هل يكبح الغرب أوكرانيا في تصديها للغزو الروسي؟
بعد القصف المكثف الذي تعرضت له المدن الأوكرانية من قبل روسيا في بداية العام، تجددت الدعوات في ألمانيا لتسليمإلى كييف. وقالت رئيسة لجنة الدفاع في البوندستاغ، خبيرة الدفاع في الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، ماري أغنيس شتراك-زيمرمان، الجمعة (الخامس من كانون الثاني/ يناير 2024)، لصحيفة “راينيشه بوست”: “يجب على ألمانيا تسليم الصواريخ من أجل قطع خطوط الإمداد الروسية”. والمقصود هنا هو صاروخ كروز متوسط المدى من طراز توروس.
وجدد متحدث باسم الحكومة موقف برلين من هذا الأمر يوم الأربعاء. ويرفض المستشار أولاف شولتس تسليم الصواريخ بزعم أنه يزيد من خطر “التصعيد” و”تورط” ألمانيا في الحرب.
ويمكن استخدام صاروخ توروس الذي يصل مداه إلى 500 كيلومتر، ضد أهداف في عمق الأراضي الروسية. ومع ذلك، فإن كييف مستعدة للتعهد بعدم القيام بذلك.
هل تنتظر برلين واشنطن؟
وتتلقى أوكرانيا الأسلحة ذات المدى الأطول، حوالي 250 كيلومتراً، من المملكة المتحدة وفرنسا منذ ربيع عام 2023. باستخدام هذه الصواريخ، التي تسمى Storm Shadow باللغة الإنكليزية، وScalp EG بالفرنسية، يمكن لأوكرانيا مهاجمة أهداف أبعد من الجبهة في الأراضي المحتلة في دونباس وشبه جزيرة القرم، بما يعني نقل الحرب إلى داخل العمق الروسي. وتنص شروط تسليم تلك الأسلحة على عدم جواز قصف الأراضي الروسية بها. ولكن يبدو أن هذا التعهد غير كاف بالنسبة لبرلين.
يقول نيكو لانغه، الخبير في “مؤتمر ميونيخ للأمن”، لـ المانيا اليوم: “يبدو لي أن المستشار شولتس لن يسلم صواريخ توروس لأوكرانيا إلا إذا قدمت الولايات المتحدة سلاحاً مماثلاً”. يمكن أن تكون هذه صواريخ ATACMS، وهي صواريخ باليستية يصل مداها إلى حوالي 300 كيلومتر. مع العلم أنه في خريف عام 2023، سلمت الولايات المتحدة صواريخ ATACMS برؤوس حربية عنقودية يصل مداها إلى حوالي 160 كيلومتراً إلى أوكرانيا.
قبل عام مضى، عندما دار النقاش حول تزويد أوكرانيا بدبابات قتالية حديثة، حدث نفس الشيء: لم توافق ألمانيا إلا بعد أن فعلت واشنطن ذلك. ويقول نيكو لانغه إنه يأمل أن يتم اتخاذ هذا القرار “قريباً” في برلين وواشنطن فيما يتعلق بالأسلحة متوسطة المدى.
ومن مميزات صواريخ توروس قدرتها على تدمير المخابئ والجسور. وقد يكون جسر القرم أحد هذه الأهداف ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة. ولكن حتى الآن لم تهاجم القوات المسلحة الأوكرانية الجسر الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم بأسلحة غربية، رغم أن جزءاً كبيراً من هذا الجسر يقع على أراض يعترف القانون الدولي بتبعيتها لأوكرانيا.
كييف التزمت بكلمتها
منذ بداية الغزو الروسي، اشترط الغرب عدم جواز استخدام الأسلحة التي يقدمها لمهاجمة الأراضي الروسية المعترف بها دولياً. ووافقت كييف على ذلك والتزمت بكلمتها حتى الآن: سواء تعلق الأمر بهجمات الطائرات بدون طيار على موسكو، والتي لم تعلن كييف مسؤوليتها عنها بشكل رسمي، أو الهجمات البحرية الأوكرانية على السفن الروسية في نوفوروسيسك، التي من الواضح أن أوكرانيا أدخلت تحديثات خاصة بها لهذا الغرض. والأمر نفسه ينطبق على الهجمات التي شنتها القوات الأوكرانية على أهداف في مدينة بيلغورود الروسية بداية العام.
لم تقع سوى حالات قليلة خرقت فيها كييف الاتفاق واستهدفت الأراضي الروسية بأسلحة غربية. على سبيل المثال، أفادت مصادر روسية وأوكرانية، في 13 أيار/ مايو 2023، بإسقاط أربع طائرات مقاتلة ومروحيات روسية في منطقة بريانسك على الحدود مع أوكرانيا. وحامت شكوك في أن القوات المسلحة الأوكرانية استخدمت نظام الدفاع الجوي الأمريكي باتريوت.
في نفس الوقت تقريباً، قبل وقت قصير من الهجوم الأوكراني المضاد في الصيف، دخل مقاتلون من “فيلق الحرية الروسي” و”فيلق المتطوعين الروسي” إلى منطقة بيلغورود الروسية من أراضي أوكرانيا. وهذه مجموعات شبه عسكرية تدعي أنها روسية وتعارض بوتين. وفي عمليتهم في بيلغورود، استخدموا الأسلحة الغربية والمركبات المدرعة الغربية الخفيفة، الأمر الذي أثار انتقادات من شركاء أوكرانيا. ولا توجد حالات أخرى معروفة من هذا القبيل.
الغرب لا يريد “استفزاز” روسيا؟
صرح القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوشني، مراراً وتكراراً أنه لتحقيق النصر من المهم والضروري مهاجمة وإيقاع القتلى بصفوف الجيش الروسي على أراضيه. وأضاف في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست في تموز/ يوليو 2023: “إذا كان شركاء أوكرانيا خائفين من استخدام أسلحتهم، فسنقتل بأسلحتنا”.
ويقول الخبير العسكري في كييف سيرهي هرابسكي لـ المانيا اليوم إن أوكرانيا تمتلك حالياً “عدداً قليلاً جداً من الصواريخ الغربية التي يمكن استخدامها في الهجمات التي لا يمكن أن تغير أي شيء في ساحة المعركة”. ويتابع: “إن الأسلحة الموردة من الغرب أكثر فعالية ضد الأهداف التكتيكية الموجودة بشكل أساسي في الأراضي المحتلة في أوكرانيا. وفقط عندما يكون هناك المئات، لا العشرات، من الصواريخ الغربية، فقد يكون من المفيد من الناحية العسكرية التفكير في استخدامها ضد أهداف في منطقة بيلغورود، على سبيل المثال”.
ويعرب سيرهي هرابسكي عن تفهمه لموقف ألمانيا والغرب: “شركاء أوكرانيا غير مستعدين في الوقت الحالي للتصدي لأي هجوم روسي على دول حلف شمال الأطلسي. ولذلك، فإنهم لا يريدون استفزاز القوة النووية الروسية”.
“لأوكرانيا الحق في الدفاع عن نفسها”
ووفقاً لماركوس رايزنر، المؤرخ والعقيد في هيئة الأركان العامة للجيش النمساوي، “فإن خوف العديد من الدول الغربية مرده إلى الأنانية الخالصة؛ إذ يطمح البعض للعودة إلى ما قبل الغزو الروسي وعقد صفقات مربحة مع موسكو”، بيد أنه يتابع أن تلك الأيام “ولت من غير رجعة”. ويرى في حديث مع المانيا اليوم أن الغرب بذلك يحرم بشكل غير مباشر أوكرانيا من الحق في الدفاع عن أراضيها المعترف بها بموجب القانون الدولي.
وبحسب ماركوس رايزنر، فإن القوات المسلحة الأوكرانية تقوم بعمليات خاصة على الأراضي الروسية منذ فترة طويلة. ومن المرجح أن تظهر هجمات الطائرات بدون طيار للشعب الروسي أن “الحرب لا تدور رحاها في مكان بعيد (عنهم)”. ويعترف الخبير بأنه من الصعب تجنب سقوط ضحايا من المدنيين، ولكن مقارنة بما تفعله روسيا نفسها، فإن أوكرانيا تتسبب بوقوع أعداد قليلة جداً من المدنيين: “أطلق الروس أكثر من 500 صاروخ في غضون أيام قليلة ونفذوا هجمات بطائرات بدون طيار”. ويتابع انتقاده لحلف شمال الأطلسي: “كيف كان رد الغرب؟. بعض جمل جوفاء وإعلانات نوايا”.
أعده للعربية: خالد سلامة