"مانهاتن الصحراء"ـ شبام وتحديات صمود ناطحات السحاب اليمنية!
شهرة عالمية تحظى بها ناطحات سحاب طينية واقعة بمدينة شِبَام في محافظة حضرموت اليمنية وهي مبانٍ يبلغ عمر كثير منها حوالي 500 عام كما أنها مصنفة منذ أربعة عقود على قائمة منظمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي. لكن رغم هدوء حضرموت النسبي تركت حرب اليمن وأزماته بصماتها نسبياً في هذه المنطقة فلم يعُد السياح يزورونها إلا نادراً وأمسى صعباً بشكل متزايد ترميم منازل العائلات اليمنية القاطنة هناك.
عند زيارة شبام – العاصمة التاريخية لمنطقة حضرموت – وصعود درَج إحدى تلك البنايات نرى الدرَج ضيقاً وغير مستوٍ -مما يصعِّب الوصول إلى الطابق العلوي- ونلاحظ مشي سكان البناء -البالغ تاريخه قروناً- في طريقهم خطوةً خطوة بحذر إلى الأعلى من دون ضوء بسبب انقطاع الكهرباء المتكرر، لكن تجويف البناء – في المقابل – بارد بشكل مُبهِج رغم بلوغ درجة الحرارة في الخارج 40 درجة مئوية.
نظام تكييف طبيعي
ففي هذه المنازل الطينية لا تكون درجات الحرارة مرتفعة جداً بغض النظر عن درجة الحرارة في خارجها وبإمكان الإنسان تحمُّل الحرارة في داخلها، كما يقول محمد خميس – وهو من سكان شبام – معلِّلاً ذلك بأن في جدران هذه المباني “فتحات تهوية تجعل الهواء يدور في جميع أنحاء تجويف البناء” وينشأ عن ذلك هواء بارد متدفق في الداخل.
منزل محمد خميس وعائلته مربع ضيق متكون من سبعة طوابق ومن غرف عددها هو نفسه عدد الطوابق التي يصغر حجمها من طابق إلى آخر نحو الأعلى، أثاثها قليل والسجاد المهترِئ والأبسطة الرقيقة هي وسائل الراحة الوحيدة.
لم يتبقَّ الكثير من بريق شبام ومجدها السابق فكثيرون من سكان العاصمة السابقة لمنطقة حضرموت في شرق اليمن، البالغ عددهم أكثر من ألف نسمة، يكافحون من أجل كسب لقمة العيش، كما هي الأحوال في معظم مناطق اليمن.
ورغم ذلك يريد محمد خميس البقاء في هذه المدينة التاريخية، وفق ما يقول وهو يطل من شرفة سطح مبناه القديم على ناطحات السحاب الشهيرة في مدينته ويضيف: “شبام هي أمي، إنها حياتي كلها وإذا عُرِضَ عليَّ الذهاب إلى السعودية فسأفضِّل البقاء في شبام، لأني نشأتُ فيها وأعيش فيها وأريد أن أموت فيها”.
العمارات الشاهقة المبنية من الطُّوب منتصبة بعضها إلى جانب بعض كما لو كان بعضها مستنداً إلى بعض في مساحة تضم أكثر من 450 مبنى ألوانها ترابية ورملية ومعظمها مربعة الشكل، وهي أبراج سكنية مرتفعة إلى 25 متراً في السماء وهذا هو سبب تسمية شبام أيضاً بـ “مانهاتِن الصحراء” على اسم منطقة منهاتن في مدينة نيويورك الأمريكية، لكن الفرق أن شبام اليمنية أقدم بكثير من منهاتن الأمريكية.
سبب بناء مدينة شبام العامودي
وعن سبب بناء مدينة شبام بشكل شاقولي إلى الأعلى يتحدث المرشد السياحي محمد فيصل با عُبَيْد – وهو ذو معرفة جيدة بتاريخ مدينة شبام – عن قبائل أرادت في الماضي “الاستيلاء على شبام لكن المياه المحيطة بالمدينة جراء هطول الأمطار منعتها من السيطرة عليها، كما أنه قبل زمن طويل وقع فيضان بالمدينة ولهذا فكر الناس في توسيعها عامودياً بالبناء نحو الأعلى”.
معمارية مدينة شبام ومبانيها المذهلة البالغ عمرها 500 عام والمُدرَجة منذ عام 1982 في قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي، كانت لفترة طويلة نقطة جذب سياحي ولكنْ حالياً يأتي إليها عدد قليل من السياح فقط.
وفي الشوارع الضيقة بين البنايات تشق الأغنام والخرفان طريقها إلى إسطبلاتها الواقعة في أسفل العمارات السكنية، فطوابقها السفلية مخصصة للماشية كما جرَت العادة في المدينة منذ قرون. أما عن أعمال سكان شبام فهم يرعون الماشية ويزرعون الحقول المحيطة أو يشتغلون عُمالاً باليومية.
وينتشر الفقر والبطالة والأمية على نطاق واسع في اليمن ويُعتَقد أن الرئيس الأسبق الحاكم الطويل الأمد للبلاد علي عبد الله صالح لم يستخدم عائدات النفط اليمنية لشق الطرقات وبناء المدارس وإنشاء المستشفيات بل من أجل شراء ولاء خصومه السياسيين، علماً بأنه قُتِلَ بإطلاق نار عليه عام 2017.
ومنذ سنوات عديدة يتقاتل الفرقاء في البلاد من أجل السلطة والموارد في الشمال والجنوب ولطالما اعتُبر اليمن من أقل دول العالم العربي تنميةً، في حين تذكِّر مباني شبام بماضٍ يمني مختلف وكذلك بخمسة قرون صمدت خلالها هذه البنايات أمام تقلبات الطبيعة، بينما يناضل سكان الحاضر من أجل الحفاظ على منازلهم.
ويحذِّر المرشد السياحي محمد فيصل با عُبيد من تأثير التغير المناخي على المدينة مؤكداً أن “لدينا في الواقع تحديات كثيرة وهي خصوصاً ذات طبيعة مناخية: صحيح أن سكان المدينة يستفيدون بالفعل من الأمطار الموسمية لكن السماء تمطر حالياً بكميات كبيرة مفزعة وهذا له عواقبه على المدينة نظراً لأنها مَبنيَّة من الطين وفي حاجة إلى ترميم مستمر”.
ويؤكد با عُبيد على أهمية التعاون العالمي في الترميم المتواصل للمدينة لأنه “يتطلب تدخل المنظمات” المختصة في ذلك، ويتابع كلامه قائلاً: “نحن، سكان مدينة شبام، نريد الحفاظ على هذه المدينة، ليس فقط لأنفسنا بل من أجل العالم أجمع”.
هل تبقى شبام قِبلة يؤُمُّها السائحون؟
بالماضي ساعدت مبادرات دولية في ترميم المباني والحفاظ عليها باستخدام الطين والخشب والجير وشاركت ألمانيا أيضا في ذلك ولكنَّ هناك نقصاً في الأموال والسياح الضروريَّيْن لضمان الحفاظ الدائم على المباني الشاهقة.
في وقت العصر حين تنخفض درجات الحرارة وتدب الحياة بالمدينة يجتمع رجال شبام عند بوابتها الكبيرة في مقهى، بعضهم يدردشون والبعض الآخر يدخنون الشيشة وآخرون في الهواء الطلق جالسون على سجادة يلعبون الدومينو، وجزء مهم من التراث المعماري اليمني على مرمى حَجَر منهم، أما الحرب اليمنية التي دمرت البلاد وأنهكت العباد فهي بعيدة جغرافياً عنهم جداً.
ويأمل المرشد السياحي محمد فيصل با عُبيد أن تبقى هذه المدينة قبلة يؤُمُّها السائحون لأنها من أهم الوجهات السياحية في اليمن، ويضيف: “نحن نعتبر شِبام كنزاً ومن يملك كنزاً فعليه أن يحافظ عليه. بالإمكان الاستثمار في الكهرباء. لكن الاستثمار في مدينة شبام يعني الحصول على عائدات وأرباح منها، لأن الحفاظ عليها هو حفاظ على كنوز الناس. وهذا هو مصدر فخرنا وسعادتنا”.
أعده للعربية: علي المخلافي