ألمانيا تستنفد مواردها الطبيعية المتجددة – ما الحل؟
رغم أنه لم يمر سوى أربعة أشهر على بداية العام الجاري 2024، إلا أن ألمانيا استنفدت مواردها الطبيعية المتجددة السنوية، بحسب تقرير صدر عن منظمة “غلوبال فوتبرينت نتوورك” أو “شبكة البصمة العالمية” غير الحكومية ومقرها الولايات المتحدة.
وقال التقرير إنه في حالة قيام سكان الأرض باستهلاك المواد الطبيعية المتجددة بنفس منوال ومعدل الشعب الألماني، فسوف يحتاج البشر إلى ثلاثة كواكب مثل الأرض لضمان توافر الموارد الكافية لاستيعاب استهلاك البشر بشكل مستدام.
وتطلق المنظمة على استنفاد أي دولة مواردها الطبيعية المتجددة السنوية مصطلح “تجاوز موارد الأرض”، بمعنى استنفاد الدول كافة الموارد الطبيعية التي يمكن للأرض تجديدها على مدى عام.
واستهلكت ألمانيا مواردها المتجددة السنوية بالفعل هذا العام، إذ بلغت “يوم التجاوز” في الثاني من مايو / آيار الجاري. بينما في العام الماضي 2023، تجاوزت ألمانيا الحد المسموح من مواردها الطبيعية المتجددة في الرابع من مايو / آيار، أي بعد يوم واحد من معدل عام 2024، مع الأخذ في الاعتبار فارق السنة الكبيسة، فسنة 2024 امتد شهر فبراير / شباط إلى تسعة وعشرين يوما أي أطول بيوم واحد.
أما الأسوأ فهما قطر ولوكسمبورغ، إذ استهلكت الدولتان مواردهما المتجددة في فبراير/ شباط الماضي، فيما يتوقع أن تبلغ كمبوديا ومدغشقر ودول أخرى “يوم التجاوز” فى ديسمبر/ كانون الأول، ما يعني أنها ستكون قادرة على الاستفادة من مواردها الطبيعية في حدود إمكانياتها.
فرصة للإصلاح
وفي بيان، قالت إيلين لينرت، الخبيرة البارزة في لمنظمة “جيرمان ووتش” (Germanwatch) غير الحكومية المدافعة عن البيئة، إن “يوم تجاوز ألمانيا لمواردها الطبيعية بشكل مبكر يعد بمثابة دافع لتغيير الظروف الأساسية في جميع القطاعات ليصبح النهج الاستهلاكي المستدام هو الوضع الطبيعي”. وأضافت: “نحن بحاجة إلى وضع حد لما يُعرف بالاقتراض البيئي”.
وأفادت منظمة “غرين ووتش” (Greenwatch) أن إنتاج اللحوم واستهلاكها في ألمانيا من بين الدوافع الرئيسية للإفراط في استنفاد الموارد الطبيعية المتجددة في البلاد، إذ يتم استخدام حوالي 60% من الأراضي الزراعية في ألمانيا لإنتاج الأعلاف الحيوانية فيما يجرى استيراد ملايين الأطنان من الخارج.
وعلى وقع ذلك، أدى إجمالي واردات ألمانيا من الأعلاف الحيوانية إلى تدمير 138 ألف هكتار من الغابات الاستوائية في جميع أنحاء العالم في الفترة من 2016 إلى 2018، وفقا لبيانات الوكالة الألمانية للتعاون الدولي.
وتشير المنظمات إلى أن دول الجنوب العالمي تتحمل العبء الأكبر بسبب التداعيات البيئية الكارثية؛ جراء تفاقم ظاهرة تغير المناخ رغم أن الجنوب العالمي قادر على العيش ضمن حدوده المستدامة، لكن دوله مستهدفة من قبل الدول الغنية مثل ألمانيا لمساعدتها على تلبية حاجاتها من الموارد الطبيعية.
وانتقدت منظمة “أصدقاء الأرض في ألمانيا” والمعروفة اختصارا بـ “BUND”، النهج الاستهلاكي المتهور والمفرط للتربة والمياه والمواد الخام في ألمانيا. وفي بيان، قال رئيس المنظمة، أولاف بانت، إن “أرضنا باتت مثقلة بالأعباء. استنفاد الموارد الطبيعية المتجددة من قبل دول مثل ألمانيا يدل على أن هذه البلاد تُدار بشكل سيئ ومتهور”.
ودعا بانت الحكومة الألمانية إلى إصدار قانون لحماية موارد التربة والأراضي الصالحة للزراعة والمراعي ومناطق صيد الأسماك والمياه الجوفية والسطحية والغابات والأخشاب.
الإفراط في الاستهلاك لا يجلب السعادة
وفي السياق ذاته، كشف مؤشر السعادة العالمي، الذي يحمل اسم “الكوكب السعيد”، في الأسبوع الأخير من نيسان/ أبريل، عن أن فرط الاستهلاك لا يجلب سبل معيشية أفضل لشعوب الدول التي تفرط في استهلاك مواردها الطبيعية المتجددة.
وأشار المؤشر إلى أن السويد وألمانيا تتقاربان في مستوى رفاهية شعوبهما وفي متوسط الأعمار، لكن السويد حققت ذلك رغم أنها تنتج انبعاثات كربونية تقل عن ألمانيا بنسبة 16 بالمئة للفرد وبمعدل النصف مقارنة بالولايات المتحدة.
وتمتلك كوستاريكا نفس معدل الأعمار في ألمانيا، لكن التأثير البيئي التي تتسبب فيه الدولة اللاتينية يعادل نصف معدل أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
ما هي الدول الأقل في استهلاك مواردها؟
تصدرت القائمة دول مثل السويد والسلفادور وكوستاريكا ونيكاراغوا، إذ تمكنت هذه الدول من تحقيق التوازن بين تحسين معيشة شعوبها من جهة وبين ما تسببه شعوبها من تأثير بيئي.
وكشف المؤشر عن أن نسبة 10 بالمئة من أعلى دول العالم من حيث متوسط دخل الفرد الشهري، تعد مسؤولة عن نصف كافة الانبعاثات، لكن هذا التأثير البيئي الكبير لا يعزز مستويات رفاهية وصحة شعوبها، مقارنة بالدول التي تصدر انبعاثات منخفضة.
واستشهد الباحثون في ذلك بمثالين، يتعلق الأول بمعدل السفر جوا، حيث إن الأشخاص الذين يسافرون كثيرا يتسببون في انبعاثات كربونية أكبر من التي يصدرها الأشخاص الذين لا يسافرون كثيرا، لكن السفر الجوي لا يساهم في تعزيز الرفاهية.
وقال الباحثون إن دراسة أمريكية أُجريت عام 2020 كشفت عن أن البصمة الكربونية للمنازل التي يمتلكها الأثرياء أعلى من البصمة الكربونية الخاصة بمنازل أصحاب الدخول المنخفضة. ورغم ذلك، فقد أظهرت الدراسة أن مستوى الرضى متقارب بينهم.
من جانبه، دعا لويس أكينغي، المدير الإداري لمعهد “هوت أور كول” الألماني، دول العالم إلى إعادة التفكير في أولوياتها، قائلا: “نحن بحاجة إلى إيلاء الكثير من الاهتمام لقضية الإسراف في الاستهلاك وعدم المساواة لأنها تجعل كوكبنا أكثر سوءا”.
يُشار إلى أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، كانت قدرة الأرض البيولوجية؛ أي قدرة النظم البيئية على إنتاج المواد البيولوجية والموارد الطبيعية التي يستخدمها البشر وأيضا امتصاص النفايات، تفوق احتياجات البشر، بيد أنه منذ نصف قرن، جرى استنفاد كافة الموارد الطبيعية التي يمكن للأرض تجديدها على مدى عام.
أعده للعربية: محمد فرحان