تيم لوخنر، هو الرجل الذي سيدخل اسمه تاريخ حزب البديل من أجل ألمانيا. فالرجل البالغ 53 عاما والذي لا ينتمي لأي حزب فاز في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2023 بمنصب عمدة مدينة بيرنا في ولاية ساكسونيا في شرقي ألمانيا، كمرشح لحزب البديل. المدينة التي تقع على الحدود التشيكية والتي يبلغ عدد سكانها 39 ألف نسمة، تعتبر أول مدينة في ألمانيا يفوز فيها مرشح حزب البديل بمنصب العمدة.
ومنذ فترة طويلة يحقق حزب البديل نجاحات متتالية. ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي فاز بنسبة 14,6 بالمائة من أصوات الناخبين في ولاية بافاريا و18,4 بالمائة في ولاية هيسن. وفي حزيران/ يونيو فاز في انتخابات بلدية زونبيرغ في ولاية تورينغن شرقي ألمانيا.
“يميني متطرف” في ثلاث ولايات
وفي نفس الوقت تزداد مراقبة الأجهزة الأمنية لحزب البديل من أجل ألمانيا بسبب تزايد توجهاته المتطرفة. ففي شهر كانون الأول/ ديسمبر صنف المكتب الاتحادي لحماية الدستور (المخابرات الداخلية) منظمة حزب البديل في ولاية ساكسونيا بأنها “يمينية متطرفة”. ونفس الشيء بالنسبة لمنظمة الحزب في ولاية ساكسونيا أنهالت، أما منظمته في ولاية تورينغن فتم تصنيفها بذلك منذ عام 2021. وفي خمس ولايات أخرى تتم مراقبة الحزب كحالة يمينية متطرفة مشتبه بها.
أما في باقي الولايات الثمانية فلا يخضع الحزب للمراقبة من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور. كما يتم تقييم النبرة العدوانية للحزب وصلاته بأوساط يمينية متطرفة مثل حركة بيغيدا بشكل متباين جدا من قبل المؤسسات الحكومية.
وسائل الإعلام وحزب البديل؟
وسائل الإعلام الألمانية أيضا تسعى لإيجاد طريقة مثلى للتعامل مع حزب البديل من أجل ألمانيا. وتعرضت مجلة “شتيرن” الأسبوعية لانتقادات من كثيرين بسبب تخصيصها ملفها الرئيسي، موضوع الغلاف لمقابلة مع زعيمة الحزب ورئيسة مجموعته البرلمانية أليس فايدل. والاتهام الرئيسي للمجلة، هو أنها قدمت منصة غير ضرورية للحزب.
الصحافية المعروفة ساندرا مايشبرغر، المذيعة في القناة الألمانية الأولى (ARD) أدارت حوارا حاميا بين الرئيس الفخري لحزب البديل ألكسندر غاولاند، وغيرهارت باوم وزير الداخلية الأسبق. كلاهما عاصرا العهد النازي في طفولتهما، غاولاند كان لمدة 40 عاما عضوا في حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي قبل أن ينتقل إلى البديل، أما غيرهارت باوم فينتمي إلى الحزب الديمقراطي الليبرالي منذ عام 1954.
“نتعرض لموجة من اليمين المتطرف”
بالنسبة لغيرهارت باوم (91 عاما) الذي كان وزيرا للداخلية وكافح حتى عام 1982 إرهاب منظمة “الجيش الأحمر” يمثل “حزب البديل من أجل ألمانيا الذراع البرلمانية لحركة تصل إلى الطبقة الوسطى”، إلى طبقة وسطى تزداد راديكالية حسب تقدير المراقبين. ويقول باوم الذي يكافح منذ عقود من أجل الحرية وحقوق الإنسان “إننا نتعرض لموجة من اليمين المتطرف”.
في حين يدافع غولاند (82 عاما) عن حزب البديل ويقول إن اتهام الحزب بمعاداة الديمقراطية “محاولة من مكتب حماية الدستور لنزع شرعيتنا”. ويضيف بأن هذا في الواقع ليس صحيحا “فنحن على العكس، نؤيد حتى ديمقراطية تتضمن العديد من الاستفتاءات”، وهذا ادعاء يدعمه برنامج حزبه.
وماذا عن نظرة حزب البديل من أجل ألمانيا للناس؟ تساءل رئيس الحزب في ولاية تورينغن، بيورن هوكي، بصفته متحدثا ضيفا في تجمع لحركة بيغيدا اليمينية المتطرفة في دريسدن: “ما الذي بقي بالفعل من الشعب الألماني؟” في تصوره الخاص، على ما يبدو لم يبق الكثير. وغالبا ما يستخدم هوكي في حديثه مصطلحات مثل “تبديل السكان”، و”الأفرقنة”، و”الشرقنة/ الاستشراق”، و”الأسلمة”، و”موت الشعب”.
هذه اللغة وهذا النوع من التفكير لحزب البديل، يثير قلق الناس مثل غيرهارت باوم الذي قال في جداله مع غاولاند “لديك تفكير قومي يقصي الآخرين من ذوي الأصول والأديان الأخرى”. ومن يقصي الناس ينتهك كرامتهم الإنسانية. وأضاف باوم: “وهذه هي التهمة الرئيسية التي يوجهها لكم المختصون في القانون الدستوري”.
“نحن لا نمثل المثالية القومية”
بالنسبة لغاولاند الأمر مختلف تماما، ويقول “نحن لا نمثل المثالية القومية، وإنما نمثل ثقافة عامة. نعم، نحن ضد الهجرة الجماعية لأناس يأتون إلينا من ثقافة غريبة تماما علينا”.
وحسب رأي البرلماني، ماركو فاندرفيتس، من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي عايش الثورة السلمية وسقوط الديكتاتورية في شرقي ألمانيا عام 1989، فإنه يجب حظر حزب البديل من أجل ألمانيا. واتهامه الأساسي للحزب الشعبوي هو أنه “يضع كرامة الإنسان موضع شك صارخ”.
حظر حزب البدل من أجل ألمانيا؟
حظر حزب البديل من أجل ألمانيا، كان موضوعا رئيسيا لمجلة “دير شبيغل” الألمانية الأسبوعية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، حيث نشرت ملفا من 10 صفحات حول ذلك بعنوان: “منع حزب البديل من أجل ألمانيا؟”. إجابات المختصين بهذا الشأن حول إمكانية الحظر كانت مختلفة. فالمعهد الألماني لحقوق الإنسان الذي يموله البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) يرى في تقييم قانوني أن فرص نجاح مساعي الحظر جيدة، والسبب هو أن حزب البديل يتجاهل باستمرار الحقوق الأساسية.
“التاريخ الألماني على وجه الخصوص يُظهر أن النظام الأساسي الديمقراطي الحر لدولة ما يمكن تدميره، إذا لم تكن هناك مقاومة نشطة للمواقف اللاإنسانية في الوقت المناسب، فبدون المقاومة ستنتشر وتسيطر” تقول بيآتي رودولف، مديرة المعهد الألماني لحقوق الإنسان.
لكن الباحثة الحقوقية في جامعة دوسلدورف، صوفي شونبيرغ، لها رأي آخر إذ تقول: “من خلال المواد التي تم نشرها واطلعت عليها، لا أدري إن كانت تكفي لحظر الحزب على مستوى البلاد”. وإذا تم حظر الحزب من خلال القضاء في ألمانيا، يمكن له اللجوء إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية في ستراسبورغ، تضيف شونبيرغ الخبيرة في قانون الأحزاب وهي غير متفائلة أبدا بأن يلقى حظر الحزب نجاحا قضائيا.
أما المؤرخ هاينريش أوغست فينكلر، فليس لديه أدنى شك بأن الديمقراطية تحت الضغط، ليس في ألمانيا فقط. وفي حوار مع صحيفة “تاغيس شبيغل” أعرب عن تفاؤل حذر بقوله: “ما زلت أعول وكما من قبل على القوى الليبرالية في الديمقراطيات الغربية لتثبت أنها أقوى من أعداء منجزات التنوير”.
القوة الجديدة للأحزاب الشعبوية
لكن المؤرخ فينكلر، متشائم أكثر بكثير مما كان عليه قبل 30 عاما، حين نجحت ثورات الحرية السلمية في شرقي أوروبا وتوحدت ألمانيا. “ما يثير القلق بشكل خاص هو حقيقة أن الأحزاب الشعبوية القومية تستمد قوتها من كل الأطراف السياسية” يقول فينكلر محذرا. وبعبارة أخرى: هناك ضغوط على الديمقراطية من كل الجهات.
وحسب استطلاعات الرأي الحالية بشأن الانتخابات المحلية عام 2024 في ولايات براندنبورغ وساكسونيا وتورينغن يحتل حزب البديل المرتبة الأولى بنسبة قد تزيد على 30 بالمائة. لكن رغم ذلك ليس لديه مجال للمشاركة في حكومات تلك الولايات، لأنه لا يوجد أي طرف سياسي يريد الدخول في ائتلاف حكوميمع الحزب. وهذا فرق أساسي عما هو عليه الوضع في البلدان الأوروبية الأخرى التي تحكم فيها أحزاب يمينية شعبوية ومتطرفة منذ سنوات كما في إيطاليا وهنغاريا وفنلندا والسويد.
أعده للعربية: عارف جابو