يأمل مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، في أن يبشر عام 2024 ببدء فصل جديد يحمل بشارة لليمن، البلد الفقير الذي مزقته الحروب والصراعات، قائلا: “ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة وللتقدم نحو سلام دائم. لقد اتخذت الأطراف خطوة هامة.”
ويستند غروندبرغ في تفاؤله إلى مسار المفاوضات بين السعودية والحوثيين ومجلس القيادة الرئاسي والرامية إلى الوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق النار دائم وتحسين ظروف معيشية اليمنيين بما يمهد الطريق أمام إنهاء الحرب التي تقودها الرياض في اليمن منذ تسع سنوات. ورغم هذا التفاؤل، لم يُعلن حتى الآن عن جدول زمني محدد.
ومازال اليمن يئن تحت وطأة حرب أهلية منذ إطاحة الحوثيين بالحكومة المعترف بها دوليا والسيطرة على صنعاء عام 2014. وقد أدى ذلك إلى انقسام اليمن وتدمير بنيته التحتية فيما أضحى الصراع هناك بمثابة حرب وكالة بين السعودية وإيران، ما تسبب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
تزايد نفوذ الحوثيين
ورغم الترحيب الإقليمي والدولي ببدء التفاوض بين الرياض وجماعة أنصار الله الحوثية، إلا أن بعض المراقبين أبدوا حماسا أقل.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال توماس جونو، الأستاذ المشارك في جامعة أوتاوا الكندية، إن الأمر لا يتعلق بـ”عملية سلام ولن يجلب سلاما وتنمية واستقرارا إلى اليمن. تمثل المحادثات الأخيرة عملية سياسية يتفاوض من خلالها الحوثيون والسعودية على هزيمة السعودية وانسحابها النهائي من اليمن”.
وأضاف جونو أنه منذ أن بدأت السعودية تدخلها العسكري في اليمن، كانت ترمي في نهاية المطاف إلى دحر الحوثيين، لكنها بعد “تسع سنوات تقريبا، لم تتمكن (الرياض) من دحر الحوثيين وليس هذا بحسب، بل أصبح الحوثيون أكثر قوة بكثير مقارنة بما كانوا عليه قبل بدء الحرب”.
ويسيطر الحوثيون في الوقت الراهن على أجزاء كبيرة من شمال اليمن وغربه فضلا عن قدرتهم على تعطيل الملاحة البحرية الدولية في عرض البحر الأحمر إذ تمكنوا من استهداف إسرائيل التي تبعد حوالي ألفي كيلومتر عن اليمن بصواريخ ومسيرات اعترضها الجيش الإسرائيلي.
السعودية في موقف حرج
وبعد تسع سنوات من القتال، تغيرت سياسة السعودية بشأن اليمن إذ تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان صراحة عن رغبته في خروج بلاده من هذه الحرب المكلفة خاصة بعد أن كشفت هجمات الحوثيين على منشآت النفط السعودية عام 2019 عن ضعف أكبر مصدر للنفط في العالم.
وتزامنت المفاوضات بين السعودية والحوثيين مع بدء فصل جديد من التقارب بين الرياض وطهران.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال سامي حمدي، المدير الإداري لشركة “إنترناشيونال إنترست” للاستشارات الدولية ومقرها لندن، إن “السعودية تستخدم الحكومة (اليمنية) المعترف بها دوليا كمظلة للتفاوض بهدف إبرام اتفاق ثنائي حصري يوقف الحوثيون بموجبه هجماتهم الصاروخية عليها”.
ومع بدء مفاوضات مع الحوثيين وطهران، شرعت الرياض في مسار يرمي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن عقب هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي والحرب في غزة قررت السعودية تجميد مفاوضات التطبيع.
وفي ذلك، قال حمدي “باتت السعودية في موقف حرج حيث تسعى إلى تدشين علاقات أكثر دفئا مع إسرائيل على أمل أن يساعد ذلك في إقناع الولايات المتحدة بتقديم اتفاقية أمنية على غرار الناتو تستطيع من خلالها السعودية مقاومة إيران ووكلائها في العراق، لكن الرياض في الوقت نفسه تحاول تفادي أن يُنظر إليها على أنها مرتبطة بشكل وثيق بإسرائيل”.
تحالف أمريكي بحري في البحر الأحمر
ويقول المراقبون إن الموقف السعودي بات يتسم بالحساسية وهو ما ظهر جليا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع إعلان الولايات المتحدة تدشين تحالف بحري، حمل اسم “حارس الازدهار”، من أجل حماية سفن الشحن في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين وسط عزوف السعودية إلى الانضمام اليه رغم علاقاتها الوثيقة مع واشنطن وكونها في الجوار اليمني.
وفي تعليقه، قال سيباستيان سونز، كبير الباحثين في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق (كاربو)، إن “السعودية لا ترغب في التخلي عن عملية التفاوض مع الحوثيين ولا تعريض أمن الحدود المشتركة مع اليمن للخطر”.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف سونز، مؤلف كتاب (الحكام الجدد للخليج)، إنه يتعين النظر إلى “عزوف السعودية في الانضمام إلى التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر في هذا السياق”.
بيد أنّ الخبير العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية فابيان هينز، يقول إن دور السعودية في عملية “حارس الازدهار” لم يكن ليغير قواعد اللعبة من المنظور العسكري.
ويضيف “الأنظمة التي نشرها الأمريكيون بشكل خاص مصممة للتعامل مع الصواريخ المضادة للسفن و الصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيون. يكمن التهديد الحقيقي في الحرب غير المتكافئة التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، حيث يمارسون ضغوطا أكبر بكثير على إسرائيل والدول الغربية من خلال التعطيل (الملاحة الدولية) بدلا من هزيمة قوات بحرية غربية”.
وقبل أيام، نشرت مجموعات محسوبة على الحوثيين عبر تطبيق المراسلة “تيليغرام” خرائط لكابلات الإنترنت البحرية التي تمر في البحر الأحمر، الأمر الذي عده البعض تهديدا لخطوط الشبكة العالمية.
وفي هذا السياق، يرى سامي حمدي أن هذا الأمر يشير ضمنيا إلى نوع من “الغطرسة”، قائلا “يتصرف الحوثيون وهم يدركون أن تصرفاتهم لن تكون لها أي عواقب على محادثات السلام [اليمنية] حتى لو تفاقم الوضع في البحر الأحمر”.
“مرحلة جديدة”
من جانبه، قال توماس جونو إن اليمن من المرجح أنه مقبل على “مرحلة جديدة في الحرب سيكون فيها الحوثيون أكثر قوة وسيسعون فيها إلى بسط حكمهم داخل البلاد وخارجها. من الواضح في الوقت الراهن أن (الحوثيين) يطمحون في أن يصبحوا قوة إقليمية مشاكسة”.
وأضاف أن العلاقة المباشرة بين العملية السياسية الراهنة والمتمثلة بالتفاوض بين الحوثيين والسعودية من جهة والأجندة التوسعية للحوثيين في البحر الأحمر والمعادية لإسرائيل من جهة أخرى باتت أكثر واضحا الشهر الماضي، قائلا: “القاسم المشترك في الأمرين يشير إلى أن الحوثيين انتصروا في الحرب في اليمن”.
أعده للعربية: محمد فرحان