أسباب العزوف العربي عن تحالف حماية الملاحة بالبحر الأحمر؟

0


قبل أيام، خرجت الولايات المتحدة لتعلن عن تدشين تحالف بحري لحماية الملاحة والسفن التجارية في البحر الأحمر فيما انضمت عشر دول في بادئ الأمر إلى التحالف وسط غياب عربي بارز.

ومنذ منتصف الشهر الماضي، تشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات صاروخية وبمسيرات في مسعى لاستهداف السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. وقال المسؤول الحوثي محمد البخيتي على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) إنه “حتى لو نجحت أمريكا في حشد العالم كله فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقف إلا بتوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لسكانها المحاصرين مهما كلفنا ذلك من تضحيات”.

وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال دانيال غيرلاخ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وقضايا الإرهاب، “العداء لإسرائيل أحد مبررات الوجود الاستراتيجي للحوثيين؛ رغم أن الواقع لا يشير إلى وجود صراع إقليمي مباشر بينهم وبين إسرائيل”. وأضاف “يرغب الحوثيون في أن يظهروا للعالم الإسلامي والعربي بأكمله بأنهم يؤازرون الفلسطينيين”.

يشار إلى أنه في 19 من نوفمبر / تشرين الثاني، قام الحوثيون بخطف سفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر بالتوازي مع مهاجمة سفن أخرى بمسيرات حيث شهد مضيق باب المندب الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر، معظم هذه الوقائع.

الجدير بالذكر أن المضيق يبلغ عرضه نحو 32 كيلومتراً عند أضيق نقطة فيما يسمح للسفن بالوصول إلى قناة السويس التي تعد أقصر طريق بين أوروبا وآسيا.

وعلى وقع هذه الهجمات، قررت العديد من كبرى الشركات الابتعاد عن المضيق والإبحار صوب “رأس الرجاء الصالح” حول قارة أفريقيا لتفادي المرور عبر البحر الأحمر.

وجرى إطلاق اسم “حارس الازدهار” على التحالف البحري الذي أعلنت الولايات المتحدة تدشينه قبل أيام مع دعوة انخراط كافة الدول الأعضاء الـ 38 في تحالف ما يُعرف بـ “قوة المهام المشتركة ” المنوط بها مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

وأعلنت تسع دول الانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة هي البحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وأسبانيا وسيشيل والمملكة المتحدة، لكن مدريد أثارت الجدل بعد أن نفت انضمامها إلى التحالف فيما أعربت فرنسا عن قلقها إزاء تأثير انضمامها على العمليات الأخرى.

وقالت الحكومة الإيطالية إن السفن التابعة للشركات الإيطالية سوف تظل تحت القيادة الإيطالية، بيد أن النقطة التي أثارت الكثير من الجدل تمثلت في غياب عربي بارز عن الانضمام إلى التحالف إذ كانت البحرين الدول العربية الوحيدة التي انضمت إليه.

الجدير بالذكر أن البحرين هي مقر الأسطول الأمريكي الخامس الذي يرتكز نشاطه في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، مروراً بالمحيط الهندي وبحر العرب.

مصر الخاسر الأكبر

تمثل قناة السويس مصدر دخل قومي هام لمصر؛ إذ تدر إيرادات تبلغ عشرة مليارات دولار في العام.

يُذكر أن القوات البحرية المصرية تولت قيادة “قوة المهام المشتركة – 153” أواخر العام الماضي حيث أكدت في حينه أن القوة تعد “أحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات بكافة أنماطها”.

وسوف تعمل قوات “حارس الازدهار” تحت لواء قيادة “قوة المهام المشتركة – 153”.

ورغم أنه من المحتمل أن تتكبد مصر خسائر مالية ضخمة بسبب تداعيات  هجمات الحوثيين  على قناة السويس، إلا أن القاهرة لم تقرر الانضمام إلى التحالف البحري الجديد فيما عزا الخبراء ذلك إلى قرب مصر من الصراع وحساسية هذه القضية في العالم العربي بشكل عام.

ماذا عن السعودية؟

وانضمت السعودية إلى تحالف “قوة المهام المشتركة – 153″، لكنها مؤخراً شرعت في محادثات سلام مع الحوثيين وتقارب مع إيران، الداعم الأكبر لجماعة الحوثي.

ويقول خبراء إن الرياض لم تنضم إلى  التحالف البحري  الجديد بسبب قلقها أن تلقى الخطوة بظلالها على مستوى التقارب مع الحوثيين والإيرانيين في الوقت الراهن، فضلاً عن مخاوف من أن يقدم الحوثي على استهداف مستودعات النفط السعودية مرة أخرى في تكرار لما حدث عام 2019.

وكان الحوثيون قد هددوا بمهاجمة السفن السعودية والإماراتية في حالة انضمام الرياض وأبوظبي إلى التحالف البحري الجديد.

البحر الأحمر ـ سفن حربية أمريكية
التردد السعودي في المشاركة في التحالف البحري لمواجهة الحوثيين يعود لعدة أسبابصورة من: U.S. Navy/abaca/picture alliance

الإمارات الأكثر تشدداً تجاه الحوثيين

وفيما يتعلق بالإمارات، يرى الخبراء إن أبوظبي تعد العاصمة العربية الراغبة في تبني موقف أكثر تشدداً ضد الحوثيين من كل النواحي رغم عدم انضمامها التحالف البحري بقيادة واشنطن.

وفي مقال نشرته بلومبرغ، قال الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأمريكية، جيمس ستافريديس، إن الإمارات والسعودية “لديهما وجهات نظر مختلفة حول كيفية التعامل مع أزمة الحوثيين حيث تدعو الإمارات إلى عمل عسكري قوي ضد المتمردين (الحوثيين)، في حين تريد الرياض نهجا أكثر اعتدالاً”. وأضاف “يتعين على (الدول الأخرى) إقناع الجانبين السعودي والإماراتي بتنحية خلافاتهما جانباً”.

ونقلت صحيفة “لوريان لو جور” عن إليونورا أرديماني، الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، قولها إن الإمارات المحت في مايو/أيار الماضي إلى رغبتها في الانسحاب من القوة العسكرية المشتركة المتعددة الجنسيات، رغم عدم ترجمة ذلك على أرض الواقع.

وأوضح أرديماني أن الإمارات “غير راضية عن  التعاطي الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط والذي وصفته بالضعيف في السنوات الأخيرة، ومازالت الإمارات تؤيد الرد الصارم الذي يهدف إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين وتقليل تهديدهم للملاحة لأن أبو ظبي على النقيض من الرياض لم تنخرط في مفاوضات ثنائية (مع الحوثيين)”. وأضافت الباحثة أن الخوف من شن الحوثيين هجمات على حقول النفط الإماراتية قد يكون مبعث قلق آخر.

مصر ـ توسيع قناة السويس
يمر  ما بين 10 إلى 15% من إجمالي التجارة العالمية عبر قناة السويسصورة من: Hicazi Özdemir/CHROMORANGE/IMAGO

المخاوف من إغضاب الشعوب العربية

وقال محللون إن القاسم المشترك في رفض الدول الثلاث –  مصر والسعودية والإمارات – للانضمام إلى التحالف البحري الجديد يكمن في قلقها من أن يُنظر إليها على أنها تدافع ضميناً عن إسرائيل، خاصة وأن استطلاعات الرأي تظهر أن القضية الفلسطينية مازالت محورية لدى شعوب المنطقة.

وفي تعليقه، قالت كاميل لونز، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الولايات المتحدة “شجعت في السنوات القليلة الماضية التعاون بين إسرائيل ودول الخليج من أجل مكافحة النفوذ الإيراني، لكن الحرب الدائرة في غزة تعني أن هذا الشكل من التعاون الأمني في البحر الأحمر من غير المرجح حدوثه في أي وقت قريب”. وأضافت “دول الخليج مثل السعودية غير مستعدة الآن للمضي قدماً في  التطبيع الإسرائيلي”.

واللافت في قضية التحالف البحري الجديد أن هناك تسع دول أخرى أعلنت الانضمام، لكنها لم تكشف ذلك علناً حتى الأن، بحسب مصادر أمريكية.

ورداً على سؤال عن عدم مشاركة السعودية والإمارات في التحالف، قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض “أترك كل دولة عضو، سواء أرادت الإقرار بذلك أم لا، أن تتحدث هي عن نفسها”. وقال كيربي لاحقاً، دون إشارة مباشرة إلى أي من البلدين، “هناك بعض الدول وافقت على المشاركة وعلى أن تكون جزءاً من هذا لكن… لها أن تحدد رغبتها في مدى علنية ذلك”.

أعده للعربية: محمد فرحان

(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
اضف تعليق
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.