ألمانيا والشرق الأوسط.. هل استنفذ الوسيط النزيه طاقته؟
منذ هجوم حماس المباغت على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والذي قُتل فيه نحو 1200 شخص، سافرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ثلاث مرات إلى الشرق الأوسط. وذلك بهدف: دعم إسرائيل في حربها ضد حماس في قطاع غزة، ولكن أيضا الطلب من إسرائيل بالاعتدال في رد فعلها لحماية الفلسطينيين المدنيين. وفي محادثاتها مع الدول العربية المجاورة، تناولت بيربوك في محادثاتها منع اتساع رقعة الصراع في المنطقة.
قبل أيام زارت وزيرة الخارجية الألمانية المنطقة مرة أخرى تزامنا مع زيارة نظيرها الأمريكي أنطوني بلينكن، وقد تأزم الوضع وازداد توترا بشكل واضح: فمن ناحية تتزايد الانتقادات الدولية لإسرائيل، بأنها قد تجاوزت هدفها بالقضاء على حماس، التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وفي نفس الوقت، فإن رقعة الصراع قد اتسعت، وخاصة بعدما قتلت إسرائيل قائدا عسكريا كبيرا لحزب الله، الذي زاد من هجماته على شمال إسرائيل بعد ذلك. وتعتبر دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية من بينها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول عربية. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ “منظمة إرهابية”.
هجمات الحوثيين على السفن التجارية
وعلاوة على ذلك فإن المتمردين الحوثيين في اليمن والذين تدعمهم إيران أيضا، يهاجمون السفن في البحر الأحمر. وهو ما دفع العديد من شركات الشحن البحري إلى تغيير مسار سفنها المتجهة من آسيا إلى أوروبا، بعيدا عن قناة السويس، وتحويل مسارها إلى رأس الرجاء الصالح جنوب القارة الأفريقية.
ويتوقع هانز ياكوب شيندلر، خبير شؤون الشرق الأوسط في المنظمة الدولية لمشروع مكافحة التطرف، حدوث “مشكلة اقتصادية دولية حادة”، ويضيف في حواره مع المانيا اليوم إذا استمر هذا الوضع “لا نستطيع الاستغناء عن قناة السويس لمدة عام”. وتدرك ألمانيا مدى خطورة الوضع، وقد تنضم قريبا إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر ضد الحوثيين.
وقد أكدت رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني (البوندستاغ) ماري-أغنيس شتراك-تسيمرمان الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2024، إن من المتوقع أن تشارك ألمانيا في مهمة بحرية للاتحاد الأوروبي لحماية الملاحة في البحر الأحمر سيقرها وزراء خارجية دول التكتل هذا الشهر. وأضافت أن هدف المهمة سيكون قيام فرقاطات من الاتحاد الأوروبي بتأمين السفن التجارية التي تمر عبر المضيق.
ومن جهتها أعلنت بيربوك أن ألمانيا لن تعارض بعد اليوم توريد بريطانيا مقاتلات يوروفايتر للسعودية، حيث أن طائرات يوروفايتر انتاج أوروبي مشترك، فلا بد من موافقة ألمانيا على صفقات بيعها. كما تريد ألمانيا تصدير أنظمة الصواريخ الموجهة IRIS-T للسعودية.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم الاتفاق في وثيقة الائتلاف الحكومي بين الحزب الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الليبرالي، على عدم تصدير الأسلحة لدول مثل السعودية، التي تشارك في حرب اليمن بالإضافة إلى الانتقادات التي توجه إليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. ولكن بما أن السعودية تعترض الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على إسرائيل، راجعت الحكومة الألمانية موقفها، ورفعت الحظر عن تصدير الأسلحة إلى السعودية.
ألمانيا تدعم إسرائيل وتنتقدها أيضا
بالنسبة للصراع بين إسرائيل وحماس، بقيت وزيرة الخارجية الألمانية محافظة على موقفها، من ناحية تؤكد لإسرائيل أنها تستطيع “الاعتماد على دعمنا لها ضد التطرف الأعمى الذي يريد محو إسرائيل من الخارطة”.
لكن من ناحية أخرى بالنسبة لعمليات إسرائيل العسكرية في قطاع غزة والتي يسقط فيها الكثير من القتلى المدنيين، تقول بيربوك “إنمعاناة الكثير من الأبرياء لا يمكن أن تستمر هكذا، فنحن بحاجة إلى كثافة أقل للعمليات”. كذلك جددت بيربوك انتقاداتها لعنف المستوطنين في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين، وخلال زيارتها للضفة الغربية قالت إن المستوطنات الإسرائيلية “غير شرعية”.
من ينبغي أن يدير قطاع غزة مستقبلا؟
وفيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة أعلنت بيربوك عنمعارضتها الواضحة للأفكار التي طرحها بعض الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، والذين يرغبون في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. وقالت خلال زيارتها لإسرائيل، إن “غزة للفلسطينيين”، وهو ما تتفق فيه مع نظيرها الأمريكي بلينكن.
ويقول خبير شؤون الشرق الأوسط، هانز ياكوب شيندلر “مع الأسف لا يوجد موقف حكومي إسرائيلي موحد، يمكن للمرء التعامل معه”، ويضيف بأنه على الجانب الإسرائيلي يبدو أن إجماعا أساسيا قد بدأ بالتبلور وهو أنه “ينبغي أن يبقى نوع من البنية الأمنية الإسرائيلية هناك على المدى المتوسط حتى الطويل”.
وهذا يثير السؤال “من ينبغي أن يحكم قطاع غزة في الواقع؟ (…) ليس هناك أي متطوع. والأمم المتحدة التي يمكن أن تديره، تعاني من فقدان الثقة بإسرائيل، وخاصة في الأشهر الماضية. والدول العربية كلها تراجعت خطوة كبيرة إلى الوراء (…) من يجب أن يدير القطاع إذن؟ بالتأكيد ليسوا الأوربيين أيضا. ليست هناك فكرة جيدة”.
ويقول شيندلر محذرا: إن إسرائيل من خلال عملها العسكري في قطاع غزة “قد اشترت الوقت لإعادة تنظيم غزة” ربما لعقد من الزمن. وإذا لم تجد إسرائيل حلا أفضل، سوف تواجه مشكلة أمنية مشابهة كما سابقا، سواء أكان العدو اسمه حماس أو غير ذلك.
الانتخابات الأمريكية تضيق هامش التحرك
لكن ما النطاق الذي يمكن أن تتحرك فيه السياسة الألمانية في الشرق الأوسط؟ فمن ناحية تلعب الولايات المتحدة الدور الرئيسي هناك، وليس ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي، يقول شيندلر. ومن ناحية أخرى لدى ألمانيا اتصالات مع لاعبين مختلفين في المنطقة، وخاصة مع الدول العربية. وعلاوة على ذلك كما يرى شيندلرـ فإن هامش التحرك بالنسبة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن محدود، بسبب بدء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية. “فاتخاذ موقف سياسي واضح له ثمن سياسي في واشنطن (…) فلا يريد المرء خسارة الناخبين العرب ولا الناخبين اليهود في أمريكا”.
رد فعل العالم العربي
في وسائل الإعلام العربية، طغت زيارة وزير الخارجية الأمريكية على زيارة نظيرته الألمانية إلى المنطقة. لكن قناة العربية الممولة من السعودية أبرزت تصريحات بيربوك التي أدلت بها أثناء زيارتهاللضفة الغربية، والتي قالت فيها إنه من واجب إسرائيل حماية الفلسطينيين في المنطقة.
أما صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن، فقد انتقدت سياسة ألمانيا الشرق أوسطية، وزيارة بيربوك للمنطقة، وقالت الصحيفة إن الوزيرة الألمانية وجهت في مؤتمرها الصحفي بالقاهرة “رسائل دعم للاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة”.
بشكل عام يُنظر إلى موقف ألمانيا من الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل نقدي غالبا. والنخبة السياسية الألمانية تبرر دعمها لإسرائيل بـ “شعور بالذنب” على خلفية الهولوكوست وضرورة التعويض عن طريق دعم إسرائيل، حسب ما جاء في تعليق لموقع قناة الجزيرة بالإنكليزية. وتتهم القناة الحكومة الألمانية بتطبيع العنصرية المعادية للعرب والمسلمين وتبرير سياسة هجرة أكثر قسوة. وبشكل عام يتم وصف موقف ألمانيا أنه أحادي الجانب، وينظر لألمانيا بشكل سلبي على أنها داعم حاسم لإسرائيل.
أعده للعربية: عارف جابو