امتدت أشغال “مؤتمر الإسلام في ألمانيا”على مدى يومين في برلين، وانتهت يوم (الأربعاء 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023). وركزت دورة هذا العام على موضوع معاداة السامية والتهديدات ضد اليهود في ألمانيا. وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، حددت بوصلة الحوار بدعوتها للمنظمات الإسلامية في البلاد الى “إدانة” واضحة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
الوزيرة الألمانية قالت في حوار مع شبكة “أ.إير.دي” (21 نوفمبر) إنها تتوقع “من المنظمات الإسلامية أن تتخذ موقفاً واضحاً وتتحمّل المسؤولية في المجتمع”. وأضافت “يجب أن يكون الأمر واضحاً، نحن نقف إلى جانب إسرائيل”. فيزر حذرت في الوقت ذاته من توظيف الجدل حول معاداة الساميةلنشر العنصرية ومشاعر العداء ضد المسلمين. وأوضحت بهذا الصدد “علينا ألا نترك المجال أمام أولئك الذين يجعلون المسلمين سبباً لكلّ الشرور (..) أولئك الذين يخلقون اليوم مناخاً معادياً للمسلمين بحجّة معاداة السامية يريدون تقسيمنا وليس توحيدنا”.
ويذكر أن هذا المؤتمر تأسس رسميا في عام 2006 على يد وزير الداخلية آنذاك فولفغانغ شويبله (الحزب المسيحي الديموقراطي) كملتقى سنوي منتظم. وتنظم دورة هذا العام تحت شعار “السلام الاجتماعي والتماسك الديمقراطي”. وتمت دعوة حوالي مائة مؤسسة ومنظمة، بالإضافة إلى خبراء في العلوم السياسة وممثلين عن الكنائس والجالية اليهودية ومؤسسة الأمن. وتم التركيز على مخاطر “الانقسام الاجتماعي”، خصوصا في سياق تداعيات الصراع في الشرق الأوسط على الداخل الألماني، والذي يؤدي إلىمعاداة السامية والمشاعر المعادية للمسلمين. ويشكّل المسلمون 6.6 في المئة من مجموع السكان في ألمانيا، وهم ثاني أكبر مجموعة دينية بعد المسيحيين. كما تضم ألمانيا واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في أوروبا حيث تناهز حوالي 200 ألف شخص. وسبق للمستشار أولاف شولتس التعهد بأن اليهود لن يعانوا “مرّة أخرى” من معاداة السامية في ألمانيا.
الشرق الأوسط يغير جدول الأعمال
الاكتفاء بالموضوع المقرر في الأصل، أي العداء للإسلام والمسلمين كان سيبدو غير مناسب، في وقت تصاعدت فيه الأعمال المعادية للسامية، وفق خبير شؤون الهجرة رود كوبمانس في حوار مع موقع “تاغسشاو” التابع للقناة الألمانية الأولى (21 نوفمبر) والذي قال فيه “نحن لا نعيش حاليا في الأوقات التي تبدو فيها المشاعر المعادية للمسلمين هي المشكلة الرئيسية”. وأوضح أنه يمكن للمرء أن يرى كيف تتصاعد الهجمات على اليهود وإسرائيل في المظاهرات التي تشارك فيها أغلبية من المسلمين. وذهبت سيران أتيس، مؤسسة مسجد ليبرالي في برلين، في نفس الاتجاه وقالت “لدينا حاليًا أشياء أكثر أهمية لنناقشها من المشاعر المعادية للمسلمين”. نحن بحاجة للحديث عن الإسلام السياسي ومعاداة السامية والصراعات بين المسلمين. “والسؤال هو: ما هو الإسلام الذي يمكن أن يستمر في ألمانيا خلال العقود القليلة القادمة؟ كيف يمكننا إقامة إسلام تعددي في ألمانيا؟ هذا هو السؤال الرئيسي”.
وتجد عدد من المنظمات الإسلامية نفسها في موقع النقد بعد أحداث السابع من أكتوبر. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “بيرلينه تسايتونغ” (22 نوفمبر) “المجلس المركزي الأعلى للمسلمين في ألمانيا، لم يتمكن رئيسهأيمن مزيك من إدانة هجوم حماسضد إسرائيل كعمل إرهابي، ووصفه بأنه عمل همجي. بل ألقى باللوم على الإسرائيليين الذين تعرضوا للهجوم. وحتى يومنا هذا لم يتخذ موقفا مختلفا بشأن هذا الأمر”. من جهته، أوضح مزيك في حوار مع إذاعة “إير.بي.بي” الألمانية (21 نوفمبر) “أن الأمر يتعلق من ناحية بإدانة التطرف مثل إرهاب حماس في السابع من أكتوبر، ومن ناحية أخرى، توضيح أن الحرب في غزة والقصف الإسرائيلي يجب ألا يستمرا”. وفي نهاية المطاف، فإن هذا التصعيد للعنف لا يؤدي إلا إلى مساعدة المتطرفين ويجعل التوصل إلى حل سلمي في الشرق الأوسط أمراً بعيد المنال.
أي موقع للإسلام الليبرالي في ألمانيا؟
طغت القضايا الأمنية على بدايات انطلاق “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” بعد عام 2006، غير أن التركيز في دورات السنوات الأخيرة كان يدور بشكل خاص حول التعليم الديني في المدارس، والرعاية الاجتماعية الإسلامية، والرعاية في السجون وفي المؤسسة العسكرية، ومشكلة الأئمة المعينين من قبل الدولة، إضافة إلى تنامي المشاعر المعادية للمسلمين. وفي الصيف الماضي، قدمت مجموعة مستقلة من الخبراء بتكليف من وزارة الداخلية دراسة حول هذا الموضوع ، تضمن ما لا يقل عن 15 توصية للحكومة الاتحادية بشأن ظاهرة العداء للمسلمين. وكان مقررا أن يكون هذا محور مؤتمر هذا العام، غير أن هجمات حماس الإرهابية وحوادث معادية للسامية خلال مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في ألمانيا، غيرت جدول الأعمال.
ويذكر أن أتيس لا ترتدي الحجاب وتمثل الإسلام الليبرالي في ألمانيا. والمسجد الذي أسسته يتوجه أيضا لمثليي الجنس. وكانت أتيس من أكبر منتقدي المؤتمر الإسلامي في الماضي، وإن كانت تشارك فيه. وتتهم أتيس وزارة الداخلية بالقول “منذ اليوم الأول، تمت دعوة الأشخاص مثلي كورقة توت فقط”. وهي تعتبر أن الحكومة تتحاور بالدرجة الأولى مع المنظمات الإسلامية المحافظة الكبيرة، مثل المجلس المركزي الأعلى للمسلمين، وجمعية المساجد الألمانية التركية ديتيب،. وقالت أتيس بهذا الصدد “لا تزال السياسة الألمانية تضع في اعتبارها الجمعيات المحافظة فقط”. وهكذا أصبحت الأجواء صعبة بالنسبة للمسلمين الليبراليين في ألمانيا. لا يريد الساسة الألمان أن نحصل على موطئ قدم هنا في ألمانيا لنا وللإسلام الليبرالي”.
تكوين وتدريب الأئمة الأتراك في ألمانيا
اتفق المستشار أولاف شولتس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة أردوغان الأخيرة لبرلين على العمل بشكل سريع على تطوير برنامج لتدريب أئمة في ألمانيا من أجل الإنهاء التدريجي لبعثات الأئمة من تركيا. وفي اليوم الأخير من “مؤتمر الإسلام” أعلنت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر بدورها ضرورة توسيع نطاق تدريب الأئمة في ألمانيا “بشكل كبير”. والهدف هو الإنهاء الكامل لاكتساح الأئمة القادمين من تركيا. وتقوم الهيئة المكلفة بالشؤون الدينية التركية التي تسمى “ديانت” بإرسال أئمة إلى ألمانيا منذ حوالي 30 عامًا. وهم يعملون في المقام الأول لصالح الجمعية الإسلامية التركية “ديتيب”، وهي أكبر جمعية ترعى المساجد في ألمانيا وتضم 900 جمعية. هناك انتقادات متكررة مفادها أن الحكومة التركية تمارس نفوذها على مجتمعات المساجد الألمانية. وزاد هذا الانطباع عندما اشتبه في قيام أئمة “ديتيب” بالتجسس على أنصار حركة غولن في ألمانيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.
وتجد “ديتيب” صعوبة لإثبات استقلالها عن النفوذ التركي. ووصفت المتحدثة باسم السياسة الداخلية لحزب الخضر، لمياء قدور، محاولات الجمعية بأنها “غير ذات مصداقية”. وقالت قدور لإذاعة “دويتشلاندفونك” الألمانية (22 نوفمبر) إنه إذا كانت “ديتيب” مستعدة لتوظيف الأئمة الذين تم تدريبهم في ألمانيا فقط في المستقبل، فقد تكون هذه “خطوة أولى”.
معضلة العداء ضد المسلمين
تم في المؤتمر التأكيد على ضرورة صيانة تماسك المجتمع. وتوافق المتحدثون على أن المسلمين باتوا منذ فترة طويلة جزءًا من المجتمع الألماني. وفي الوقت نفسه، وفقاً للدراسة المشار إليها أعلاه والمؤلفة من حوالي 400 صفحة، فإنهم يشعرون بالإقصاء والحرمان. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “نويه تسوريخه تسايتونغ” السويسرية الناطقة بالألمانية (22 نوفمبر)، متسائلة “من يرفض من هنا؟ هل المسلمون أقل اقتناعا بالنظام السياسي الحر والديمقراطي لأنهم لا يشعرون بالقبول فيه؟ أم يرفضونه لأن قيمه لا تتوافق مع قيم الإسلام؟ الباحثون مقتنعون بأن هذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق. وبطبيعة الحال، يتطلب هذا المزيد من المشاريع، البحث المختلفة، والمزيد من التمويل”.
وخلف الأبواب المغلقة، يعلم الجميع أن حتى آلاف المشاريع لن تكفي للتعامل مع ما ظل خارج نطاق السيطرة لعقود من الزمن، تقول الصحيفة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتعليم والاندماج. في الواقع هناك أطياف مختلفة من المسلمين في ألمانيا. هناك فئة واسعة من الأطباء والصيادلة والمحامين المسلمين المتعلمين الذين غالباً ما يتم نسيانهم من قبل السياسيين لأنهم لا يسببون أية مشاكل، حتى بدون مؤتمر لإسلام. وهناك كتلة واسعة يتم الدفع بها إلى الشارع عبر قنوات الدعاية. وبين الفئتين هناك أطياف أخرى كثيرة.
جدل بشأن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين
تعالت أصوات في دول إسلامية، متهمة ألمانيا بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين والتقاعس عن بذل ما يكفي من جهد للتصدي لرُهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا). ويذكر أن السلطات الألمانية حظرت بعض المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين منذ هجمات حماس على إسرائيل، قائلة إن القيود تهدف للحد من الاضطرابات والحفاظ على الأمن العام ومنع معاداة السامية علنا. وتراقب السلطات الأمنية مناصري حماس، فعلى سبيل المثال نفّذ حوالى 500 عنصر من الشرطة (23 نوفمبر) عمليات تفتيش واسعة استهدفت أعضاء ومتعاطفين مع حركتي حماس و”صامدون” الفلسطينيتين المحظورتين في البلاد وأفادت وزارة الداخلية بأنّ مركز العملية هو برلين، حيث تم تفتيش 13 موقعاً. ويذكر أيضا أن ألمانيا تعتبر إلى جانب الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الإنسانية للفلسطينيين. يذكر أن برلين زادت من قيمة مساعداتها الإنسانية للأراضي الفلسطينية بمقدار 38 مليون يورو نظرا لمعاناة السكان المدنيين في قطاع غزة. كما توفر ما قدره 160 مليون يورو للفلسطينيين خلال العام الجاري.
ومنذ السابع من أكتوبر، سجلت شرطة العاصمة الألمانية برلين وحدها، ما لا يقل عن 1199 جريمة تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط. وذكرت الشرطة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أنه وفقا للوضع حتى 9 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، تتعلق معظم هذه الجرائم بالإضرار بالممتلكات، مثل تلطيخ جدران المنازل بشعارات، وجرائم مثل مقاومة أفراد الشرطة أثناء المظاهرات. وتم إحصاء 386 واقعة إضرار بالممتلكات مرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط. وفي معظم الحالات كانت هذه الوقائع عبارة عن كتابات على الجدران، مثل كتابات مؤيدة للفلسطينيين أو شعارات مناهضة لإسرائيل.
ح.ز/ (وكالات، صحف ومواقع ألمانية)