رحلات هجرة النساء والأطفال نحو أوروبا محفوفة بخطر الاغتصاب
مينا*، أم لثلاثة أطفال تبلغ من العمر 32 عامًا، فرت من العنف في أفغانستان لتعيش حياة جديدة في بلغاريا. ما لم تتوقعه بعد الوصول إلى أوروبا هو أنها ستواجه نوعاً آخر من العنف، المتمثل في سوء المعاملة من زوجها.
كان زوج مينا يضربها دائما، وهو ما لم تعد تتحمله نهائيا، مما دفعها في نهاية المطاف إلى طلب المساعدة من منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في بلغاريا. وقد قررت منظمةMission Wings مساعدة مينا للحصول على وضع إنساني رفقة أطفالها لدى الوكالة الحكومية البلغارية لشؤون اللاجئين. لقد انفصلت عن زوجها الذي يسيء معاملتها وتقيم الآن في ألمانيا. لكن هذا الحظ لم يحالف كل النساء والفتيات الأخريات ممن يعانين في صمت.
تعتبر قصة مينا نموذجا فقط عن قصص نساء مهاجرات كثيرات يقمن برحلات خطيرة للوصول إلى أوروبا، وأثناء انتظارهن الحصول على حق اللجوء في المخيمات وما بعد إعادة التوطين في بلد جديد.
طريق كفاح طويل قبل الحصول على الدعم الاجتماعي!
تقول ديانا ديموفا، رئيسة منظمة Mission Wings، إن مصدر قلقها الأكبر هو أن العديد من النساء اللواتي يأتين إليها طلبا للاستشارة، لا يدركن أن ما يُرتكب ضدهن هو إساءة، أو أنهن يشعرن بالخجل الشديد من التحدث علنًا، أو يخشين من أن يؤدي ذلك إلى عواقب. وأكدت المتحدثة أنه “عادة ما يستغرق الحديث عن الصدمة وقتا طويلا، وفي أغلب الأحيان، عندما تشعر المرأة بالتهديد، فإنها تطلب المساعدة”.
وأضافت ديموفا أن”الممارسات التي نواجهها في عملنا تتعلق بالعنف الجسدي، والزواج القسري، الذي يتضمن بعضه الاتجار بالأطفال ختان الفتيات القاصرات والاستغلال الجنسي”. موضحة أنهم “يتعرضون لتمييز شديد بسبب أصلهم، وخاصة الأشخاص من أصول شرق أوسطية أو أفريقية، إذ لا تزال الخدمات الاجتماعية غير متوفرة للاجئين، وغالباً ما يُحرم اللاجئون من الوصول إليها”. كما أن الحواجز اللغوية تزيد من تعقيد العملية.
مهربو البشر هم الحلقة الأولى في منظومة الفساد الذي تروح ضحيته النساء والأطفال خاصة والمهاجرون وطالبي اللجوء عموما، يتم شحنهم في زوارق متهالكة أو سيارات مهترئة، وينامون في الغابات ويعبرون الحدود عبر طرق غير قانونية بتنظيم عصابات.
ديموفا سبق أن سمعت فصصا تؤكد هذا الأمر، إذ تقول “لدينا حالات لنساء تعرضن للعنف الجنسي في طريقهن إلى بلغاريا على أيدي عصابات الاتجار بالبشر أو ضباط الشرطة في تركيا، حسب ما يروينه”. وأكدت في تصريحاتها لمهاجر نيوز أن “بعض النساء دفعن ثمن رحلتهن إلى أوروبا عبر ممارسة الجنس بسبب نقص الإمكانيات المالية”، مؤكدة أن معظم حالات الاغتصاب والإساءة لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف من العار المجتمعي.
وفقًا لأرقام المفوضية الأوروبية، فنسبة الرجال طالبي اللجوء(70.8 بالمئة) فاقت بكثير نسبة النساء (29.2 بالمئة) في عام 2022. ولكن في أغلب الأحيان، ينحدر الجناة من نفس المجتمع أي من نفس المجموعة العرقية، كما هو الحال في قصة مينا.
زهرة*، أم تونسية تبلغ من العمر 37 عامًا، هربت إلى تركيا بعد عدة سنوات من المعاناة من الاستغلال الجنسي على يد زوجها السابق، الذي تمكن زوجها من تعقبها إلى تركيا، واختطفها وحبسها في شقة في العاصمة أنقرة. لمدة ثلاث سنوات، تعرضت للاغتصاب عدة مرات في اليوم من قبل رجال مختلفين كان زوجها يصطحبهم إلى الشقة. وقالت ديموفا لمهاجر نيوز “بعد صعوبات كبيرة، حصلت زهرة على اللجوء بعد رفض مبدئي من قبل وكالة اللاجئين البلغارية”.
تعمل ديموفا مع اللاجئين من مركز استقبال هارمانلي، بالقرب من الحدود البلغارية التركية. من داخل المخيم، تشتكي النساء المهاجرات من عنف شركائهن، إذ تقول “لقد اضطررنا لطلب المساعدة من الشرطة مراراً وتكراراً حتى تتمكن الضحايا من أخذ أطفالهن وممتلكاتهن الشخصية”. “نوفر المأوى لفترة قصيرة في مكان سري حتى تهدأ الضحية، ونحاول معًا بعد ذلك إيجاد حل مناسب للمستقبل”.
زينب* أم عراقية عازبة لطفلين، تبلغ من العمر 34 عامًا، بعد أن طلبت اللجوء في بلغاريا، وجدت شريكًا جديدًا من الجالية الكردية وحملت منه. وبعد وقت قصير من ولادتها، بدأ شريكها الجديد في ضربها، فساعدتها ديموفا عبر توفير مكان لها في ملجأ للنساء اللواتي يعانين من العنف المنزلي في العاصمة صوفيا.
خطر الاغتصاب داخل مخيمات اللاجئين!
كراسيمير كانيف، خبير في حقوق الإنسان ويدير لجنة هلسنكي البلغارية ومقرها صوفيا، يحذر من أن مراكز استقبال اللاجئين في بلغاريا يمكن أن تصبح أماكن للعنف وسوء المعاملة والإهمال. ويقول أيضًا إن حالات الاغتصاب ضد النساء المهاجرات في بلغاريا “أكثر استفحالا في مراكز الاستقبال” مقارنة بأماكن أخرى في البلاد (باستثناء الاغتصاب الزوجي).
وقال كانيف في تصريحات لمهاجر نيوز:”المخيمات لا تخضع لحراسة شديدة، نسبة الرجال والنساء داخلها غير متساوية، وهناك أعمال عنف واغتصاب”. عادة ما يرتكب الاغتصاب والعنف الجنسي من قبل مهاجر ضد آخر، غالبًا من نفس المجتمع أو المجموعة العرقية، ولكن أيضًا هناك حالات جناة من مجموعة عرقية أخرى. وحسب كانيف ” فالحكومة البلغارية لا تتخذ إجراءات جادة لحماية الفئات الضعيفة. لقد أثارنا هذه القضية المتعلقة بالأمن في المخيمات لسنوات عديدة ولم يتحسن الوضع”، مضيفاً أن الحكومة “لن تنكر ذلك، لكنها ستدعي أن الوضع قد تحسن”.
أطفال يهاجرون إلى أوروبا بمفردهم!
يواجه الأطفال المهاجرون إلى أوروبا أيضًا مخاطر كبيرة، ولا سيما القاصرين غير المصحوبين بذويهم. وفي بعض الحالات، يكون آباؤهم هم الذين دفعوهم للسفر إلى أوروبا بشكل غير قانوني، أحيانًا مع مهربي البشر أو مع أقاربهم أو أشخاص يتظاهرون بأنهم أقارب، وفقًا لحميد خوشسيار، الأخصائي الاجتماعي في منظمة Mission Wings في هارمانلي.
خوشسيار أوضح في تصريحات لمهاجر نيوز أن “بعض العائلات ترسل قاصرين غير مصحوبين لكونهم وسيلة للوصول إلى بلد آمن. بعد ذلك، يقوم القاصر غير المصحوب بإحضار بقية أفراد الأسرة بشكل قانوني”.
تتعرض بعض الأسر أيضًا للخداع من قبل عصابات الاتجار بالبشر، الذين يقنعونهم بأن أطفالهم سيكونون محميين أثناء الرحلة أو لا يدركون المخاطر التي تنطوي عليها. ويرى آخرون أن لم شمل أسر اللاجئين هو الطريقة الأقل تكلفة للهجرة والأسرع، حسب خوشسيار.
وأوضح المتحدث أن عمليات لم شمل الأسرة تكون أسرع عندما يكون عمر طالب اللجوء المعني أقل من 18 عامًا. ولكن عندما يبلغ هذا الطفل السن القانوني، يصبح تقديم طلب للسماح لوالديه أو أحد أقاربه بالانضمام إليه والاستقرار في بلغاريا أكثر صعوبة، وتستغرق العملية وقتًا أطول بكثير. وهذا يحفز بعض العائلات على الضغط على صغارهم للقيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا، وفقًا لخوشسيار.
كان أصغر اللاجئين الذين زارهم الأخصائي الاجتماعي سابقا تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عامًا. لكن في العامين الماضيين، تراوحت أعمار الأطفال الذين يطلبون اللجوء في بلغاريا بين 14 و15 عامًا، على حد قوله.
وصل خوشسيار نفسه إلى بلغاريا كلاجئ من إيران، حيث فر من الاضطهاد السياسي. أمضى 2019-2020 في مخيم للاجئين. يعرف جيداً المخاطر التي يعانيها الأطفال سواء تعلق الأمر بالعنف والاعتداء الجنسي، أو مخاطر الطبيعة، لأنه عاش رفقة بعضهم في مخيمات اللجوء عند وصوله إلى بلغاريا. وقال خوشسيار لمهاجر نيوز “كنت أسمع عن الاعتداء الجنسي على الأطفال وأيضا التهديد بالسكين من قبل مهاجرين آخرين لتسليمهم الأموال القليلة التي أحضروها معهم”.
حسب ماريانا توشيفا، رئيسة الوكالة الحكومية البلغارية لشؤون اللاجئين، حتى يونيو/حزيران 2023، يوجد 700 طالب لجوء في مركز هارمانلي لاستقبال اللاجئين، منهم 276 طفلا (81 قاصرا غير مصحوبين بذويهم)، غالبيتهم من سوريا.
مهاجر نيوز 2023