اتفاق ميناء بربرة – مكاسب إثيوبية ومخاوف من بؤرة نزاع جديدة
لا تزال أصداء مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا و”جمهورية أرض الصومال” غير المعترف بها، بشأن استخدام ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر تتردد في القرن الأفريقي وحتى خارجه.
الاتّفاق الذي وقّعه رئيس وزراء أثيوبيا أبيي أحمد مع زعيم أرض الصومال موسى بيهي عبدي، يمنح أثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر لمدّة 50 عاماً. وقال بيهي عبدي في بيان إن مقابل حصولها على منفذ إلى البحر، ستعترف إثيوبيا رسميًا بأرض الصومال. لكن الحكومة الإثيوبية لم تؤكد ذلك.
وفقدت إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، قدرتها على الوصول إلى البحر عندما انفصلت إريتريا وأعلنت استقلالها في عام 1993.
وحافظت إثيوبيا على وصول هش إلى ميناء في إريتريا حتى دخل البلدان في الحرب في الفترة 1998-2000. ومنذ ذلك الحين، قامت إثيوبيا بنقل معظم تجارتها عبر جيبوتي حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر أديس أبابا-جيبوتي، وفقًا للبنك الدولي.
مكاسب اثيوبية متعددة
يقول ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية إن مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا، “سيمنح أديس أبابا منفذاً بحرياً سيوفر عليها الكثير من تكاليف استخدام موانئ دول أخرى، وسيكون مفيداً للغاية في التصدير والاستيراد لدولة بها 120 مليون نسمة، خاصة وأن استخدام موانئ جيبوتي أصبح مكلفاً بشدة”.
وأشار في حوار هاتفي مع المانيا اليوم عربية إلى أن “الأمر يكتسب أهمية مضاعفة مع انضمام إثيوبيا لمجموعة البريكس ما سيفتح الأبواب لتبادلات تجارية مع دول العالم”، مضيفاً أنه في المقابل ستحصل أرض الصومال أيضاً على مكاسب منها الحصول على نسبة في الخطوط الجوية الإثيوبية قد تتراوح بين 20 و 30 بالمائة كما ستدخل إثيوبيا في تطوير البنية التحتية للميناء بمشاركة الإمارات.
أما من النواحي الاستراتيجية، فيقول ياسين أحمد إن دخول دولة بحجم إثيوبيا في البحر الأحمر “سيؤهلها للعب دور في حماية الأمن الإقليمي”، وأضاف أن هناك قواعد عسكرية لدول مختلفة في المنطقة لحماية مصالحها “فإذا كانت هذه الدول تأتي من وراء البحار لعمل ذلك مع احترامنا وتقديرنا لمصالحها، فمن حق إثيوبيا أيضاً – والمعنية بحماية أمن المنطقة – أن يكون لها قوة عسكرية تحمي قوتها السياسية وتدافع عن مصالحها في هذه المنطقة”.
ونفى أن يكون في الأمر أي نوع من التوسع أو التهديد للآخرين “فكل دول المنطقة تحتاج إلى دور إثيوبي فعال، “وهو دور يأتي في إطار بناء تكامل إقليمي اقتصادي أمني عسكري، وحتى يمكن لإثيوبيا التعاون في مجال تأمين هذه المنطقة الحساسة وربما تدخل في تحالفات دولية إقليمية لحماية الأمن في القرن الأفريقي ومدخل البحر الأحمر، وبذلك يصبح الميناء الجديد أساس للسلام والاستقرار والتعاون بين الجميع ويعزز من الأمن الإقليمي والتجارة الدولية”.
واختتم حديثه بالقول إن المذكرة الموقعة حالياً قد تؤدي لاتفاق خلال شهر “لكن جمهورية الصومال اعترضت على الاتفاق، وأعتقد أن هذا خلاف صومالي- صومالي وشأن داخلي، وربما تساعد هذه المذكرة على الدفع إلى حوار بين الصوماليين إما بوحدة البلدين أو الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة”.
نقطة توتر إقليمية جديدة؟
أثار رئيس الوزراء الإثيوبي مخاوف في المنطقة في أكتوبر من العام الماضي عندما قال إن بلاده ستؤكد حقها في الوصول للبحر الأحمر. وأعرب المراقبون عن قلقهم بشكل خاص في ظل التوترات المستمرة مع إريتريا. ويخشى الآن أن تؤدي هذه الخطوة إلى صراع بين إثيوبيا والصومال.
ويقول خبراء إن إريتريا ومصر ستشعران بالقلق أيضًا من وجود إثيوبيا البحري الكبير في البحر الأحمر وخليج عدن الاستراتيجيين، بحسب ما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وفي جيبوتي، التي تتقاضى من إثيوبيا حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً لاستخدام موانئها، يقول المراقبون إن فقدان هذا الدخل قد يؤدي إلى عدم استقرار حكومة الرئيس إسماعيل عمر جيله، الذي استفاد من هذا التدفق النقدي خلال أكثر من عقدين من توليه منصبه.
في هذا الإطار، تقول الدكتورة أماني الطويل الباحثة المتخصصة في الشؤون الأفريقية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن موضوع الميناء لا يؤثر كثيراً على مصر والسودان بقدر ما هو مؤثر على الأمن والسلم في القرن الأفريقي، موضحة أن الأمر يعد سابقة أن يتم الاعتراف بدولة مقابل الحصول على ميناء بحري من جانب دولة أخرى.
وأضافت خلال حوار هاتفي مع المانيا اليوم عربية أن “وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر في هذا الوقت الذي يشهد فيه باب المندب توتراً شديداً بسبب ما يفعله الحوثي وما يمثله من تهديدات أمنية وفي ضوء سلوكيات إثيوبيا “الصراعية” في منطقة القرن الأفريقي وسد النهضة يمكننا أن نتفهم طبيعة تحركاتها الإقليمية وطبيعة تحالفاتها وأداءها بشكل عام”.
واستدلت على ذلك بلقاء آبيي أحمد مع أعضاء البرلمان الإثيوبي وأنه قال “إن كان هناك من يريد أن يشاركنا في نهر النيل فلماذا لا نشاركهم في البحر الأحمر، وهو ما يوضح طبيعة الأداء الإثيوبي حيال القضايا الإقليمية”.
وقالت إن البحر الأحمر توثر فيه سياسيات الدول على مصر والسودان بشكل خاص لكن الأداء الإثيوبي مؤثر بشكل أكبر على القرن الأفريقي، “وبهذا يكون التحرك الإثيوبي للوصول للبحر الأحمر له التأثير الأهم على منطقة شرق أفريقيا والصومال ومضيق باب المندب، لكن لا يوجد تهديدات مباشرة لمصر والسودان”، مضيفة أنه “على المستوى الجيوسياسي يجب ملاحظة تعاظم قدرات إثيوبيا وخصوصاً محاولتها تكوين قوة عسكرية بحرية”.
سيطرة على مدخل البحر الأحمر؟
ويرى اللواء أمين إسماعيل مجذوب الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي السوداني أن “الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال يشمل وجود أسطول بحري إثيوبي وهو ما قد يتيح لأديس أبابا في وقت ما الهيمنة على مداخل ومخارج المنطقة البحرية”.
وقال خلال حوار هاتفي مع المانيا اليوم عربية إن “إثيوبيا من خلال هذا التواجد البحري وعبر تحالفاتها مع دول أخرى ذات تحركات مقلقة في المنطقة، ستحاول الهيمنة على دول القرن الإفريقي بصور مختلفة”.
ويرى اللواء مجذوب أن “ميناء بربرة يؤثر على الدول الأخرى التي تقدم خدمات الموانئ للسفن المتجهة إلى قناة السويس، وهناك حرب تدور الآن بين دول المنطقة بخصوص هذه المسألة خاصة وأن هذا الميناء قد يؤدي لخصم نسبة من حصص الموانئ الأخرى التي تقدم هذه الخدمات للسفن المارة بقناة السويس وهذا جانب اقتصادي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً”.
وأضاف الخبير السوداني أنه من “خلال الإطلالة البحرية لإثيوبيا على البحر الأحمر وبمسافة نحو 20 كيلومتراً بحسب ما تسرب فإنها ستتمكن من إقامة قاعدة عسكرية بحرية بل والتعاون مع دول أخرى معادية للحوثيين، خاصة الدول التي تود أن يكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة الحساسة والتي يوجد فيها نحو 1500 جزيرة استراتيجية يمكن لإثيوبيا التواجد في بعضها بدعوى محاربة القرصنة أو لمنع استهداف الناقلات التجارية سواء من جانب الحوثي أو الفصائل الصومالية المختلفة”.
واختتم حديثه بالقول إن “كل ذلك سيصب في صالح إثيوبيا التي تريد أن تكون شرطي المنطقة وتنمي علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات التي دخلت في شراكات متعددة معها”.