تزايد دور المغرب "كحارس" للحدود الأوروبية من الهجرة

0


يزداد دور المغرب “كحارس” للحدود الأوروبية من الهجرة غير النظامية  إذ صدر بيان حديث عن القوات المسلحة الملكية المغربية أفاد بإيقاف حوالي 87 ألف مهاجر غير نظامي العام الماضي بما يشكل زيادة كبيرة عن معدل عام 2022، الذي شهد تسجيل إيقاف 56 ألف مهاجر بين يناير / كانون الثاني وأغسطس / آب من ذاك العام.

وأشار الجيش في بيانه إلى أن معظم عمليات الإيقاف جرت قرب الساحل الغربي للمغرب.

الجدير بالذكر أن جزر الكناري الإسبانية تبعد حوالي مئة كيلومتر عن الساحل الغربي للمغرب.

وفي السياق ذاته، أفاد  بيان أوروبي  بوصول أكثر من 56 ألف مهاجر إلى الجزر الإسبانية انطلاقا من هذا المسار في الفترة ما بين يناير / كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، ما يمثل زيادة غير مسبوقة بلغت 82% مقارنة بعام 2022.

لكن ليس كل المهاجرين، الذين وصلوا إلى جزر الكناري، ينطلقون من المغرب، إذ يستقل العديد منهم سفنا صغيرة أو قوارب مطاطية للإبحار من الساحل الغربي لأفريقيا.

وكان العام الماضي مأساويا إذ لقي عدد قياسي من المهاجرين  حتفهم في عرض المحيط الأطلسي، فيما ذكرت منظمة “كاميناندو فرونتيراس” الإسبانية غير الحكومية أن 6618 مهاجرا قضوا حتفهم خلال رحلة الوصول من  المغرب  إلى جزر الكناري، ما يمثل معظم حالات الوفاة أي ضعف ما سُجل عام 2022.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قالت سونيا حجازي، نائبة مدير “Leibniz and Zentrum Moderner Orient” (مركز لايبنتز للشرق الحديث)، وهو معهد بحثي ألماني، إن “هناك العديد من الأسباب وراء تزايد استخدام ما يُعرف بالطريق الغربي في ظل أن طرق (الهجرة) الأخرى تتسم بالخطورة”.

وأضافت أن الظروف في ليبيا باتت أكثر قسوة حيث يتم اعتراض المهاجرين وإعادتهم بقسوة، فيما يجرى احتجازهم في سجون غير إنسانية، مشيرة إلى أن الدول الأخرى في منطقة شمال أفريقيا “ليست معروفة بتعاملها اللين مع المهاجرين”.

في بداية العام الجديد، اعترضت القوات المغربية أكثر من ألف مهاجر غير نظامي كانوا يستعدون للتوجه إلى جيبي سبتة ومليلية
في بداية العام الجديد، اعترضت القوات المغربية أكثر من ألف مهاجر غير نظامي كانوا يستعدون للتوجه إلى جيبي سبتة ومليليةصورة من: Fadel Senna/AFP/Getty Images

ميثاق الهجرة المغربي

وفي ضوء هذه المعطيات، من المتوقع ازدياد دور المغرب كحارس لما يُعرف بـ “بوابة الهجرة الأوروبية”، إذ بعد سبع سنوات من المفاوضات الماراثونية، اتفقت الرباط والاتحاد الأوروبي على  اتفاق بشأن الهجرة  أواخر العام الماضي.

وفي هذا الإطار، قام الرئيس التنفيذي للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، هانز ليتينز، بزيارة المغرب عدة مرات بهدف تعزيز الحوار والتعاون مع السلطات المغربية المنوط بها ضبط وإدارة الحدود.

وفي بيان، قال المسؤول الأوروبي إن “المغرب يبرز كشريك هام في أفريقيا”.

وفي تعليقها، قالت كاميل لو كوز، المديرة المساعدة لمعهد سياسة الهجرة في أوروبا، إن من المهم التأكيد على أنه رغم التوصل إلى اتفاق، إلا أننا “بعيدون جدا عن تنفيذه”.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم أوضحت أن “هذا اتفاقا سياسيا سيحشد الاتحاد الأوروبي بموجبه ميزانيات وموظفين بهدف إنشاء بنية تحتية حتى يصبح اتفاق الهجرة أمرا حقيقيا في غضون سنوات قليلة”.

في المقابل، قالت سونيا حجازي إن “طرفي المعادلة يتمثلان في دعم الاتحاد الأوروبي لمطالب المغرب الإقليمية، فيما يدعم المغرب السياسة الأوروبية الخاصة باللاجئين”.

وقال مراقبون إن الالتزام المغربي واجه اختبارا مطلع العام الجاري. فعشية رأس السنة تمكنت القوات المسلحة الملكية المغربية من اعتراض واعتقال حوالي 1100 شخص من المغرب و الجزائر وتونس واليمن و بلدان جنوب الصحراء الكبرى كانوا في طريقهم إلى جزر الكناري وجيبي سبتة ومليلية الإسبانيين.

ويقع جيبا مليلية وسبتة على الساحل الشمالي للمغرب ويمثلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية، ويتعرض الجيبان بانتظام لمحاولات دخول سرية.

 المصالح السياسية

وترى سارة زعيمي، نائبة مدير الاتصالات في المجلس الأطلسي للأبحاث ومقره واشنطن، أن المغرب ينظر إلى قضية “الهجرة بمثابة ورقة ضغط كلاسيكية في مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي”.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضافت أنه بين عامي 2020 و2021 ووسط أزمة مع إسبانيا، “سمح المغرب عمدا لمهاجرين محليين ووافدين سريين باقتحام حدود جيبي سبتة ومليلية، مما تسبب في حالة ذعر كبيرة داخل الحكومة الإسبانية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي”.

وأشارت إلى أن الواقعة أسفرت عن فرار حوالي ألفي شخص صوب حدود مليلية مما أدى إلى أعمال عنف و شغب دامت لساعات و أودت بحياة 23 شخصا في يونيو / حزيران عام 2022، مضيفة أنه تلى ذلك ظهور بوادر “ذوبان الجليد في العلاقات بين البلدين”.

وقالت الباحثة إن هذا “الوضع مهد الطريق أمام تحقيق توافق بين المغرب وإسبانيا”.

وبالإضافة إلى التعاون الحدودي، وافقت إسبانيا على مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية، التي استقلت عن إسبانيا عام 1975، وتحولت موضع نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وأصبح الإقليم الذي تعتبره الأمم المتحدة “إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي وهو جزء من مستعمرة سابقة” كانت خاضعة لأسبانيا،  نقطة انطلاق مفضلة للمهاجرين  الطامحين إلى الوصول إلى جزر الكناري.

ويقول مراقبون إن إسبانيا لم تكن الدولة الغربية الوحيدة  التي تقبل بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، إذ في عام 2020 اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الإقليم في إطار حيثيات “مقايضة” بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة بشأن التطبيع مع إسرائيل.

دعمت إسبانيا مؤخرا وقبلها الولايات المتحدة مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربية
دعمت إسبانيا مؤخرا وقبلها الولايات المتحدة مبادرة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب لحل النزاع في الصحراء الغربيةصورة من: Toufik Doudou/AP/picture alliance

ومهد هذا الاعتراف الطريق أمام فتح العديد من القنصليات الأفريقية في العيون والداخلة، فيما دعمت دول الخليج الموقف المغربي عبر ضخ استثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة.

ويعد الإقليم أيضا موطناً لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر. وتقول البوليساريو إنها تمثل الشعب الصحراوي وتناضل من أجل استقلال الإقليم منذ حوالي 50 عاما. وتزامن ذلك، مع استمرار العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر.

المغرب وتحولات في السياسة الخارجية

وقالت سونيا حجازي إن “المغرب قد فرض مطالبه السياسية المتعلقة بالصحراء الغربية منذ عقود، لذا يشعر أنه وصل إلى نقطة الأمان. ولهذا السبب يمكنه استخدام سياسته الخاصة باللاجئين لممارسة المزيد من الضغوط لتعزيز التنمية المحلية”.

لكن لا يبدو أن هدف المغرب يقتصر على الحصول على مساعدات مالية، بحسب ما أشارت إليه سارة زعيمي.

وفي ذلك، قالت إن “التغيرات الأخيرة في السياسة الخارجية المغربية تشير إلى أن المملكة باتت أكثر ثقة وأيضا أكثر مشاكسة، لذا أجد من الصعب تصديق أن المغرب يستخدم المهاجرين للاستفادة من المساعدات التنموية”.

وأضافت زعيمي أن “الرباط برهنت على ذلك من الطريقة التي تمكنت من خلالها إدارة أزمة الزلزال”، في إشارة ضمنية إلى رفض المغرب معظم المساعدات الخارجية عقب كارثة زلزال سبتمبر / أيلول الماضي والذي أودى بحياة قرابة ثلاث ألاف شخص.

وأشارت إلى أن “المغرب يفضل الآن السيادة على علاقاته مع القوى الاستعمارية السابقة  وعلى ديناميكيات التبعية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تنويع الرباط لشركائها خارج المدار الغربي بما يشمل الإمارات والصين والسعودية وحتى روسيا وأمريكا اللاتينية ودول أخرى”.

وأضافت أن المشاريع الاستثمارية الكبرى مثل الاستضافة المشتركة لكأس العالم 2030 مع البرتغال ومشروع النفق الرابط بين أوروبا وأفريقيا عبر مضيق جبل طارق وجذب الصناعات إلى الأراضي المغربية، أصبحت تتصدر أولويات الرباط.

 

أعده للعربية: محمد فرحان

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.