اليهود في ألمانيا بعد هجوم حماس – بين الخوف والتصميم!
عاد دورون روبن لركوب مترو الأنفاق في برلين بعد أن كان الرجل البالغ من العمر 41 عاماً والأب لثلاثة أطفال قد توقف عن ذلك لفترة مؤقتة في أعقاب هجوم حماس الإرهابي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. في الواقع، تغير كل شيء في الحياة اليومية وانقلبت الأمور رأساً على عقب: “إن الإحساس بعدم اليقين وانعدام الأمن هو رفيقنا الدائم”.
روبن يهودي مولود في ألمانيا ويعيش في برلين. وهو قاض وزوجته محامية.
“تغير كل شيء”
يرتدي اليهود التقليديون القلنسوة طول الوقت، ويمكن التعرف على الأولاد الذين يكبرون من خلال ملابسهم. ويعلق اليهود التقليديون كذلك مزوزاه، وهي كبسولة بها دعاء، على أبواب بيوتهم. وتحدث دورون روبن عن بعض أفراد الجماعة الدينية التي ينتمي إليها (KAJ) وكيف قام أشخاص برسم نجمة داود على جدران منازلهم. وقال في مقابلة مع المانيا اليوم إن البعض علق المزوزاه على الباب الخارجي أو حتى في داخل الشقة: “لقد تغير كل شيء”.
أصبحت تلك الجماعة الدينية معروفة على نطاق كبير بعد أن قام مجهولون في منتصف أكتوبر/تشرين الأول بإلقاء عبوات حارقة على مبان تابعة لها دون أن ينتج عن ذلك أي أضرار جسيمة.
وأعرب باشا لوبارسكي (44 عاماً)، وهو مهندس ميكانيكي وعضو متطوع في مجلس إدارة الجماعة الدينية، عن آراء مماثلة. في البداية كانت “حالة من الصدمة”. ويتابع: “عندما نواجه التهديدات، يتكرر السؤال: “هل وجودنا في ألمانيا أمر صحيح أم خاطئ؟ لكننا لن نسمح لأنفسنا بالوقوع في فخ الترهيب. حتى لو كان المرء خائفاً، عليه أن يستمر في الفعل”.
شارك كل من دورون روبن وباشا لوبارسكي في يوم المجتمع اليهودي في برلين الذي استمر أربعة أيام وانتهى أمس الأحد (17 كانون الأول/ديسمبر 2023). التقى في الفعالية 1400 يهودي من جميع أنحاء ألمانيا لتبادل الآراء والخبرات والتدريب والاحتفال.
قبل ساعات من انطلاق الفعالية التي استضافها فندق في غرب برلين، أعلنت السلطات الأمنية اعتقال أعضاء في حركة حماس كانوا على ما يبدو يخططون لشن هجوم على مؤسسات يهودية في ألمانيا. ووقعت ثلاثة من الاعتقالات في برلين مكان انعقاد المؤتمر. ولوحظ وجود الشرطة حول وفي أروقة الفندق.
وتصنف حماس كمنظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى.
“كل شيء تغير” تتردد العبارة في أروقة المؤتمر. “كراهية اليهود كانت موجودة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن النوعية والتهديد مختلفان الآن”، يقول جوزيف شوستر، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، وقد ذكر المظاهرات المناهضة لإسرائيل والمعادية للسامية والتي يشارك فيها الشباب المهاجرون: “أصبح من الصعب بشكل متزايد على اليهود أن يشعروا بالانتماء إلى بلدنا، ألمانيا”.
صلوات أونلاين
ذكرت ياسمين أندرياني، وهي حاخامه من “المجتمع اليهودي الليبرالي” في مدينة غوتنغن، في مداولات المؤتمر أن الشعور بالأمان بين أفراد جاليتها لا يزال ضعيفاً حتى اليوم: “يفضل عدد لا بأس به من أفراد المجتمع المشاركة في الصلوات عبر الإنترنت بدلاً من الحضور الشخصي في الكنيس”. وتحدث عدد من الآباء والأمهات عن تعرض أطفالهم لاعتداءات معادية للسامية في المدارس.
يقول دورون كيزل، مدير قسم التعليم في المجلس المركزي لليهود في ألمانيا والمسؤول كذلك عن “الأكاديمية اليهودية” التي يتم بناؤها في مدينة فرانكفورت: “يعد السابع من أكتوبر نقطة تحول عميقة في جميع النواحي، بما في ذلك ما يخص عملنا التعليمي. من الصعب أن تقوم برفع مستوى الوعي بضرورة محاربة معاداة السامية لفترة طويلة، ثم تدرك الآن أن عملك لم يؤت ثماره”.
وفي إحدى الجلسات، أفاد كريستيان كلوس، رئيس قسم “الأمن الداخلي” في وزارة الداخلية الاتحادية، أن هناك 127 ألف شخص من جميع الأطياف المتطرفة في ألمانيا: “المأساة هي أن العنصر الذي يوحد كل تلك الفئات المتطرفة هو معاداة السامية.” وفي جلسة أخرى، يكشف المهندس المعماري زفونكو توركالي، والمسؤول عن بناء “الأكاديمية اليهودية” في فرانكفورت، أن “سماكة نوافذ الأكاديمية هو ثمانية سنتيمترات”.
مشاركة سياسية وانتقادات للحكومة
وشارك في المؤتمر ساسة رفيعو المستوى: الرئيس الاتحادي فرانك فالتر شتاينماير، والمستشار أولاف شولتس، ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك وآخرون.
في العادة في مثل هذه المؤتمرات تسود أجواء من المجاملات والثناء. لكن في هذا المؤتمر كان الأمر مختلفاً. ولمسنا هذا الشيء عند دخول الرئيس قاعة المؤتمر حيث لم يكن التصفيق حاداً. وقوبل خطابه بتصفيق أقوى بعض الشيء من قبل الحضور. تحدث شتاينماير عن دولة “تدافع عن نفسها ويجب أن تدافع عن نفسها”. وتابع: “لقد تأثرنا جميعاً بشدة بالأحداث القاسية في إسرائيل”. وعندما تحدث الرئيس الاتحادي، الذي كان في إسرائيل قبل بضعة أيام وزار إحدى الكيبوتسات المدمرة بالقرب من قطاع غزة، عن “الدمار الرهيب في غزة وعدة آلاف من القتلى”، ساد الصمت القاعة.
وتجلت الأمور بشكل أكثر وضوحاً في خطاب وزيرة الخارجية. حاولت بيربوك إلقاء بضع كلمات بالعبرية، وتحدثت عن تجربة الاحتفال بعيد الحانوكا في دبي، مشيرة إلى أن اليهود هناك في حالة خوف. ثم جادلت بأن أمن إسرائيل هو مصلحة وطنية ألمانية وأن ألمانيا لديها مسؤولية تاريخية تجاه إسرائيل.
ثم يقاطعها البعض وتنهال الانتقادات بشأن امتناع ألمانيا عن التصويت في الأمم المتحدة على القرار الأخير الخاص بالحرب بين إسرائيل وحماس. تؤكد بيربوك على ضرورة الحوار: “لن تتمكن إسرائيل من العيش في أمان إلا إذا تمكن الفلسطينيون في يوم ما من العيش متحررين من الإرهاب. وبالمثل: لن يتمكن الفلسطينيون من العيش في أمان إلا إذا عاشت إسرائيل في أمان”.
“نفتقد التضامن مع إسرائيل”
وأشار رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، جوزيف شوستر، إلى عدم قيام الحكومة بإجراءات قانونية بحق من ينكر حق إسرائيل في الوجود، وأضاف أنه يفتقد التضامن الواضح مع إسرائيل. “بطبيعة الحال، يستطيع المرء أن ينتقد بوضوح الحكومة الإسرائيلية وسلوك المستوطنين المسلحين (وهو ما فعله شوستر وغيره في المؤتمر)، لكن في نظري هناك نقص في التضامن الواضح مع الإسرائيليين في الحرب”.
ركز المستشار في خطابه على الجوانب السياسية الداخلية من القضية. ودعا إلى “مجتمع مفتوح” وإلى التعاطف والتضامن مع اليهود المهددين، دون أن يذكر إسرائيل بالاسم. لكن في النهاية، يبدو أنه تذكر غضب شوستر الهادئ وارتجل خمس جمل أخرى: “ألمانيا بالطبع تقف دائماً إلى جانب إسرائيل، عندما يتم التشكيك في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. لن نسمح بذلك. يمكنكم الاعتماد على ألمانيا”. بالتأكيد لا تتطرق كلماته صراحة إلى مسألة التصويت في الأمم المتحدة، لكنه يحاول احتواء الموضوع.
ربط القول بالفعل؟
كيف كان صدى كلمات الساسة المشاركين على المجتمعين؟ يقول باشا لوبارسكي إنه إذا داومت على القسم بعدم تكرار ما حدث لليهود في هذا البلد مرة أخرى، عليك أن تتصرف وفقاً لذلك. وهو ممتن للتعاون مع سلطات شرطة برلين. لكن حجم المظاهرات في الشوارع الألمانية يقلقه.
أما دورون روبين فيعلق على عبارات التضامن: “السياسيون يقوون أنفسهم قليلاً. ربما يخفون أيضاً عجزاً معيناً. ولكن السؤال يبقى: ماذا يمكنك أن تفعل بشأن معاداة السامية في الشارع؟”.
سيواصل دورون روبين وباشا لوبارسكي السير في الشارع إلى الكنيس مرتديين القلنسوة اليهودية. “لا يمكن لأي سياسي أن ينزع عنا حالة عدم اليقين هذه”.
أعده للعربية: خالد سلامة