حقوق الإنسان في الجزائر.. "خيبة أمل" أممية رغم تحسن طفيف!
“على الرغم من الانفتاح الذي أتاحته لي وزارات حكومية متعددة والتأكيدات المتكررة التي تلقيتها منها بشأن حالة المدافعين عن حقوق الإنسان، فإنني أغادر البلاد ولدي خيبة أمل بسبب الفرص الضائعة لترسيخ الاحترام الكامل لعمل وشرعية المدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر”، كان هذا من آخر ما صرحت به المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان ماري لاولور.
الخبيرة الأممية هي الأولى في مجالها التي تزور الجزائر، وقد التقت على مدار أيام حوالي خمسين ناشطاً حقوقيا وصحافيا وممثلين عن منظمات غير حكومية، كما التقت مجموعة من المسؤولين الجزائريين، ومن المتوقع أن تقدم تقريراً كاملاً عن زيارتها هذه لمجلس حقوق الإنسان في مارس/آذار 2025.
ولم يصدر رد رسمي من السلطات الجزائرية على بيان نهاية مهمة المقررة الأممية الذي نُشر على موقعها الرسمي، لكن وكالة الأنباء الحكومية، ركزت على تصريحاتها “الإيجابية”، ومن ذلك قولها إن زيارتها للجزائر كانت “مثمرة”، وإشادتها بجهود الحكومة الجزائرية من أجل تسهيل هذه الزيارة.
وحسب الوكالة ذاتها، فقد صرحت لاولور: “بدعوتي للقيام بهذه الزيارة، فان الحكومة الجزائرية تؤكد بوضوح أنها على استعداد للالتزام كما ينبغي بالمسائل المتعلقة بالمدافعين عن حقوق الانسان”، مشيرةً إلى أنه “كان بإمكانها عدم الاستجابة لطلبي كما فعلت دول أخرى”، كما ثمنت “التزام الحكومة الجزائرية بالتعامل بجدية مع الاجراءات الخاصة للأمم المتحدة والعمل من أجل حماية أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان”.
ترحيب بتقدم طفيف
وقد رحبت ماري بـ”الأحكام المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع الواردة في التعديلات الدستورية لعام 2020″، ولاحظت وجود “تحسن في قدرة النساء والشباب على المشاركة في الحياة العامة”، كما عبرت عن “سعادتها” بعمل الحكومة الجزائرية على “ضمان امتثال القوانين الوطنية لكل من الدستور، وللقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
كما رحبت المسؤولية بعدة آليات معلن عنها مؤخرا، ومنها “آلية الشكاوى التابعة إلى “وسيط الجمهورية”، وآليات المشاركة العامة على مستوى الولايات. وذكرت أنها “لا تشك في أن العديد من الأشخاص الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان يعملون دون أي مشاكل”.
انتقادات لـ”مناخ الخوف”
غير أن المسؤولة انتقدت ما يحدث للحقوقيين الذين لا يعملون وفق الإطار الذي وضعته الحكومة، وقالت إنهم “يواجهون صعوبات خطيرة، مما يؤثر أيضًا على أسرهم”، وتابعت أن هناك “انعداماً للشفافية فيما يتعلق بالإجراءات القمعية المتخذة ضدهم”، بحكم عدم تقديم معلومات حول أسباب اعتقالهم أو من أصدر الأوامر.
كما قالت إن بعض النشطاء الحقوقيين الذين كان من المقرر أن تلتقيهم، رفضوا أو ألغوا مقابلتهم، “خوفاً من الانتقام”، كما ذكرت أن هناك نشطاء منعوا من الوصول إلى مكان وجودها في ولاية تيزي وزو، وأوقفوا في الطريق، كما أبرزت أن غالبية النشطاء الذين التقتهم أكدوا لها “تعرضهم للمراقبة والمضايقات المستمرة”، وآخرون أكدوا أنهم يمارسون الرقابة الذاتية على كل منشوراتهم.
وانتقدت المقرّرة حل بعض منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية “راج”، وتقييد حرية التنقل من خلال منع النشطاء من مغادرة التراب الجزائري. كما أشارت إلى ظروف نفسية صعبة يعاني منها عدد من النشطاء الحقوقيين.
وانتقدت كذلك وبقوة استمرار وجود قوانين تحد من عمل المدافعين عن حقوق الإنسان وتعاقبهم، ومن ذلك “المادة 87 مكرر التي تتعلق بالإرهاب”، وذكرت أن تعريف المادة للإرهاب “فضفاض للغاية ومصاغ بشكل غامض”، خصوصا جريمة “تقويض الوحدة الوطنية”، التي يتم تطبيقها على عدد من الحقوقيين.
كما انتقدت استمرار المادة 95 مكرر من قانون العقوبات التي تنص على الحبس عند تلقي أي شكل من أشكال التمويل أو المنفعة من مصدر غير جزائري “لأداء أو التحريض على أعمال من المحتمل أن تخل بأمن الدولة”، وقالت إن العقوبة تتعارض مع الإعلانات الأممية فيما يخصّ استخدام موارد مخصصة لتعزيز حقوق الإنسان.
وانتقدت كذلك ظروف عدد من الصحفيين والمدونين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم ضمان حرية الصحافة، وقالت إن تقييد أو حظر التعبير على أساس أنه شتم أو إهانة يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان بشأن حرية التعبير. وطالبت بالإفراج عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المسجونين بسبب ممارستهم لحرية التعبير والرأي وتكوين الجمعيات.
كيف تفاعلت المنظمات الجزائرية؟
استغلت منظمات جزائرية، زيارة المقررة الأمنية من أجل تأكيد مطالبها للدولة الجزائرية بـ”إنهاء حملتها على الحقوق والحريات الأساسية، وإطلاق سراح جميع المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المحتجزين”.
ووقعت عدة منظمات جزائرية وإقليمية، منها الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بيانا مشتركا جاء فيه أن الزيارة تأتي “في خضم وضع مروع لحقوق الإنسان في الجزائر، حيث يقبع أكثر من 230 ناشطاً وصحفياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان في السجن”.
وذكر البيان أن السلطات الجزائرية “أحكمت قبضتها على كافة مساحات حركة المعارضة تقريباً على مدى العامين الماضيين.، وأنها “فككت معظم مجموعات المجتمع المدني المستقلة”، وأغلقت “ما تبقى من وسائل الإعلام المعارضة للاستبداد”. وأعطى البيان أسماء عدة نشطاء غادروا البلاد بسبب التضييق عليهم مثل زكريا حناش، وأميرة بوراوي، فضلا عن اعتقال آخرين، كالناشط البيئي محاد قاسمي، وكاميرا نايت سيد.
ع.ا