ظاهرة النينيو تفتك بشرق أفريقيا
تقف ظاهرة النينيو وراء الفيضانات العارمة التي أغرقت مناطق واسعة بشرق أفريقيا مما تسبب في أزمة إنسانية مأساوية حيث أدت الفيضانات التي اجتاحت كينيا وتنزانيا وبوروندي وأوغندا إلى مقتل 300 شخص.
ففي كينيا وحدها، قُتل حتى الآن 169 شخصا جراء الفيضانات من بينهم 45 شخصا على الأقل لقوا حتفهم جراء انهيار سدّ بوسط البلاد أواخر أبريل / نيسان الماضي.
وفي تنزانيا، أدت الأمطار القوية المرتبطة بظاهرة “النينيو” المناخية إلى مقتل أكثر 155 شخصا. أما في أوغندا، فقد تحول نهر كان يتسم بالهدوء إلى نهر شرس في منطقة مبيغي قرب العاصمة كمبالا بعد أن غمرت المياه جسرا شديد الأهمية كان يمثل الطريق الوحيد الذي يربط المنطقة بكمبالا.
وتعرضت المناطق الساحلية للخطر حيث تواجه أيضا عواصف رعدية قوية وأمواج عالية.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال فرانك كاجولو، أحد سكان المنطقة المنكوبة، إن الكثير من السكان نزحوا من منازلهم بسبب الدمار الكبير، مضيفا “لم يعد بإمكانهم البقاء بسبب الفيضانات. لقد باتوا الآن نازحين”.
وتؤدي الأمطار المتواصلة ليس فقط إلى ارتفاع مستويات المياه في الأنهار، ولكن أيضا إلى توسع البحيرات العظمى في شرق أفريقيا.
وأغلقت الطرق وأصبح من المستحيل عبور الجسور، ما أعاق نقل البضائع بين الدول في المنطقة، مثل تلك التي بين أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي بوروندي، إحدى أفقر البلدان في العالم، نزح 96 ألف شخص بسبب هطول الأمطار بشكل متواصل لأشهر، حسبما أعلنت الحكومة والأمم المتحدة.
وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في الخامس من مارس / آذار الماضي من أن الأمطار الموسمية تقترن هذا العام في العديد من دول شرق افريقيا، بظاهرة “النينيو” المناخية، التي بدأت منتصف عام 2023 وقد تستمر حتى مايو / أيار .
بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، تسبب ظاهرة النينيو الجفاف في بعض أنحاء العالم والأمطار الغزيرة في مناطق اخرى.
كينيا أمام معركة السيول
وتشير التقارير إلى أن الوضع في كينيا أكثر مأساويا إذ غمرت المياه معظم أنحاء العاصمة نيروبي من المناطق الثرية إلى القرى الفقيرة مما أدى إلى تقطع السبل بالعديد من السكان وبات الآلاف منهم بلا مأوى.
وبنبرة يعتصرها الآسى، قال رودس أروبا، أحد سكان نيروبي، في مقابلة مع المانيا اليوم “كنت في العمل عندما تلقيت إتصالا عاجلا من زوجتي حيث أبلغتني عن الارتفاع المفاجئ في منسوب المياه، مما تسبب في تدفق المياه بشكل سريع وقوي إلى المنطقة التي نسكن فيها”.
وعلى وقع الفيضانات، قال وزير الداخلية كيثور كينديكي إن الحكومة أمرت السلطات المحلية “بتفقد جميع السدود والخزانات العامة والخاصة في ولاياتها خلال الساعات ال24 المقبلة وتحديد الأوضاع التي تستلزم إصدار أوامر الإجلاء الإلزامي والنقل الموقت”.
تنزانيا…النزوح
وفي تنزانيا، تسببت الأمطار القوية في أضرار واسعة النطاق طالت المنازل والبُنى التحتية في جميع أنحاء البلاد حيث اضطر الكثير من السكان إلى ترك منازلهم بعد أن غمرتها المياه.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قالت إستر سينزوي، إحدى سكان نيروبي، إنها باتت بلا مأوى، مضيفة “غمرت المياه منزلي ولم يعد لدينا أي مكان نلجأ إليه. أعيش حاليا مع جارتي. لسنا متأكدين من موعد توقف هطول الأمطار. نحن في حالة خوف شديدة”.
النينيو وتفاقم أزمة الغذاء العالمي
وجاءت موجة الفيضانات بعد أيام من صدور التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية الذي حذر من تداعيات ظاهرة النينيو، قائلا: “الأسوأ لم يأتي بعد”.
وأضاف التقرير أن “تأثير ظاهرة النينيو الكامل على الأمن الغذائي يُرجح أن ينكشف في وقت لاحق من العام الجاري جراء الفيضانات وقلة الأمطار في أجزاء من شرق أفريقيا والجفاف في الجنوب الأفريقي خاصة مالاوي وزامبيا وزيمبابوي”.
ويعود ارتباط العديد من حالات نقص الغذاء في أفريقيا بظاهرة النينيو إلى ثمانينات القرن الماضي منذ أزمة الغذاء العالمية التي ضربت القارة السمراء بين عامي 1982 و 1984 التي تعد أشد الأزمات المسجلة، بحسب تقرير أممي.
وقد تسبب ذلك في حدوث مجاعات طالت العديد من سكان بلدان القرن الأفريقي والساحل مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص فيما تسببت ظاهرة النينيو في حدوث الجفاف الذي أصاب الجنوب الأفريقي في الفترة بين عامي 1991 و 1992 في الجنوب الأفريقي مما أثر على ما يقرب من 100 مليون شخص.
وقال التقرير “إن ما يسمى بظاهرة النينيا الثلاثية تسببت خلال الفترة ما بين عامي 2020 و 2023 في حدوث جفاف استمر ثلاث سنوات متتالية في إثيوبيا وكينيا والصومال، تاركا ملايين الأشخاص يواجهون الجوع الشديد”.
تأثير ظاهرة تغير المناخ
ومع تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ، تزايدت ضراوة وشدة ظاهرة “النينيو” خاصة في البلدان النامية التي باتت غير قادرة على التعامل مع أزمات المناخ بسبب نقص التمويل، وفقا لما أشارت إليه ناشطة المناخ الكينية غريس رونوه.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضافت “باتت معظم هذه البلدان في الوقت الحالي مثقلة بالديون، لذا فهي تعطي الأولوية لسداد ديونها”.
من جانبه، شدد ديفيد جيكونغو، مدير إدارة الأرصاد الجوية الكينية، على ضرورة توفير أنظمة الإنذار المبكر للدول الفقيرة المعرضة لظاهرة النينيو لتعزيز قدرتها على مواجهة تداعيات الظاهرة بشكل مسبق.
وفي حديثه إلى المانيا اليوم، قال “الإشعارات التي نصدرها والتي يتلقاها الصحافيون هي ذاتها التي نرسلها إلى الحكومات وكافة المؤسسات المعنية…هناك توقعات ومن ثم تقوم الحكومات بتحذير شعوبها”.
لكن مع توقع هيئات الأرصاد الجوية هطول المزيد من الأمطار خلال الأيام المقبلة، فإن مستقبل المجتمعات المنكوبة بالفيضانات في شرق إفريقيا أصبح على المحك.
وكثيرا ما تسببت ظاهرة النينيو في إحداث أضرار في شرق أفريقيا إذ في ديسمبر / كانون الأول لقي أكثر من 300 شخص حتفهم في كوارث مختلفة ناجمة عن الأمطار الغزيرة في كينيا واثيوبيا والصومال التي نزح فيها أكثر من مليون شخص.
وخلال الفترة ما بين أكتوبر / تشرين الأول عام 1997 ويناير / كانون الثاني عام 1998، تسببت الفيضانات الهائلة الناجمة عن الأمطار الغزيرة جراء ظاهرة النينيو بوفاة أكثر من ستة آلاف شخص في خمسة بلدان في المنطقة.
ساعد في إعداد التقرير أندرو واسيكي وإليكس غيتا وتيلما مودزايا
أعده للعربية: محمد فرحان