قال الاتحاد الأوروبي إنه ينتظر نتائج التحقيقات في “ادعاءات بالغة الخطورة” تفيد بانخراط عدد من موظفي وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” في هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، قبل اتخاذ التكتل الأوروبي أي قرار بشأن مساهماته المستقبلية في تمويل الوكالة الأممية.
وقد أعلنت حوالي 12 دولة غربية تجميد تمويل الوكالة.
وقالت المفوضية الأوروبية، التي تنسق الآلية الأوروبية المشتركة بشأن المساعدات المقدمة للفلسطينيين، في بيان صحفي الأثنين (29 يناير/ كانون الثاني) إنها “ستراجع الأمر في ضوء نتائج التحقيقات التي أعلنت عنها الأمم المتحدة”.
ويعد الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر المانحين للأونروا بعد الولايات المتحدة وألمانيا، فيما رفع التكتل مساعداته الإنسانية الإجمالية للفلسطينيين إلى أربعة أمثال منذ بدء إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة عقب هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
وعلى وقع قرار تجميد تمويل الأونروا، دقت الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية ناقوس الخطر إزاء مخاطر القرار في ضوء الوضع الحرج في قطاع غزة المحاصر حيث يلوح في الأفق شبح المجاعة.
وتعهدت المفوضية الأوروبية بمواصلة الدعم للجانب الفلسطيني، مؤكدة في بيان على أن “المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ستستمر بلا هوادة من خلال الوكالات الشريكة”.
وتوظف الأونروا قرابة ثلاثين ألف شخص في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك 13 ألفاً في قطاع غزة. وقبل أيام، اتهمت إسرائيل 12 من موظفي الأونروا بالتورط في هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
ولم يتم نشر الأدلة ضد الموظفين المتهمين حتى الآن، لكن الأمم المتحدة أعلنت أنها أنهت عقود تسعة منهم وستجري تحقيقاً شاملاً، فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن أحد الموظفين قد توفي. وأشار غوتيريش إلى أن التحقيقات تجري لتحديد هوية الموظفين المتبقين.
انقسام أوروبي
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، إريك مامر، إنه من السابق لأوانه تحديد جدول زمني بشأن توقيت القرار الأوروبي ذي الصلة، مضيفاً “لا داعي لاستباق الأمور”. وأكد على أن “الوقت مبكر للحديث” عما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيوافق على تحويل مساعداته لوكالة الأونروا والتي بلغت العام الماضي إجمالاً 82 مليون يورو، إلى منظمات أخرى.
وكانت دول من الاتحاد الأوروبي وهي ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وفنلندا والنمسا من بين الدول التي قررت تجميد مساعداتها إلى الأونروا.
وفي هذا السياق، قالت ألمانيا إنها لن توافق على أي مساهمات مالية جديدة للوكالة الأممية في الوقت الحالي؛ إذ أشارت وزارتا الخارجية والتنمية في بيان إلى أنه حتى “الانتهاء من التحقيقات، ستمتنع ألمانيا بالتنسيق مع دول مانحة أخرى عن الموافقة مؤقتاً على صرف أي أموال جديدة للأونروا في غزة”.
وتباينت ردود فعل دول الاتحاد الأوروبي حيال استمرار تمويل الأونروا.
فقد أعلنت الحكومة الائتلافية اليسارية في إسبانيا – التي أكد وزير خارجيتها في السابق على دعمه إقامة دولة فلسطينية مستقلة – عدم تعليق المساعدات، وشددت أيرلندا ولوكسمبورغ على استمرار تدفق الأموال للوكالة الأممية. وفي تغريدة، قال وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن “لقد قدم موظفو الأونروا البالغ عددهم 13 ألفاً مساعدات منقذة للحياة إلى 2.3 مليون إنسان ودفعوا ثمناً لا يصدق مع مقتل أكثر من مئة موظف في الأشهر الأربعة الماضية”.
وقالت النرويج إنها لن توقف تمويل الأونروا، داعية الدول التي قررت تجميد مساعداتها للوكالة الأممية إلى إعادة النظر في القرار. وفي هذا الصدد، قال وزير خارجية النرويج إسبن بارث إيدي في بيان: “بينما أشارك القلق بشأن الادعاءات الخطيرة للغاية ضد بعض موظفي الأونروا، فإنني أحث المانحين الآخرين على النظر في العواقب الكبيرة إزاء خفض تمويل الأونروا بالتزامن مع معاصرة أزمة إنسانية شديدة. لا ينبغي لنا أن نعاقب ملايين الأشخاص بشكل جماعي”.
يشار إلى أن النرويج ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي لكنها تنتمي لمنطقة شنغن المعفاة من تأشيرات الدخول وترتبط باتفاق خاص مع التكتل الأوروبي في إطار المنطقة الاقتصادية الأوروبية.
سكان غزة “على المحك”
بدوره، شدد غوتيريش على ضرورة استمرار الحكومات في دعم الوكالة وتلبية الاحتياجات الماسة لسكان قطاع غزة، مؤكداً أن “الأفعال البغيضة المزعومة لا يجب أن تتسبب في عقاب عشرات الآلاف من العاملين لدى الأونروا”.
وقد أشار ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى أن غوتيريش سوف يلتقي في وقت لاحق من الثلاثاء (30 يناير / كانون الثاني) مع “المانحين الرئيسيين” لوكالة الأونروا.
تزامن هذا مع تحذير الأونروا من أنها لن تتمكن من مواصلة العمليات في قطاع غزة والمنطقة بعد نهاية فبراير / شباط إذا لم يُستأنف التمويل. ونقلت رويترز عن الناطق باسم الوكالة قوله “إذا لم يتم استئناف التمويل، فلن تتمكن الأونروا من مواصلة خدماتها والعمليات في أنحاء المنطقة بما يشمل غزة لما بعد نهاية فبراير / شباط”.
وتعد الأونروا المقدم الرئيسي للمساعدات في الوقت الراهن في غزة وسط القيود الإسرائيلية المشددة على إيصال المساعدات بعد السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، فيما بات يقيم معظم النازحين البالغ عددهم 1.7 مليون شخص في المدارس والملاجئ التي تديرها الوكالة في القطاع.
إسرائيل والأونروا: علاقات متوترة
يشار إلى أن إسرائيل قد انتقدت الأونروا في السابق بسبب “تعريفها للاجئ الفلسطيني”، ومحتوى المناهج الدراسية في المدارس التابعة للوكالة، على سبيل المثال لا الحصر. وخلال حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، علقت الولايات المتحدة التمويل، لكن الرئيس جو بايدن أعاده.
وفيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، اتسم الرد الأوروبي بالحذر الشديد حيال الانتقادات والشكاوى الإسرائيلية.
وفي تعليقه على قرار ألمانيا تجميد المساعدات بشكل مؤقت، اعتبر روبرت ليندنر، الناطق باسم شؤون الأزمات والصراعات بمنظمة “أوكسفام”، خطوة برلين “غير مسبوقة”. وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف أن أوكسفام “تشعر بخيبة أمل عميقة” إزاء ما تعتبره قرارات متهورة وغير متناسبة من قبل بعض الحكومات التي أقدمت على تعليق تمويل الأونروا، قائلاً إن قرار وقف التمويل اتخذ “من دون التحقق ودون انتظار نتائج التحقيق مما يشكل خطراً كبيراً خاصة مع تفاقم أزمة المعاناة الإنسانية”.
ورغم إقراره بخطورة الادعاءات الأخيرة ضد موظفي الأونروا، إلا أن ليندنر قال إن الحكومة الإسرائيلية قد وجهت في السابق اتهامات “كاذبة” إلى عدد من منظمات المجتمع المدني. وأشار إلى أن محكمة العدل الدولية أمرت الجمعة (26 يناير / كانون الثاني) إسرائيل بالسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة وذلك في حكمها الابتدائي في قضية الإبادة جماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وقال ليندنر: “يتعين في بادئ الأمر الامتناع عن عرقلة دخول المساعدات الإنسانية وثانياً، يقع على عاتق الحكومات المانحة دعم تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية”.
ويذكر أن حركة حماس هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
أعده للعربية: محمد فرحان