هل اقتربت أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ | سياسة واقتصاد |
خلال زيارتها إلى كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع، أشادت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بالتقدم الذي أحرزته أوكرانيا في تنفيذ الإصلاحات، وأثنت على جهود البلاد في إصلاح النظام القضائي ومكافحة غسيل الأموال، فضلاً عن “إنجازات أخرى”.
تبشر هذه الإنجازات بتفاؤل كبير بالنسبة لمساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الطلب الذي قدمته كييف بعد وقت قصير من بدء الغزو الروسي واسع النطاق في فبراير/شباط 2022.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اعترفت فون دير لاين بالعمل الشاق الذي أنجز تلك “الإصلاحات”. كما أبلغت أعضاء البرلمان الأوكراني أنهم أكملوا بالفعل “ما يزيد عن 90%” من الإصلاحات اللازمة لبدء محادثات الانضمام.
وأوصت المفوضية هذا الأسبوع بفتح مفاوضات انضمام أوكرانيا ومولدافيا إلى الاتحاد الأوروبي، وبمنح جورجيا وضع دولة مرشحة للعضوية في التكتل، ومع ذلك، تشير العديد من التقارير الإعلامية إلى أن السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي (المفوضية الأوروبية) لا تزال تطالب بمزيد من التغييرات في أوكرانيا.
وبموجب المادة 49 من معاهدة لشبونة، يمكن لأي دولة أوروبية أن تتقدم بطلب العضوية، بشرط استيفاء معايير كوبنهاغن. وتشمل هذه المعايير الديمقراطية، والمساواة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، واقتصاد السوق، وقبول قوانين الاتحاد الأوروبي.
مُنحت أوكرانيا وضع “المرشح” رسمياً إلى جانب جارتها مولدوفا، في شهر يونيو/حزيران 2022، وهي خطوة مهمة قبل البدء بالمحادثات الفعلية. وإلى جانب البلدين، هناك ثماني دول مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خمسة منها بدأت بالفعل محادثات الانضمام.
ومع ذلك، في رأيها الرسمي العام الماضي، اقترحت المفوضية على الدول الأعضاء منح أوكرانيا وضع المرشح مع التأكيد كذلك على الحاجة إلى تحسينات في القضاء الأوكراني، الذي يعد أحد العيوب في نظرة الأوروبيين، بالإضافة إلى المزيد من العمل في مكافحة الفساد، كما أثار مسؤولو الاتحاد الأوروبي مخاوف بشأن غسيل الأموال واستمرار نفوذ الأوليغارشية.
مسار طويل
قبل أن تتمكن أي دولة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، يجب عليها أولاً الحصول على موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء لبدء مفاوضات الانضمام. وبعد ذلك تطلب الدول الأعضاء من المفوضية الأوروبية إجراء تقييم. واستناداً إلى نتائجه، يمكن للدول الأعضاء أن تطلب من المفوضية بدء مفاوضات رسمية بشأن انضمام العضو الجديد إلى الاتحاد الأوروبي.
وتنتظر أوكرانيا حالياً قرار الأعضاء بإعطاء المفوضية الضوء الأخضر لبدء المفاوضات الرسمية، وبالتالي يتعين موافقة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد على التقييم الذي أصدرته المفوضية خلال القمة التي ستُعقد في 14 و15 كانون الأول/ديسمبر في بروكسل.
ومع ذلك وحتى إن صوت الدول الأعضاء على توصية بدء المفاوضات الرسمية، فإن مدة هذه الأخيرة ستعتمد على مدى الإصلاحات المطلوبة والمواقف السياسية للدول الأعضاء الحالية. وقد يستغرق الأمر عدة سنوات، أو حتى عقوداً، لاستكمال المفاوضات.
وستغطي المفاوضات 35 “فصلاً” أو “موضوعاً”، بما في ذلك قضايا مهمة مثل السياسة الخارجية والبيئة، فضلاً عن جوانب أخرى مثل حرية حركة العمال ورأس المال. ويجب أن توافق جميع الدول الأعضاء بالإجماع على كل خطوة نحو انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.
أوكرانيا مطالبة بإصلاحات
تتباين قرارات قبول الانضمام بشكل واضح بين دولة وأخرى. احتاجت فنلندا إلى ثلاث سنوات فقط لإكمال الإجراء في منتصف التسعينيات. في حين بدأت المحادثات مع تركيا عام 2005 دون أي احتمال حقيقي للتقدم، والمحادثات معها معلقة حالياً.
يعتمد التقدم في عملية الانضمام على وتيرة الإصلاح، ولكن قد تعطل بعض الدول الأعضاء العملية لأسباب سياسية خاصة بها. تعرقل بلغاريا، على سبيل المثال، منذ فترة طويلة بدء مفاوضات الانضمام مع مقدونيا الشمالية.
ووفقاً لتيناتين أخفليدياني، التي تعمل في “مركز دراسات السياسة الأوروبية” في بروكسل (CEPS)، فإن فتح محادثات الانضمام مع أوكرانيا لا يعني بالضرورة أنها ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي قريباً، مشيرة إلى أن المفاوضات قد تستغرق عشر سنوات.
ومع ذلك، تعتقد الخبيرة، في حديثها لـ المانيا اليوم، أن فتح مثل هذه المحادثات من شأنه أن يظهر رغبة الاتحاد الأوروبي في الاستثمار في مستقبل أوكرانيا، لكن على كييف إحراز تقدم في الإصلاحات التي تتماشى مع قيم الاتحاد الأوروبي، مضيفة أنه لا توجد طرق مختصرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأنه إذا لم تستوف أوكرانيا هذه الشروط، فإنها لن تنال العضوية.
ولتحقيق تقدم في عملية الانضمام، يجب على الدولة المرشحة أن تنفذ إصلاحات تدريجية في إدارتها العامة والقضاء والاقتصاد لتتماشى مع الاتحاد الأوروبي. ويقدم الاتحاد الأوروبي الدعم المالي والفني للدولة المرشحة خلال هذه الفترة.
وعلى الرغم من التحديات التي تفرضها الحرب المستمرة، يتعين على أوكرانيا أن تستمر في الدفع نحو الإصلاحات، خصوصاً القانونية والقضائية، وكذلك محاربة الفساد. وفي مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2022، احتلت أوكرانيا المرتبة 116 من بين 180 دولة.
معطيات جيواستراتيجية جديدة
لكن في النهاية القرار ليس بيد كييف. قبل غزو أوكرانيا، كانت بعض الدول مترددة في السماح لأعضاء جدد بالانضمام إلى الكتلة المكونة من 27 دولة. كما إن عملية صنع القرار داخل الاتحاد معقدة بالفعل، وهناك خلافات في قبول أعضاء جدد بحكم أن آخر الملتحقين هم أقل ثراءً بكثير من الدول المؤسسة.
ومع ذلك، فإن اندلاع الحرب على حدود الاتحاد الأوروبي أدى إلى تغيير الوضع. ووفقاً لإنغلوش مورينا من “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR)، فالأوروبيين الآن ينظرون إلى قبول أعضاء جدد في الاتحاد الأوروبي كجزء من استجابتهم للواقع الجيوسياسي الجديد. وتقول الخبيرة في حديث لـ المانيا اليوم: “من اللافت أن دول الاتحاد الأوروبي التي كانت مترددة في السابق في توسيع العضوية، بما في ذلك فرنسا والدنمرك وهولندا، غيرت لهجتها. ويشير هذا إلى أن الكتلة قد تكون أكثر استعداداً لقبول أعضاء جدد في المستقبل”.
ومن الأمور الشائكة في انضمام أوكرانيا، هو تعامل الاتحاد مع قطاعها الزراعي الضخم، خصوصاً العواقب المترتبة على إعانات الدعم الزراعية التي تشكل جزءاً كبيراً من ميزانية الاتحاد الأوروبي، ما قد يشكل أعباء مادية، ووفقاً لتيناتين أخفليدياني، لافتة إلى أن الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا يحتاجان إلى العمل معاً لتحقيق هدفهما المشترك، وبالتالي “فعملية قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي سوف تبدأ عندما يصبح الطرفان مستعدين لذلك”.
ايلا يوينر/ع.ا