قبل أسبوع، حققت قوات الدعم السريع في السودان انتصارا استراتيجيا كبيرا على الجيش عقب سيطرتها على مدينة ود مدني، ثاني أكبر مدن البلاد والواقعة على بعد حوالي 180 كيلومترا عن جنوب الخرطوم.
ومنذ أبريل/ نيسان الماضي، انزلق السودان إلى صراع سياسي وعسكري بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، لكن مؤخرا تقدمت قوات الدعم على الطريق السريع الرابط بين الخرطوم ومدينة ود مدني لتسيطر على قرية تلو أخرى.
ويقدر امتلاك الجيش السوداني بحوالي 200 ألف عنصر، فيما يقدر عدد قوات الدعم السريع بما بين 70 ألف إلى 100 ألف فرد، لكنها على النقيض من الجيش تعمل على غرار جماعات حرب عصابات.
وفيما يتعلق بالعتاد العسكري، يمتلك الجيش السوداني الكثير من المعدات العسكرية مثل الدبابات والمروحيات وقوات جوية، لكنه غير بارع في القتال مقارنة بقوات الدعم السريع.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال حامد خلف الله، الباحث والمحلل السياسي السوداني، إن قوات الدعم باتت تمتلك الأن “اليد العليا في المعارك خاصة وأن السيطرة على ود مدني تحمل في طياتها مؤشرا على حدوث نقطة تحول لصالح قوات الدعم السريع”.
وبعد المعارك الأخيرة، بات الجيش يسيطر فعليا فقط على شرق البلاد وشمالها فيما لازال إقليم دارفور ومناطق في الجنوب خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع أو باتت مناطق نزاع.
تزامن هذا مع أفادت به جماعات حقوقية من أن طرفي الصراع يرتكبان جرائم حرب فيما ذكر شهود عيان في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع عن وقوع عمليات قتل واغتصابات جماعية وسرقات وأعمال نهب فيما نفت قوات الدعم السريع تورطها.
وقالت الأمم المتحدة إن هجوم قوات الدعم السريع على ود مدني دفع 300 ألف شخص إلى النزوح مجددا سواء الى مناطق أخرى في ولاية الجزيرة أو نحو الولايات المجاورة مثل سنار والقضارف.
لكن في المقابل، قال شهود عيان إن مقاتلي قوات الدعم السريع لا يسمحون للجميع بالمغادرة.
وأضاف خلف الله أن “مقاتلي قوات الدعم السريع ينهبون السيارات والممتلكات الخاصة مما يتسبب في حالة ذعر بين المدنيين خاصة النساء والأطفال ما يدفعهم إلى الفرار سيرا على الأقدام”، مضيفا أن والده كان من بين النازحين من ود مدني.
المدنيون.. الضحية الأكبر
ومنذ اندلاع القتال في أبريل/نيسان الماضي، لجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني حيث كانت تعتبر مناطق آمنة على نطاق واسع نظرا لسيطرة الجيش عليها، وفقا لما أفاد به مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وأضاف أن هذا الهدوء النسبي دفع العديد من منظمات الإغاثة الدولية إلى تنسيق جهودها انطلاقا من المدينة، لكنها علقت جهودها عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
وفي سياق متصل، قالت ميشيل دارسي، مديرة منظمة “المساعدات الشعبية” النرويجية في السودان، إنها لا تعتقد أن مدينة سنار أو غيرها من المدن الأخرى يمكن توفر الملاذ الآمن للمدنيين.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضافت “لا توجد مناطق آمنة بمعنى الكلمة الآن. يتنقل السودانيون إلى مناطق قد تشهد تصعيدا قريبا”. ورغم ذلك، يؤكد نشطاء المجتمع المدني السوداني على أنهم لم يفقدوا الأمل حيث أنهم ماضون في عملهم ورافضين التسليم بالأمر الواقع.
الجديد بالذكر أن الحركات المدنية لعبت دورا رئيسيا خلال فترة الانتقال الديمقراطي بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وعقب الإطاحة بنظام عمر البشير، وافق الجيش على تقاسم السلطة مع المكون المدني حتى إجراء انتخابات فيما جرى تشكيل مجلس عسكري بقيادة البرهان للإشراف على عملية الانتقال الديمقراطي في السودان، فيما كان حميدتي نائبه.
لكن في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021، قام البرهان بانقلاب وأطاح بالحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وشكل البرهان مجلس سيادة برئاسته رغم الاحتجاجات الرافضة للعودة إلى الحكم العسكري والمطالبة بالعودة إلى التحول الديمقراطي في البلاد.
وفي أبريل/ نيسان الجاري، تصاعدت التوترات بين البرهان وحميدتي على وقع خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني فيما جرى استبعاد المجتمع المدني فعليا من المشهد السياسي.
ووفق الأمم المتحدة، أسفرت الحرب في السودان عن مقتل أكثر من 12 ألف شخص مع نزوح 7.1 مليون سوداني بينهم 1.5 مليون شخص لجأوا الى دول الجوار السوداني، وفق المنظمة الدولية التي اعتبرت أن “أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم”.
متاعب النشطاء لم تنته مع الفرار
ووقع عدد من النشطاء ضحايا لوتيرة العنف والقتال بين قوات الدعم السريع والجيش. وفي ذلك، قالت رانيا عبد العزيز، ناشطة سودانية فرت إلى مصر قبل شهور، إن “الحياة في الدول المضيفة صعبة. السودانيون أنفقوا كافة مدخراتهم في الدول التي انتقلوا إليها فضلا عن بقاء الكثير منهم بلا عمل. التوظيف [في مصر] غير مسموح به، لذا يمكن القول بأن التقدم للحصول على وظيفة ليس متاحا“.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أقرت بأن أي أمل في تحقيق مستقبل أفضل للسودان يقع على عاتق المجتمع المدني سواء داخل البلاد أو خارجها.
وأضافت أن “لجان المقاومة في المناطق المتضررة من الحرب تحولت إلى فرق استجابة طارئة فيما ينخرط آخرون في العمل السياسي على أمل التوصل إلى حل يضع نهاية للحرب“.
بدوره، قال المحامي والناشط عبد الباسط في حديث مع المانيا اليوم إن النشطاء السودانيين خارج البلاد يساعدون السودانيين الذين اُرغموا على الفرار، مضيفا “قمنا بتأسيس شبكة الشباب السوداني في العاصمة الأوغندية كمبالا في أكتوبر / تشرين الأول الماضي“.
وأشار إلى أنه منذ تأسيس الشبكة، انخرط فيها قرابة 200 ناشط سوداني من تشاد ونيروبي وإثيوبيا والسودان حيث يناقشون عبر محادثات افتراضية طرق إنهاء الحرب وتحقيق السلام وإقامة حكومة ديمقراطية في ظل حكم مدني.
وقال عبد الباسط إن الشباب “يشكلون نسبة كبيرة من تعداد السكان في السودان ويتمتعون بعلاقات جيدة. يشعر جميعهم بالإحباط إزاء ما آلت إليه الأوضاع في البلاد في الوقت الراهن ويعتقدون أن فرصتهم الوحيدة تتمثل في التوصل إلى فكرة بناء سودان جديد“.
“الجمود الاستراتيجي”
وفي ذلك، أعرب كثيرون عن أمل ضئيل في إنهاء العنف والقتال قريبا إذ أنه رغم التفاوت بين العتاد العسكري بين الجيش وقوات الدعم السريع، إلا أن كلا الطرفين متساويان نسبيا من حيث القدرة، وهو الأمر الذي نجم عنه عدم تمكن أي طرف من تحقيق انتصار في سيناريو وصفه المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية بـ “الجمود الاستراتيجي”.
تزامن هذا مع تصاعد المخاوف من أن يتحول الصراع إلى حرب بالوكالة إذ تدعم السعودية ومصر الجيش فيما تقف الإمارات وراء قوات الدعم السريع.
ونقلت “وكالة الأنباء الألمانية” عن رومان ديكيرت، الباحث السوداني في منظمة “الإعلام في التعاون والانتقال” ومقرها برلين، قوله: “تدور رحى حرب بالوكالة في السودان، لكن هذه الحقيقة لم تحظ باهتمام كبير حتى الآن”. وأشار إلى أنه في حالة استمرار الدول في دعم طرفي الصراع، فإنه من غير المرجح أن تُكتب نهاية للقتال قريبا.
أعده للعربية: محمد فرحان