ألمانيا وجنوب شرق آسيا .. مصالح مشتركة ومواقف سياسية متباينة
أجرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مباحثات مع نظيرها الماليزي محمد حسن في كوالالمبور نهاية الأسبوع الماضي في اليوم السادس من جولتها بين بلدان الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
ورغم أن غزة تبعد نحو 7600 كيلومتر عن ماليزيا، إلا أن الحرب بين إسرائيل وحماس أخذت حيزا كبيرا من المباحثات فيما قالت بيربوك إنها ترغب في معرفة وجهة نظر ماليزيا – الدولة الآسيوية ذات الأغلبية المسلمة – حيال الصراع الدائر، لكن مع توضيح الموقف الألماني.
ويبدو أن التباين بين الموقفين الألماني والماليزي كان جليا إذ ذكرت بيربوك للصحافين الألمان أن معظم الماليزيين لا يعرفون أن حماس مازلت تحتجز حوالي 130 رهينة في غزة بعد هجومها الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
وعقب مباحثاتها مع وزير الخارجية الماليزي، قالت بيربوك إن “أصغر الرهائن قد أكمل عامه الأول للتو”.
الجدير بالذكر أنه لا توجد علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وماليزيا فيما أعربت الأخيرة عن دعمها للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتي تتهم فيها إسرائيل بـ”ارتكاب إبادة جماعية” وهو ما تنفيه تل أبيب.
ولم تنأى كوالالمبور بنفسها عن حماس إذ ما زالت تعتبرها حركة “مقاومة مشروعة” فيما تشير تقارير إعلامية إلى وجود اتصالات وثيقة بين رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم وبعض قادة حركة حماس، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ألمانيا ومساعي تحقيق التوازن
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال النائب الألماني يورغن هاردت، الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة، إن برلين يجب أن توضح للدول ذات الأغلبية المسلمة “أن إسرائيل تعد الحليف الأقرب لألمانيا في الشرق الأوسط”.
وكانت زيارة بيربوك إلى ماليزيا الأولى لوزير خارجية ألماني منذ زيارة يوشكا فيشر عام 2005 فيما تنامت العلاقات الاقتصادية بين البلدين حتى أصبحت ماليزيا أحد أهم الشركاء التجاريين لألمانيا في منطقة جنوب شرق آسيا.
وركزت بيربوك خلال زيارتها على التأكيد بأن ألمانيا تدعم حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها، لكنها أكدت في الوقت نفسه على ضرورة وقف معاناة سكان غزة مع حث إسرائيل على التحلي بضبط النفس أكثر وحماية المدنيين الفلسطينيين.
وسلطت وزيرة الخارجية الألمانية الضوء على القصص التي سمعتها من شخصيات التقت بهم أثناء جولتها الشرق أوسطية.
وكانت بيربوك قد التقت مع أقارب رهائن إسرائيليين تحتجزهم حماس في غزة وأيضا تحدثت مع أطباء مصريين يعالجون مدنيين في غزة وأيضا فلسطينيين وقعوا ضحايا لعنف المستوطنين اليهود في الضفة الغربية. وألتقت بيربوك أيضا بموظفين يعملون مع منظمات إغاثة أممية على الجانب المصري من معبر رفح الحدودي حيث أشاروا إلى عدم وصول مساعدات كافية إلى القطاع رغم حاجة سكانه الماسة إلى ذلك.
جولات مكوكية
ورغم التباين بين المواقف، إلا أن الدول الآسيوية ذات الأغلبية المسلمة مثل ماليزيا، لا تعتبر الحرب بين إسرائيل وحماس بمثابة اختبار حقيقي لعلاقاتها مع ألمانيا، بحسب ما أشار إليه فيليكس هايدوك، الخبير البارز في الشؤون الآسيوية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضاف أن هذه الدول تقع “في منتصف منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي يعتبرها صناع السياسة الخارجية الألمانية مركزا للنمو الاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين فضلا عن أن المنطقة تشهد تنافسا بين الولايات المتحدة والصين”.
وأشار إلى أن التعاون الاقتصادي المتنامي مع ألمانيا يعد جزءا من استراتيجية بلدان جنوب شرق آسيا الرامية إلى تنويع العلاقات بعيدا عن الصين فيما ترتكن هذه البلدان إلى استراتيجيات التحوط حيث تتطلع إلى ألمانيا كشريك وسط التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين.
وركز اجتماع بيربوك مع نظيرها الفلبيني إنريكي مانالو حول سلوك الصين العدواني في بحر الصين الجنوبي حيث تطالب بكين بالسيادة على كل مياه البحر في تحد للقرارات الدولية.
وخلال زيارتها لمانيلا، أعلنت بيربوك عن تقديم مساعدات جديدة لخفر السواحل الفلبيني. ودعت الصين إلى التخلي عن السياسات التوسعية والالتزام بالقانون الدولي، بيد أن الرد الصيني جاء سريعا حيث حثت الدول الغربية إلى الابتعاد عن الشؤون الإقليمية.
وكانت زيارة بيربوك للفلبين الأولى لوزير خارجية ألماني منذ أكثر من عشر سنوات فيما لم تجد رأس الدبلوماسية الألمانية حاجة إلى توضيح موقف برلين من إسرائيل في مانيلا حيث كانت الأخيرة قد سارعت عقب السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي إلى إدانة هجوم حماس مع التعبير عن دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
التجارة في المقام الأول
وفي ذلك، قال فيليكس هايدوك، الخبير البارز في الشؤون الآسيوية بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التباينات في المواقف بين ألمانيا ودول جنوب شرق آسيا بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس تظل على “المستوى الكلامي” دون أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات التجارية والاستثمارية.
وأضاف أن الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة لم تكن عقبة رئيسية أمام تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا ودول جنوب شرق آسيا، مشيرا إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا كان قد أثار توترات حيث انتقدت برلين عدم إدانة فيتنام وماليزيا وإندونيسيا العدوان الروسي داخل أروقة الأمم المتحدة.
لكن الخبير في الشؤون الآسيوية قال إن الخلاف لم يقف عائقا أمام جولة بيربوك في جنوب شرق آسيا.
في المقابل، قال النائب الألماني يورغن هاردت، الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي ، أكبر أحزاب المعارضة، إن نتيجة جولة بيربوك لم “تكن مرضية” على مستوى تعزيز العلاقات التجارية.
وقال “إن القضية الهامة المتعلقة باتفاقيات التجارة الحرة ظلت مجرد قضية جانبية خلال هذه الرحلة. الحكومة الفيدرالية الحالية تفتقر إلى الوحدة ما يعيق عملها”.
بيد أنه في المقابل، يقول مراقبون إن الحكومة حرصت على تعويض الوقت الضائع من خلال جولات مكوكية شرع بها الكثير من الدبلوماسيين والساسة الألمان إلى بلدان جنوب شرق آسيا.
وفي هذا السياق، قال هايدوك إن منطقة جنوب شرق آسيا “تعد جزءا من العالم. وهناك مثل قائل إن “الحضور نصف المعركة” وأعتقد أن الكثير من صناع السياسة الخارجية في المنطقة يتحلون بنظرة واقعية وعملية بشأن كيفية إدارة الشؤون الدولية”.
وأضاف أن القضايا المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط والحرب الروسية في أوكرانيا مازالت هامشية في العلاقات بين ألمانيا وجنوب شرق آسيا إذ أن الأمر برمته ينصب على الصين والتجارة والاستثمار.
أعده للعربية: محمد فرحان