود مضت، وقرر عدد منهم البقاء دون توفير السلطات الدعم اللازم للاندماج.
لكن مع ذلك، يؤكد تقرير لحزب “الديمقراطيون 66″، وجود ارتفاع واضح في نسب بلوغ الأطفال ذوي الأصول المغربية التعليم الثانوي المؤدي للتعليم العالي، والنسبة ارتفعت كذلك لدى الفتيات. ويبرز التقرير الصادر عام 2019 أن مستويات الجريمة بين المغاربة-الهولنديين انخفضت، لكن التحيّز ضدهم مستمر.
هل يطبق برنامجه فعلاً؟
فاز حزب فيلدرز بـ37 مقعداً انتخابياً، لكنه يحتاج إلى 76 مقعداً لتشكيل الأغلبية، ما يعني ضرورة التنسيق مع أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة، وبالتالي تقديم تنازلات.
وقد حاول فيلدرز إظهار استعداده لتخفيف لهجته عندما قال إنه سيكون”رئيساً للوزراء لكلّ شخص في هولندا، بغضّ النظر عن الدين أو الأصل أو الجنس أو أيّ شيء آخر”. لكن هل يقنع ذلك بقية الأحزاب خصوصا أن الحملة الانتخابية للحزب استمرت في استعداء المهاجرين؟
يرى جمال الدين ريان، أن الأحزاب اليمينية الأخرى اشترطت عليه احترام الدستور الهولندي، وتحديداً الفصل الأول الذي يمنع التمييز “على أساس الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو العرق أو الجنس أو على أي أساس آخر”، ويتابع: “فيلدرز مضطر لاحترام الدستور حتى يتمكن من تشكيل الحكومة”.
وفي هولندا، يعدّ تشكيل الحكومة حقاً حصراً الحزب الفائز في الانتخابات، وهو من يقود المفاوضات. ويشير ريان إلى أنه قد سبق للبلاد أن شهدت تشكيل الحزب الثاني للحكومة بعد إخفاق الحزب الفائز كما حدث عام 1977، عندما عجز الحزب العمالي عن تشكيل الحكومة وشكّلها حينها حزب النداء الديمقراطي المسيحي.
لكن هذا السيناريو مستبعد حسب المتحدث، بحكم أن اليسار في هولندا حاليا ليس بتلك القوة لقلب الطاولة على الأحزاب اليمينية، وغالباً سيتم تشكيل حكومة بأغلبية ضعيفة، أو في أقصى الحالات العودة إلى الانتخابات.
معركة فيلدرز لتشكيل الحكومة
يواجه حزب “الحرية” مفاوضات شاقة لتشكيل الحكومة، ورفضت بعض الأحزاب التحالف معه، منها الحزب الحاكم السابق، الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD)، (ليبرالي محافظ)، ومن المستبعد جداً أن تنضم له الأحزاب اليسارية، وحدها حركة المزارعين-المواطنين الناشئة (BBB) أعطت مؤشرات إيجابية لدعم فيلدرز.
ويقول ستيجن فان كيسيل من جامعة كوين ماري في لندن، إن فيلدرز، و”إدراكاً منه للتسويات التي من المحتمل أن تكون مطلوبة للوصول إلى الحكومة، قد خفف من لهجة خطابه، خاصة فيما يتعلق بالإسلام”.
ويضيف لـ المانيا اليوم إن فيلدرز “يرغب بترك هذه القضايا جانباً، أو لا يجعل منها نقطة كبيرة في مفاوضات الائتلاف، لأنه يرى وجود أولويات أكبر الآن، وخاصة مشاكل تكلفة المعيشة، لكن مع ذلك، ظلت الهجرة دائماً أولوية قصوى بالنسبة له.”
من جانبه، يقول جمال ريان أن إعطاء حزب فيلدرز الفرصة للحكم قد يكون أمراً إيجابياً: “رئاسة الوزراء قد تتسبب بخسارة كبيرة لحزبه إذا ما عجز عن تطبيق ما كان ينادي به وهو ما وقع سابقاً مع أحزاب أخرى، خصوصاً أن بعض المهاجرين صوتوا له حتى يصطدم بالحقيقة في الحكم وتنهار شعبويته”.
ويتابع أنه ليس على المغاربة والمسلمين عموما التخوّف من حكومته، بما أنه لا يملك الأغلبية لتطبيق برنامجه “العنصري”، وسيتنازل لترضية الأحزاب الأخرى”.
ويلفت ريان إلى أن هذه الأحزاب لا تحمل التوجهات المتشددة ذاتها، وهي تفرق بين ذوي الأصول الأجنبية وبين طالبي اللجوء، وذلك في سياق نقاش أوروبي حول قدرة بلدان القارة استقبال المزيد من طالبي اللجوء.
وقد تسبب موضوع الهجرة واللجوء في انهيار الحكومة الهولندية السابقة الصيف الماضي، بعد رفض حزبين داخل التحالف الحكومي، دعم مساعي حزب رئيس الوزراء مارك روته، بتقييد لمّ شمل أطفال اللاجئين. وخلّف الانهيار نقاشاً كبيراً حول الهجرة، خصوصاً مع توقعات بوصول عدد طلبات اللجوء هذا العام إلى 70 ألفاً.
ع.ا