كان أسبوعاً حافلاً بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الدينية-اليمينية ومشروعها للإصلاح القضائي المثير للجدل. دخل قضاة المحكمة العليا الخمسة عشر يوم الإثنين (الأول من كانون الثاني/يناير 2024) التاريخ برفضهم بنداً رئيسياً في القانون الذي أقره البرلمان.
ولا يوجد في إسرائيل دستور أو مجلس أعلى في البرلمان، إنما تحكمها قوانين أساس هي بمثابة الدستور.
وقالت المحكمة في الحكم، الذي صدر بأغلبية ضئيلة بأغلبية ثمانية مقابل سبعة، إنها رفضت تعديل ما يسمى بـ “شرط المعقولية” لأنه يعني توجيه “ضربة شديدة وغير مسبوقة للملامح المركزية لدولة إسرائيل كدولة ديمقراطية”. وكان تغيير هذا البند يعني أن المحكمة العليا لن تتاح لها الفرصة بعد الآن لاتخاذ إجراءات ضد القرارات “غير المناسبة” التي تتخذها الحكومة أو رئيسها أو الوزراء. ولم يسبق للمحكمة أن أعلنت بطلان قانون أساسي أو تعديل لقانون أساسي.
والمحكمة العليا تعتبر أعلى سلطة قضائية ولا يمكن الاعتراض على قراراتها التي تعد فوق القوانين الصادرة عن الكنيست (البرلمان).
ويوم الأربعاء قرر القضاة أن التغيير في القانون الذي تم إقراره في آذار/مارس 2023، والذي يجعل من الصعب إقالة رئيس الحكومة من منصبه، لا ينبغي أن يدخل حيز التنفيذ حتى الفترة التشريعية المقبلة. وأيد ستة من أصل أحد عشر قاضياً التأجيل. والسبب المقدم هو أن “القانون مفصل بشكل واضح لصالح شخص محدد وأن البرلمان قد أساء استخدام سلطته”.
تجدد الجدل
أدت قرارات المحكمة العليا الآن إلى إعادة إشعال النقاشات. في بداية العام الماضي، بدأت الحكومة الدينية-اليمينية بقيادة نتنياهو إصلاحاً قضائياً أدى إلى انقسام واستقطاب عميق في البلاد. ويرى اليمين السياسي أن المحكمة العليا ليبرالية للغاية ولها نفوذ كبير في السياسة وأن الإصلاحات تهدف إلى “تصحيح حالة عدم التوازن بين السلطة القضائية والبرلمان المنتخب”.
لكن مئات الآلاف من الإسرائيليين نظروا إلى الأمر بشكل مختلف: فقد خرجوا إلى الشوارع أسبوعاً بعد أسبوع للاحتجاج على “الإصلاح”، الذي قالوا إنه سيقوض استقلال المحاكم والديمقراطية في إسرائيل. وكان من بينهم العديد من جنود الاحتياط في الجيش، الذين حذروا في الوقت نفسه من أنهم لن يلتحقوا بالخدمة وبالتدريبات إذا تم تنفيذ الإصلاح.
ويعتقد منتقدو الإصلاح أن السلطة التنفيذية ستحوز على الكثير من السلطات دون رقابة من المحكمة العليا، ويقولون إنه لا توجد آليات مراقبة أخرى في إسرائيل؛ إذ لا يوجد رئيس يتمتع بحق النقض ولا غرفة ثانية في البرلمان.
وعلى الرغم من الاحتجاجات الواسعة، أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) التعديل الأول في تموز/يوليو 2023، ما يمثل الخطوة الأولى في الإصلاح القضائي. ثم قدمت عدة منظمات من المجتمع المدني التماسات إلى المحكمة العليا.
تراجع الاهتمام بالقضية
وأثرت الهجمات الإرهابية التي شنتها حركة حماس المسلحة على إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 والرد الإسرائيلي عليها على قضية الإصلاح القضائي وأدت إلى تراجع مؤقت بالاهتمام بها. وفي الوقت نفسه، بدا أن الانقسامات الاجتماعية انحسرت؛ فقد بدت البلاد موحدة في مواجهة الفظائع التي ارتكبتها حماس واحتجاز الرهائن وقتلى الحرب.
يذكر أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وفي هذا الوقت أصبح منتقدو الإصلاح ومؤيدوه زملاء في ما تسمى بـ”حكومة الحرب”. وحذر بيني غانتس، الذي انضم إلى هذه الحكومة من المعارضة، يوم الإثنين على منصة إكس (تويتر سابقاً) من أن الوقت ليس مناسباً للخلافات السياسية.
وانتقد وزير العدل ياريف ليفين، أحد القوى الدافعة وراء الإصلاح، توقيت صدور حكم المحكمة العليا، وقال: “قرار القضاة بنشر الحكم أثناء الحرب هو ضد روح الوحدة التي نحتاجها في هذا الوقت لنجاح مقاتلينا في الخطوط الأمامية”. ووصف وزير المالية بتسلئيل سموتريش، زعيم “حزب البيت اليهودي” اليميني المتطرف، الحكم بأنه “متطرف ومثير للانقسام وبدون سلطة”.
مصلحة شخصية؟
إن الكيفية التي سيتعامل بها نتنياهو مع مشروع الإصلاح القضائي الذي فشل تتم مراقبتها الآن عن كثب. ويزعم منتقدوه أنه كان يدفع بالإصلاح القضائي لحماية نفسه من المحاكمة بشبهات فساد: احتيال ورشوة وخيانة الأمانة. وينفي نتنياهو من طرفه هذه الاتهامات. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، قال حزبه، الليكود، إن القرار “يتعارض مع إرادة الشعب، خاصة في أوقات الحرب”.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها ممثلو الحكومة لحكم المحكمة، يبدو أن هناك إجماعاً على تأجيل أي خطوة أخرى في هذه القضية إلى ما بعد الحرب. لكن ما التالي؟ سؤال لا يملك عليه أحد إجابة شافية.
وتراجعت شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي، ويشعر العديد من الإسرائيليين بالاستياء منه لأنه لم يتحمل بعد المسؤولية عن الفشل الذريع للسلطات الأمنية، التي لم تتمكن من التنبؤ بالهجوم الإرهابي المدمر الذي نفذته حماس يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر ومنعه، والذي قُتل فيه أكثر من 1200 شخص واختطف أكثر من 240 رهينة واحتجزوا في قطاع غزة.
ويرى عدد ليس بالقليل أن النزاع المستمر منذ أشهر حول الإصلاح القضائي هو أحد الأسباب التي أدت إلى إمكانية تعرض البلاد لهجوم إرهابي بتلك الطريقة. وقال منتقدون إن التحذيرات من أن أعداء إسرائيل قد يستغلون الوضع، لأن العديد من جنود الاحتياط شاركوا في الاحتجاجات، لم تؤخذ على محمل الجد.
كما ألقى زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي رحب بحكم المحكمة العليا، باللوم على الصراع الداخلي الذي أثاره الإصلاح القضائي في “كارثة 7 أكتوبر”. وهو رأي يشاركه فيه كثيرون. وكتب الصحفي بن كاسبيت في صحيفة معاريف يوم الثلاثاء: “لقد أضعفوا الجيش والاقتصاد وقسموا المجتمع والبنية الدقيقة للفسيفساء الإسرائيلية. لقد وضعوا الأساس لمجزرة 7 أكتوبر، أكبر كارثة شهدتها إسرائيل منذ تأسيسها”.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي، فإن أغلبية الإسرائيليين يريدون إجراء انتخابات جديدة بعد انتهاء الحرب. وكتب الصحفي الإسرائيلي إيال ناداف في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الثلاثاء: “بعد 7 أكتوبر، بعد إحصاء قتلانا، والآن بعد أن أصبحت الأمة بأكملها في حالة حرب، من واجبنا أن نسأل ونصرخ: لماذا؟ ما هو بالضبط الذي مزق المجتمع الإسرائيلي لمدة عام كامل؟”.
أعده للعربية: خالد سلامة