في عام 2018، كانت أجواء مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن لطيفة، وفازت المغنية الإسرائيلية نيتا باريزلاي في لشبونة، وأدت المغنية الإسرائيلية دورها ببراعة مستوحية أغنيتها من التنوع والثقة بالنفس، مما أدى إلى استضافة تل أبيب للمسابقة بعد فوزها، حيث أقيمت في مايو/ أيار 2019.
وجرت مظاهرات صغيرة مؤيدة للفلسطينيين على الهامش، لكنها “لم تحظ باهتمام كبير” في ضوء الآلاف من مشجعي مسابقة الأغنية الأوروبية الذين سافروا إلى تل أبيب للاحتفال فحسب. في حفل الختام رفعت فرقة Hatari الأيسلندية لافتات مؤيدة للفلسطينيين أمام الكاميرا في بث حي، مما تسبب في مشاكل. وكان على هيئة الإذاعة الأيسلندية RÚV دفع غرامة قدرها 5000 يورو لاتحاد البث الأوروبي (EBU)، الذي ينظم مهرجان الأغنية الأوروبية.
وفي مساء اليوم نفسه، شارك في رقصة النجمة العالمية مادونا راقصة تحمل العلم الإسرائيلي وراقصة أخرى تحمل العلم الفلسطيني وصعدا الدرج متماسكي الأيدي، وذلك في “رسالة سلام ووحدة”، كما قالت المغنية الأمريكية في وقت لاحق. في حين كان منظمي المهرجان أقل حماسة.
ولأن مسابقة يوروفيجن من المفترض أن تكون غير سياسية فلقد كانت الرسائل السياسية غير مرحب بها، وهي القاعدة التي تم كسرها مرارا. ومؤخرا رفعت في بريطانيا، حيث نُظمت مسابقة يوروفيجن 2023 نيابة عن أوكرانيا ، الأعلام الزرقاء والصفراء (أعلام أوكرانيا) التي زينت مدينة ليفربول، مكان إقامة المسابقة، وأعربت عن تضامنها كما تم التذكير بالحرب في أوكرانيا مرارا بينما حرمت روسيا من المشاركة في مهرجان الأغنية الأوروبية لمدة عامين.
دعوات للمقاطعة
والآن، وعلى ضوء الحرب في غزة، أصبحت مشاركة إسرائيل في المسابقة محل تساؤل من قبل بعض الدول. ففي فنلندا انضم 1400 موسيقي فنلندي إلى مجموعات فنانين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين في البلد، ووقعوا على عريضة تدعو إلى استبعاد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية يوروفيجن.
وكانت حجتهم بأنهم لا يريدون أن تكون الدولة الإسرائيلية قادرة على تلميع صورتها من خلال المشاركة في العرض الموسيقي الدولي، بينما تشن حربا شرسة بجوارها وتنتهك حقوق الإنسان، حسب وصفهم. كما شهدت أيسلندا والنرويج إجراءات مماثلة وفقا لتقارير وسائل إعلام محلية، حيث تجمع متظاهرون من “Aksjonsgruppa for Palestine” (مجموعة العمل من أجل فلسطين) أمام مقر محطة تلفزيون NRK في أوسلو وطالبوا حكومة النرويج أيضا بدعم استبعاد إسرائيل.
في أيرلندا، دعا نائب عن حزب العمال علنا إلى دعم مقاطعة إسرائيل في حالة مشاركة في مهرجان اليوروفيجن. وأعرب السياسي الإيرلندي عن أمله في أن تكون أيرلندا هي الدولة الأكثر نجاحا في تاريخ مسابقة الأغنية الأوروبية، وبأن تكون السباقة في منع إسرائيل وهو ـ في رأيه ـ ما سيشجع دول أخرى مشاركة على التعبير عن رأيها. لكن رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار استهجن أقوال النائب.
المقاطعة “دعم لحماس مكافأة للإرهاب”
في حادثة مماثلة وقع المغني البريطاني أولي ألكسندر والمرشح لتمثيل بريطانيا في المسابقة على بيان لتحالف من مثلي الجنس (Queer) مؤيدا للفلسطينيين يصف ـ البيان ـ الأحداث في غزة بما أسماه بـ “تصعيد لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي”. وردت السفارة الإسرائيلية في لندن على الفور برسالة قالت فيها إنه: “خاصة في هذه الأوقات، فإن قرار بي بي سي بإرسال مشارك إلى مهرجان الأغنية الأوروبية يدعم مثل هذه الآراء المتحيزة حول إسرائيل وينشر مثل هذه اللغة اللاإنسانية حول الإسرائيليين هو أمر مدعاة للقلق”.
السفير الإسرائيلي في السويد من جانبه كان واضحا، إذ قال: “في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تعرضت إسرائيل لهجوم وحشي من قبل منظمة إرهابية شريرة تدعو صراحة إلى تدمير إسرائيل”. وأضاف: “إن الدعوة لمقاطعة إسرائيل تعطي مكافأة للإرهاب وتدعم أعمال حماس”، (وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية).
وفي الوقت نفسه، يصر اتحاد الإذاعات الأوروبية على أن مهرجان الأغنية الأوروبية غير سياسي، كما يتم رفض الاتهامات بأنه يطبق معايير مزدوجة من قبل المنظمين، موضحا أنه لا يمكن مقارنة الهجوم الروسي على أوكرانيا بما تقوم به إسرائيل في غزة.
كيف انضمت إسرائيل إلى مهرجان يوروفيجن؟
ظهرت إسرائيل لأول مرة في مهرجان الأغنية الأوروبية عام 1973، ثم أطلق عليها اسم “Grand Prix d’Eurovision de la Chanson“(الجائزة الكبرى لمسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”) ومنذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل عضوا في اتحاد البث الأوروبي (EBU)، الذي يضم حاليا 68 هيئة بث في 56 دولة في أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط. إسرائيل ليست الدولة الوحيدة غير الأوروبية المشاركة في المسابقة، حيث تشارك أرمينيا وأذربيجان أيضا جنبا إلى جنب، وكذلك بيلاروسيا حتى عام 2022 قبل أن يتم استبعادها لقمع حرية التعبير والإعلام. في حين كانت أستراليا أكثر الدول المشاركة “غرابة” في المهرجان منذ عام 2015 – لأن لديها قاعدة جماهيرية ضخمة وتم قبولها كعضو مشارك في اتحاد الإذاعات الأوروبية.
هذا الدمج للعديد من المحطات الإذاعية والبلدان خارج الحدود الأوروبية هو أيضا السبب في أن الحدث يسمى
Eurovision Song Contest وليس European Song Contes في حين تعتبر إسرائيل واحدة من أنجح المشاركين في المسابقة، حيث حققت أربع مرات المركز الأول، ومرتين المركز الثاني، ومرتين المركز الثالث. كما أنها لم تأت أبدا في المرتبة الأخيرة، على عكس ألمانيا مثلا.
جدل داخل إسرائيل
على الرغم من الحرب في الشرق الأوسط، فإن الاستعدادات لمشاركة لإسرائيل جارية في مالمو بالسويد.
لكن بسبب بداية الحرب تم تأجيل المسابقات النهائية “HaKokhav HaBa – The Next Star”، التي يتنافس فيها المرشحون للحصول على مكان في مهرجان الأغنية الأوروبية. لكن ذلك لا تزال تقام على فترات غير منتظمة وبدون جمهور. حادث مؤسف تم الإعلان عنه، وهو أن أحد المغنيين الذين تقدموا للتصفيات قتل في معركة في غزة أثناء مشاركته في الحرب كجندي ملازم وذلك بعد أسابيع فقط من ظهوره التلفزيوني.
ويدور في وسائل الإعلام الإسرائيلية وكذلك على الشبكات الاجتماعية سؤال حول ما إذا كان مثل هذا العرض مناسبا في أوقات الحرب. وقبل كل شيء، ينتقد أقارب الرهائن، الذين ما زالوا في قبضة حماس، البرنامج.
ومع ذلك، سيستمر البرنامج الغنائي الإسرائيلي في الظهور لاختيار المرشحين، ولكن بزخم أقل، في حين ذكر مضيفو العرض في مالمو أن هذا لن يكون موسما عاديا. إذ سيتم تكييفه مع الوضع الحالي. وأضافوا “نحن على يقين من أن القليل من الموسيقى يمكن أن يساعد.”
أعده للعربية: علاء جمعة