مزيد من التشدد.. قانون الهجرة الجديد يثير الجدل في فرنسا!
شهدت مناطق جنوب العاصمة الفرنسية باريس تظاهرات حاشدة في عطلة نهاية الأسبوع الفائتة تنديدًا بالإصلاحات الجديدة التي يزمع الرئيس إيمانويل ماكرون تطبيقها في فرنسا. وتجمع آلاف الأشخاص بالقرب من محطة قطار مونبارناس، حاملين لافتات كتب عليها عبارات مثل “ضد قانون درمانين ” في إشارة لوزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانين و”الهجرة ليست مشكلة – العنصرية مشكلة”.
كان المالي أحمد سيبي، البالغ من العمر 33 عامًا، حاضرًا أيضًا. وصل إلى فرنسا قبل خمس سنوات وعمل بجد كعامل نظافة وفي غسل الأطباق في المطاعم، باستخدامتصاريح عمل لآخرين. يقول سيبي: “هذه هي الطريقة التي يعيش بها معظمنا هنا. ندفع الرسوم والضرائب من دون حق الحصول على خدمات في المقابل مثل التأمين الصحي الحكومي العادي”. ويضيف: “تتعامل حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون معنا كما لو أننا لا نستحق شيئًا، لكننا نقوم بكل الأعمال الشاقة – في مواقع البناء، بما في ذلك دورة الألعاب الأولمبية العام المقبل، وفي المطاعم وكعمال نظافة”.
وبالتالي، انضم سيبي وزملاؤه إلى التظاهرات الرافضة للإصلاح التشريعي، الذي تقول الحكومة الفرنسية أنه يشكل حلا وسطًا للآراء السياسية اليسارية واليمينية بخصوص ملف الهجرة.
القانون يهدد بأن يصبح اختبارا للقوة
اعتبارا من يوم الاثنين (11 ديسمبر/ كانون الأول 2023) ، سيتم مناقشة مشروع القانون المثير للجدل في الجمعية الوطنية (البرلمان). لم يتم بعد تحديد النسخة النهائية من القانون. لكن بعض النقاط التي تجري مناقشتها معروفة جيدا: يهدف القانون إلى تسريع إجراءات اللجوء وتقصير فترات الاستئناف، وجعللم شمل الأسرة أكثر صعوبة وتشديد شروط التأشيرات الطبية. في المستقبل، سيكون من الممكن أيضا ترحيل الأشخاص الذين كانت تقل أعمارهم عن 13 عاما عند وصولهم إلى فرنسا، وكذلك ترحيل حتى الآباء أو الأمهات الأجانب الذين يحمل أطفالهم الجنسية الفرنسية.
ورغم أنه كان من المتوقع أن يحصل العمال في القطاعات التي تواجه نقصًا في العمالة على تصريح عمل تلقائي لمدة عام واحد، إلا أن السلطات المحلية حصلت على مرونة في هذا الشأن. وحاليًا، يمكنها أن تقرر من يحصل على تصريح ومن لا يحصل.
قدم وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد درمانين، مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ. بدأ المجلس، الذي يميل نحو اليمين، في مناقشته دون تأخير. كانت الحكومة قد قدمت المشروع في في فبراير/ شباط ثم علقته. ومن المتوقع أن يصبح الاقتراح اختبارا حاسما لقوة ماكرون، لأن المعسكر السياسي للرئيس الفرنسي لم يمتلك الأغلبية المطلقة في البرلمان لتمرير المشروع المثير للجدل بدون دعم من القوى السياسية الأخرى، مثل القوى اليمينية.
مشكلة ترحيل الآباء الأجانب
كل هذا يقلق بشدة ليزا فارون من جمعية Cimade الباريسية، التي تدعماللاجئين والمهاجرين. وتقول “لقد وعدت الحكومة بقانون متوازن، لكنهم يريدون الآن تقييد حقوق المهاجرين بشكل أكبر وجعل الحصول على أوراق عمل أكثر صعوبة”. وتوضح فارون لـ المانيا اليوم: ” في ظل هذا المشروع، سنصل إلى واقع مختلف تماما – إنهم يُريدون أيضًا تسهيل ترحيل الآباء الأجانب لأطفال يحملون الجنسية الفرنسية، وهو الأمر الذي لم يحدث إلا في حالات ارتكاب جرائم خطيرة في السابق”.
بالنسبة لأستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة بوردو، فينسنت تيبيرج، فإن القانون يعكس تحولا عاما نحو اليمين في النقاش السياسي، ويقول “يصوِّر معظم الساسة الفرنسيين المهاجرين على أنهم عبء وتهديد، وينسون تمامًا أن المهاجرين، وحتى الأجيال اللاحقة، يسهمون كثيرا في مجتمعنا”. ويضيف لـ المانيا اليوم أن السياسيين يستهدفون الحصول على أصوات من التيار اليميني. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب اليمين الوطني يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل. “في حين يجب أن تعرف أحزاب مثل (الحزب الحاكم) النهضة أن مثل هذه الاستراتيجية لا تعمل، إنها تضفي الشرعية فقط على أفكار اليمين وبالتالي تمنحه دفعة للأمام”.
هل سيكون للقانون تأثير؟
لكن أليكسيس إيزارد، عضو البرلمان في كتلة حزب الرئيس ماكرون (النهضة)، يرى الأمر بشكل مختلف، فالقانون سيكون متوازنا، كما يقول لـ المانيا اليوم: “يجب أن نكون قادرين علىترحيل حوالي 4000 مهاجر غير شرعي سنويا ارتكبوا جرائم من فرنسا – سيكون ذلك ممكنا في المستقبل. إجراءات الترحيل ستستغرق سنة واحدة فقط بدلا من سنتين. لكن في الوقت نفسه، سيكون من الأسهل على أولئك الذين يرغبون في العمل هنا القدوم إلى فرنسا”. بهذه الطريقة، سيكون القانون فعالا للغاية، حسب رأيه.
من جهته لا يعتبر هيرفي لو براس، مؤرخ وعالم اجتماع سكاني في كلية باريس للدراسات المتقدمة في العلوم الاجتماعية (EHESS)، هذا الرأي بيانا موثوقا به. ويقول: “تظهر البيانات التاريخية بوضوح أنه لا يوجد تفاعل بين السياسة وأرقام الهجرة.” ويضيف بأنه “تماما مثل أكثر من 100 قانون هجرة آخر أقرته فرنسا منذ عام 1945، سيكون هذا القانون عديم الفائدة ولن يكون له أي تأثير تقريبا على عدد المهاجرين سنويا. الأمر يتعلق فقط بإعطاء السياسيين فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم علنا”.
النضال من أجل مستقبل أفضل
على النقيض من ذلك، يأمل ألان فونتين، صاحب مطعم Le Mesturet في وسط باريس ورئيس اتحاد أصحاب المطاعم الفرنسيين AFMR، أن تحمل القوانين تسهيلات زمنح تراخيض عمل سنوية، ويقول:”ربع موظفي حانات ومطاعم فرنسا هم عمال أجانب، بدونهم لا يمكننا الاستمرار”. في مطعمه، يوجد 12 عاملا أجنبيا من بين 27 موظفًا. ويتابع “نحن بحاجة إلى الهجرة – أيضًا لأن شبابنا يفضلون العمل في الاقتصاد الرقمي. لا يرغبون بالعمل في الوظائف اليدوية المتعبة بعد الآن”.
ويرى المهاجر سيبي من مالي الذي جاء قبل خمس سنوات عبر البحر الأبيض المتوسط، أن تلك اللحظات كانت أصعب لحظة في حياته، حيث كاد هو والآخرون على المركب أن يفقدوا حياتهم. ويعتبر سيبي في حوار مع المانيا اليوم أن إقامة وتصريح العمل لمدة عام للمهاجرين ليست فكرة جيدة، ويقول إنها “سترسخ مبدأ العبودية الحديثة في القانون”، يوضح سيبي وهو جالس على سريره في غرفة بمساحة 15 مترًا مربعًا في ضاحية باريس الشرقية في مونتروي يتشاركها مع عمه وابن عمه. ويختم حديثه بالقول “يجب عليك العمل في هذا القطاع المتعب، وإلا فإنك ستفقد حق الإقامة الخاص بك.ستبقى تحت رحمة رب العمل. نحن نريد أن تقوم الحكومة بشرعنة (تصحيح) أوضاعنا جميعًا، بحيث يمكننا اختيار وظيفتنا بأنفسنا. أن تكون قد عانيت واستطعت النجاة من الموت مثل رحلة الهروب عبر البحر، معناه أنك لن تستسلم بسهولة. سأستمر في النضال من أجل مستقبل أفضل”.
أعده للعربية : علاء جمعة