حرب إسرائيل وحماس..السياحة بالشرق الأوسط تصارع من أجل البقاء

0


بدأ القلق يجد طريقه إلى مصطفى حسن الذي يعمل مديرا لقسم الأطعمة والمشروبات في أحد فنادق منتجع شرم الشيخ المصري. ورغم تأكيده على أن “شرم الشيخ آمنة، وإنها مدينة السلام”، إلا أن مصطفى البالغ من العمر 50 عاما، أقر بأن  السياح  ربما يترددون الآن قبل المجيء إلى شرم الشيخ التي تعتبر جوهرة السياحة في مصر، وتبعد قرابة ثلاث ساعات بالسيارة عن الحدود الإسرائيلية وحوالي 360 كيلومترا عن جنوب قطاع غزة.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أشار مصطفى، وهو أب لأربعة أطفال، إلى أن “عدد السياح في مصر بدأ في الانخفاض بسبب الحرب في غزة”. وأضاف أن بعض المنتجعات في  شرم الشيخ تعتمد على السياح الإسرائيليين، لكن قدومهم توقف بسبب الأوضاع في إسرائيل، فيما تعاني الفنادق التي تعتمد على السياح الأوروبيين من تراجع عدد النزلاء بسبب المخاوف المرتبطة بالصراع.

ومع استمرار الأزمة الاقتصادية في مصر وانخفاض قيمة الجنيه، فإن شبح الركود في قطاع السياحة بات يقلق الكثيرين في البلد العربي الأكثر تعدادا بالسكان خاصة وأن السياحة تشكل ما بين 10 و 15 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

الجدير بالذكر أن حماس، المدرجة على قائمة الإرهاب في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وألمانيا ودول أخرى، قد شنت في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي هجوما على إسرائيل أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي وأجنبي. ومنذ ذلك الحين، تقصف إسرائيل قطاع غزة الذي تديره حماس ما أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألفا هناك، فيما استمر القتال بعد انتهاء تمديد الهدنة المؤقتة.

تعتبر شرم الشيخ جوهرة السياحة في مصر وتبعد قرابة حوالي 360 كيلومترا عن جنوب قطاع غزة
تعتبر شرم الشيخ جوهرة السياحة في مصر وتبعد قرابة حوالي 360 كيلومترا عن جنوب قطاع غزةصورة من: Maksim Konstantinov/Russian Look/picture alliance

التأثير بدأ يتضح بشكل ملموس

وشدد مصطفى الذي يعمل في شرم الشيخ منذ سنوات طويلة، على أهمية هذا القطاع، قائلا: “السياحة تعد مصدر دخل هام ليس فقط للعاملين في قطاع السياحة وإنما أيضا للفئات المرتبطة بها بشكل غير مباشر مثل أصحاب سيارات الأجرة والمتاجر ومراكز الغوص والمتنزهات الترفيهية”.

وفي ذلك، يقول وكلاء السفر  ومنظمو الرحلات السياحية  إن المشكلة ستصبح أكثر وضوحا مع تبيان مدى انخفاض معدلات الحجوزات في المستقبل، رغم أنها انخفضت خلال الشهرين الماضيين.

وفي السياق ذاته، أشارت شركة الاستشارات الاقتصادية “ناصر السعيدي وشركاه” ومقرها دبي وبيروت، في مؤتمر صحافي في نهاية أكتوبر / تشرين الاول الماضي ، إلى أنه من السابق لأوانه تحديد تأثر قطاع السياحة بالوضع في غزة، لكنها قالت إن المؤشرات المبكرة مقلقة.

ونقلت وكالة رويترز عن أوليفييه بونتي، نائب رئيس التحليلات في شركة فورورد كيز، قوله أواخر الشهر الماضي إن تذاكر السفر إلى مصر انخفضت 26 بالمائة على أساس سنوي وإلى الأردن بنسبة 49 بالمائة وإلى لبنان بنسبة 74 بالمائة. يأتي ذلك رغم صدور تحذيرات سفر رسمية قليلة من بعض الحكومات الغربية إزاء السفر إلى الشرق الأوسط وتحديدا المناطق البعيدة عن بؤر الصراع مثل إسرائيل وغزة والضفة الغربية المحتلة.

بلغ عدد العاملين في قطاع السياحة بمصر أكثر من 2.2 مليونا عام 2021
بلغ عدد العاملين في قطاع السياحة بمصر أكثر من 2.2 مليونا عام 2021صورة من: Khaled Desouki/AFP/Getty Images

وكانت الولايات المتحدة قد نصحت مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان على ضوء تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل قرب الحدود اللبنانية-الإسرائيلية قبل الهدنة الإنسانية الحالية. وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأغلبية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”.

وعلى وقع ذلك، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن معدلات  إشغال الفنادق  تتراوح ما بين الصفر و7 بالمئة مقابل نسبة أشغال وصلت إلى الربع على الأقل في الفترة السابقة للأزمة. يأتي ذلك في الوقت الذي يئن فيه الاقتصاد اللبناني تحت وطأة أزمة طاحنة فيما تعتمد البلاد بشكل كبير على السياحة التي تشكل ما يصل إلى 40 بالمائة من الدخل القومي الذ انخفض بشكل كبير بسبب الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد. وفي السياق ذاته، جرى نصح المسافرين بتجنب الذهاب إلى المناطق المصرية أو الأردنية المتاخمة لإسرائيل. لكن الأمر لا ينطبق على الوجهات السياحية الأكثر شعبية البعيدة عن الحدود المشتركة.

“ركود” السياحة في الأردن

وفي الأردن، خرج الناطق باسم جمعية الفنادق الأردنية حسين هلالات، ليقول إن البلاد شهدت إلغاء نصف الحجوزات الفندقية خلال الشهر المنصرم.  وتوقع القائمون على قطاع السياحة في الأردن أن يبلغ معدل الإشغال قرابة 95 بالمائة تقريبا خلال الربع الأخير من العام الجاري بعد التعافي من تداعيات وباء كورونا.

الجدير بالذكر أن قطاع السياحة في الأردن يشكل ما بين 11 و15 بالمائة من الدخل القومي للبلاد. وتراقب رائدة الأعمال الأردنية في  مجال السياحة  ومستشارة التسويق نجوان المصري الوضع السياحي عن كثب. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قالت إن الأرقام الخاصة بشهر نوفمبر/ تشرين الثاني لم تصدر حتى الآن من قبل وزارة السياحة، لكنها أشارت إلى حدوث انخفاض طفيف خلال الفترة ما بين سبتمبر/ أيلول وأكتوبر / تشرين الأول من 760 ألف زائر في سبتمبر/أيلول إلى 730 ألفا في أكتوبر/تشرين الأول. وأضافت “باعتباري أحد الأطراف المعنية بصناعة السياحة، لاحظت تراجعا كبيرا في النشاط السياحي منذ بداية نوفمبر / تشرين الثاني بما في ذلك تباط

يشار إلى أن العديد من الوجهات السياحية الرئيسية في الشرق الأوسط قد تضررت بسبب الصراع الراهن خاصة إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وكان إعلان قد صدر عن بلديتي رام الله وبيت لحم ومجلس الكنائس في رام الله يفيد بإلغاء الاحتفالات بعيد الميلاد لهذا العام واقتصارها على الشعائر الدينية مع استمرار الصراع في غزة.

ماذا عن السياحة في دول الشرق الأوسط الأخرى؟

ولم يتوقف التأثير على قطاع السياحة في مصر والأردن ولبنان فحسب، بل امتد إلى   دول أخرى  الأخرى وإن بشكل أقل، إذ شهدت تونس والمغرب على سبيل المثال انخفاضا في الحجوزات بنسبة تراوحت بين 15 و20 بالمائة، حسبما ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية.

 زار أكثر من 900 ألف شخص البتراء، معظمهم سائحين أجانب، الصورة للبتراء الأردنية من الأرشيف، ديسمبر 2022.
 زار أكثر من 900 ألف شخص البتراء، معظمهم سائحين أجانب، ما مدى تأثير الأردن على السياحة هناك؟صورة من: Mohamad Salaheddin/AA/picture alliance

وفي قبرص، انخفض تدفق السياح الإسرائيليين بشكل كبير، وقد شكل هؤلاء من قبل حوالي 15 بالمائة من إجمالي الزوار باعتبارهم ثاني أكبر مجموعة من الزوار بعد البريطانيين. وإزاء ذلك، يقول خبراء إنه من الصعب تحديد فترة الركود السياحي في المنطقة في ظل عدم التوصل إلى هدنة دائمة بين إسرائيل وحماس.

وفي ذلك، قال مصطفى حسن، الذي يعمل مديرا لقسم الأطعمة والمشروبات في أحد فنادق شرم الشيخ، إن الأمور لا تزال على ما يرام في الوقت الحالى، محذرا من أنه “عندما يجد أصحاب الفنادق أن مصدر دخلهم يتضاءل بسبب قلة عدد السياح، فإنهم سوف يفكرون في تقليل النفقات، لاسيما على صعيد نفقات الرواتب التي تتصدر النفقات الأساسية”.

من جانبها، قالت رائدة الأعمال الأردنية في مجال السياحة ومستشارة التسويق نجوان المصري إنه “في حالة استمرار الحرب لفترة طويلة، فإن قطاع السياحة سوف يعاني بأكمله، لاسيما الشركات الصغيرة التي ازدهرت في السنوات الأخيرة باستثمارات كبيرة يقف ورائها شباب أردني”. وأضافت أن فترة أعياد الميلاد تعد فترة رواج سياحي هامة، لكن في حالة استمرار الصراع “فإن الخطر ربما سيمتد إلى الموسم المقبل”.
 

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.