بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس
لم يتبق سوى ستة أسابيع على عقد انتخابات البرلمان الأوروبي فيما يقول خبراء إن فضائح التجسس المزعومة داخل الهيئة التشريعية للتكتل الأوروبي لن تؤثر كثيرا على ثقة الناخب الأوروبي. يشار إلى أن الأشهر الثمانية عشر الماضية شهدت سلسلة من فضائح عن محاولات دول أجنبية للتدخل في البرلمان الأوروبي في شبهات فساد طالت مشرعين أوروبيين.
وكانت بداية سلسلة الفضائح في ديسمبر/كانون الأول عام 2022 مع الكشف عن اتهام أعضاء في البرلمان الأوروبي وبعض الموظفين بالحصول على أموال من قطر والمغرب وموريتانيا مقابل التأثير على صنع القرار داخل الهيئة التشريعية الأوروبية. ونفت هذه الدول تورطها.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل في مطلع العام الجاري، قالت صحيفة “ذا إنسايدر” الاستقصائية أن السياسية اللاتفية تاتيانا زدانوكا، عضو البرلمان الأوروبي، كانت تتعاون مع الاستخبارات الروسية لسنوات.
وفي هذا السياق، قامت السلطات الأمنية في لاتفيا في منتصف الشهر الماضي بإجراءات جنائية ضد زدانوكا فيما قالت التقارير الصحافية إن النائبة في البرلمان الأوروبي تم تكليفها من قبل الاستخبارات الروسية لتعزيز المشاعر المؤيدة للكرملين في دول البلطيق.
تزامن هذا مع فرض السلطات التشيكية الشهر المنصرم عقوبات على موقع “صوت أوروبا” بسبب ارتباطه وفي السياق ذاته، قال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو إن روسيا تواصلت مع بعض نواب في البرلمان الأوروبي حيث تلقوا أموالا للترويج للرواية الروسية.
وقبل أيام، أعلن الادعاء في برلين عن توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصالح الصين . وأضاف الادعاء أن الشخص الموقوف جرى تعريفه باسم “جيان غ” حيث اُتهم بالتجسس على معارضين صينيين في ألمانيا وتقديم معلومات عن البرلمان الأوروبي إلى الاستخبارات الصينية.
وكشفت التقارير الإعلامية عن أن جيان غو هو أحد مساعدي ماكسيميليان كراه، النائب في حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي والذي يعد ابرز مرشحي الحزب لانتخابات البرلمان الأوروبي.
ونفى كراه تقارير صحافية تشيكية وألمانية أشارت إلى أنه حصل على أموال لنشر رسائل مؤيدة لروسيا، مؤكدا أنه عازم على خوض سباق انتخابات البرلمان الأوروبي، لكنه قال إنه قرر إقالة مساعده جيان غو. وبعد ساعات من الكشف، أعلن الادعاء الألماني فتح تحقيق في هذه القضية.
يشار إلى أن ماكسيميليان كراه من أكثر دعاة تحسين العلاقات بين ألمانيا من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى.
تشويه الديمقراطية
وعلى وقع ذلك، حذر نواب في البرلمان الأوروبي من تأثير هذه المزاعم على الناخبين. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال تيري رينتكي، المرشح البارز عن حزب الخضر للانتخابات الأوروبية، إنه يتعين على “البرلمان توضيح ما حدث ومن ثم تحمل العواقب. أعتقد أنه يجب انجاز هذا التحقيق قبل إجراء الانتخابات الأوروبية”.
وبحسب مشروع قرار اطلعت عليه المانيا اليوم، أبدى أعضاء في البرلمان الأوروبي “غضبهم إزاء ظهور بعض أعضاء في البرلمان الأوروبي في موقع صوت أوروبا الإعلامي الموالي لروسيا في وقت تقود روسيا عدوانا ضد أوكرانيا”.
وأشارت المسودة إلى أن “روسيا حافظت بشكل منهجي على اتصالات مع أحزاب من طيف اليمين المتطرف واليسار المتطرف وشخصيات وحركات أخرى للحصول على دعم من جهات مؤسسية فاعلة داخل الاتحاد بهدف إضفاء الشرعية على أعمالها غير القانونية والإجرامية”.
ويُتوقع التصويت على مشروع القرار الخميس (25 أبريل / نيسان).
أوروبا في حالة تأهب
ويقول مراقبون إن البرلمان الأوروبي ليس وحده المؤسسة الأوروبية الوحيدة التي باتت في عين العاصفة إذ جرى اعتقال خمسة أشخاص في المانيا والمملكة المتحدة للاشتباه بأنهم يتجسسون لحساب الصين التي نفت الاتهامات واعتبرتها ذات دوافع سياسية.
ورغم ذكر اسم الصين، إلا أن التجسس لصالح روسيا يشكل الهاجس الأكبر خاصة عقب نشر تحليل قامت به الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع كشف عن أن روسيا وراء معظم حالات التجسس التي طالت نواب في البرلمان الأوربي بين عامي 2010 و2021.
وقال مايكل جونسون، الخبير في الوكالة السويدية لأبحاث الدفاع، في تقرير نُشر في منتصف عام 2022 إن “نشاط أجهزة المخابرات في مختلف البلدان يزداد في وقت التوترات الجيوسياسية”.
يُشار إلى أنه في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر فبراير / شباط عام 2022، قامت دول أوروبية بطرد مئات الدبلوماسيين الروس بلغ عددهم 490 دبلوماسيا روسيا في أول إحدى عشر شهرا من الحرب.
وقالت إلزبيتا كاكا، الباحثة في المعهد البولندي للشؤون الدولية، إن التحليل الذي قامت به في يناير / كانون الثاني العام الماضي كشف عن أن غالبية الدبلوماسيين الروس الذين جرى طردهم كانوا عناصر استخباراتية.
وأضافت كاكا أنه جرى توثيق أنشطة تجسس روسية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، لكن “هذه الأنشطة تزداد في العواصم الأوروبية التي تستضيف مقرات تابعة لحلف الناتو ومؤسسات دولية أخرى”.
تدابير الحماية
وفي ضوء ذلك، تعد بلجيكا الهدف الرئيسي بسبب أنها تستضيف معظم مؤسسات حلف الناتو والاتحاد الأوروبي فيما أكد رئيس وزراء بلجيكا دي كرو مؤخرا على مسؤولية بلاده وذلك بعد إعلان الإدعاء البلجيكي عن فتح تحقيق بشأن تدخل روسي في البرلمان الأوروبي.
وفي تغريدة على موقع “إكس”، قال دي كرو إن “التدخل الروسي في العمليات الانتخابية في جميع أنحاء أوروبا يحدث ونحن نتحدث اليوم، إنهم يهدفون تعطيل مسار ديمقراطيتنا”.
وفي بيان مشترك، دعا دي كرو ونظيره التشيكي بيتر فيالا، الاتحاد الأوروبي إلى الخروج بتدابير عقابية جديدة، قائلا: “هذا هو الوقت المناسب لتأسيس نظام جديد يمهد الطريق أمام اتخاذ إجراءات داخل الاتحاد الأوروبي لمواجهة الأنشطة الروسية الخبيثة.”
وفي ضوء رئاستها الحالية الدورية للاتحاد الأوروبي، دشنت بلجيكا آلية للتعامل مع الأزمة بما يشمل تعزيز تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء فيما قال مجلس الاتحاد الأوروبي إن الآلية ستكون “بمثابة منصة تجمع جميع المعلومات ذات الصلة وجميع الإجراءات الجارية بهدف دعم الاستعداد والاستجابة السريعة والمنسقة على مستوى الاتحاد الأوروبي”.
التعاون الأوروبي ضرورة ملحة
ورغم تزايد التعاون بين بلدان الاتحاد الأوروبي في الأعوام الأخيرة خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن الاستخبارات تظل واحدة من مجالات السياسة التي تعتبرها الدول الأعضاء شأنا داخليا.
من جانبها، شددت إلزبيتا كاكا، الباحثة في المعهد البولندي للشؤون الدولية، على أن هناك بعض المجال للتحسن، قائلة “تمتلك العديد من الدول الأعضاء قدرات عملياتية محدودة ضد التجسس، لكن التعاون على مستوى الاتحاد الأوروبي يواجه عقبات بسبب الاختلافات في تصورات التهديد والافتقار إلى الثقة المتبادلة”.
واقترحت الباحثة أن تقوم دائرة العمل الخارجي الأوروبي التي تعد الذراع السياسي الخارجي للاتحاد الأوروبي، بجمع التقارير ذات الصلة.
الشفافية…بداية الطريق
وفيما يتعلق بعمل البرلمان الأوروبي ، قال متحدث إن الهيئة التشريعية تعتمد على التحقيقات التي تجريها الأجهزة المعنية في الدول الأعضاء، مضيفا “يأخذ البرلمان على محمل الجد المزاعم القائلة بأن السياسيين في أوروبا يعملون على تضخيم الدعاية الروسية بما يشمل خدمة مصالح الكرملين فيما يدخل في هذا النطاق لجوء الصين إلى هذا التدخل”.
واستشهد في ذلك بقيام البرلمان الأوروبي باتخاذ خطوات لتعزيز الشفافية عقب ما أطلق عليه من الصحافة بـ فضيحة ” قطر غيت”.
ورغم ذلك، قال نيك أيوسا، الباحث في منظمة الشفافية الدولية، إنه لا يعتقد أن البرلمان “يرتقى إلى مستوى المسؤولية في حمايته من خلال حزمة الإصلاحات المقترحة”.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف أن البرلمان “في حاجة إلى رقابة مستقلة يفتقرها في الوقت الراهن. البرلمان في حاجة إلى مراقبة أنشطته الخارجية وفي حاجة إلى الكشف عما يفعله الأعضاء ومن يدفع لهم. يتمثل أسلم طرق مواجهة أي تأثير خبيث على أي مؤسسة تتسم بالديمقراطية، في تطبيق أقصى تدابير النزاهة على أعضاء وموظفي هذه المؤسسة”.
أعده للعربية: محمد فرحان