منذ توليه الرئاسة في عام 2021، لم يكن المدعي العام السابق، الراحل إبراهيم رئيسي (63 عاما) يميل إلى الحلول الوسط، بل كان حازما في سياسته سواء تعلق الأمر في إدارة الاحتجاجات داخليا عبر حملة من القمع، أو على مستوى إدارة المحادثات النووية مع القوى العالمية، في ظل التشبث بتخفيف واسع النطاق للعقوبات الأمريكية مقابل فرض قيود متواضعة على البرنامج النووي الذي يسجل تطورا متزايدا.
وزادت حماسة رئيسي والمتشددين من حوله في إيران بعد انسحاب القوات الأمريكية بشكل فوضوي من الجارة أفغانستان فضلا عن التحولات السياسية في واشنطن.
عند انتخابه قبل ثلاث سنوات واجه رئيسي حملة قوية من قبل منظمات حقوقية ومعارضي الخارج، الذين اتهموه بالمشاركة كمدعي عام في شبابه، في اعدام واعتقال المئات في طهران عام 1988، حين ضمن لجنة شُكلت إبان انتهاء الحرب الإيرانية العراقية.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فقد شهدت تلك الفترة إقامة محاكم تفتيش عُرفت باسم “لجان الموت” في جميع أنحاء إيران. وكانت تضم قضاة من رجال الدين وممثلين للادعاء العام ووزارة المخابرات لتحديد مصير آلاف المعتقلين في محاكمات تعسفية كانت تستمر بضع دقائق فقط.
وقد فرضت الولايات المتحدة على رئيسي في عام 2019، عقوبات على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان في ذات الملف.
في المقابل، ردّ رئيسي نفسه في عام 2021 على سؤال الصحفيين بهذا الخصوص قائلا: “إذا دافع قاض، مدع عام، عن أمن الشعب، فإنه يتعين الإشادة به… أنا فخور لأنني دافعت عن حقوق الإنسان في كل منصب توليته حتى الآن”.
الاحتجاجات بعد مقتل أميني
بعد عام على انتخابه، بدا توجه الراحل المتشدد جليا. فقد أمر بتشديد تطبيق (قانون الحجاب والعفة) الإيراني الذي يضع قيودا على ملابس المرأة وتصرفاتها.
ولاحقا، توفيت الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني بعد أن ألقت شرطة الأخلاق القبض عليها بتهمة انتهاك هذا القانون.
وأشعلت وفاتها فتيل احتجاجات استمرت لأشهر في أنحاء البلاد وشكلت أحد أخطر التحديات التي واجهها الحكام من رجال الدين في الجمهورية منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وقُتل مئات الأشخاص، بحسب جماعات حقوق الإنسان، من بينهم العشرات من أفراد الأمن الذين شاركوا في حملة قمع شرسة ضد المتظاهرين. وشدد الرئيس على أن “أعمال الفوضى غير مقبولة”.
ورغم أنه كان حديث عهد بالساحة السياسية، فقد تمتع رئيسي بدعم كامل من خامنئي، صاحب الكلمة الفصل، والمناهض للغرب في كل من موقفه تجاه الملف النووي والحملة الأمنية، بل وأصبح من أقرب المشرحين لخلافته. .
عبداللهيان “ديبلوماسي من محور المقاومة”
حسين أمير عبداللهيان الذي لقي حتفه إلى جانب رئيسيعن عمر يناهز 60 عاما، كان بدوره مدافعا شرسا عن السياسة الإيرانية المعادية لإسرائيل والمناهضة للغرب عموما.
وعين وزيرا للخارجية الإيرانية من قبل رئيسي فور وصول الأخير إلى الرئاسة.
وكانت مهمة أمير عبداللهيان صعبة، فقد حلّ خلفا لمحمد جواد ظريف، الديبلوماسي شديد الحنكة.
وعند اختياره، قدّمه التلفزيون الإيراني الرسمي أنه “دبلوماسي مرموق من محور المقاومة” الذي تقوده طهران ويضمّ فصائل مناهضة لإسرائيل، العدو اللدود للجمهورية الإسلامية، مثل حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، ومجموعات عراقية مسلحة.
وكان معروف عنه علاقاته الوطيدة مع الحرس الثوري، بقيادة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس، والذي قُتل في العاصمة العراقية عام 2020 بضربة أميركية.
ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة في تشرين الأول/أكتوبر، كثّف رحلاته إلى المنطقة. وفي أبريل/نيسان، دافع عن الهجوم الإيراني غير المسبوق على إسرائيل والذي نفّذ بأكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ، ردا على غارة جوية دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ونسبتها طهران إلى الدولة العبرية. وقال إن الرد الإيراني نفّذ “في إطار الدفاع المشروع والقانون الدولي”.
محطات من حياة أمير عبداللهيان
منذ ثلاث سنوات، عمل أمير عبداللهيان لمحاولة تقليل عزلة إيران على الساحة الدولية والحد من تأثير العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني.
وفي هذا السياق، شارك في تحسين العلاقات مع الدول العربية المجاورة لإيران ولو أنه لم يكن من الشخصيات الأساسية للعملية التي أدت إلى المصالحة مع السعودية في آذار/مارس 2023، في إطار اتفاق برعاية الصين.
درس عبداللهيان المولود عام 1964 في مدينة دامغان شرق طهران، العلاقات الدولية في جامعة العاصمة عام 1991. كما عمل في العراق بين عامَي 1997 و2001 وفي البحرين بين عامَي 2007 و2010.
ومنذ 2011، تولى منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والإفريقية، وبقي فيه مع وزيرين مختلفين هما علي أكبر صالحي (في الحكومة الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد)، وظريف (في حكومة الرئيس حسن روحاني الأولى).
لكن ظريف استبعده من المنصب في 2016، في خطوة لقيت انتقادات واسعة من التيار المحافظ حيال روحاني ووزيره.
بعد ذلك، رفض تولي منصب سفير في سلطنة عمان، وفق وكالة “إسنا”، وانتقل للعمل كمعاون خاص لرئيس مجلس الشورى (البرلمان) للشؤون الدولية، قبل أن يعود الى الخارجية في 2021.
شارك أمير عبداللهيان في جهود استئناف المفاوضات حول ملف برنامج إيران النووي بعد انهيار الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في العام 2015 والذي يقيّد نشاطات طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها، وذلك بعد انسحاب واشنطن منه بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018.
و.ب/ح.ز (أ ف ب، رويترز، د ب أ)