الخيار الأمني وتعاون دمشق.. معركة الأردن ضد تهريب المخدرات!
أقدم سلاح الجو الأردني على تكثيف غاراته ضد مهربي المخدرات والأسلحة عبر الحدود مع سوريا، إذ أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل تسعة أشخاص على الأقل في سلسلة الغارات الأخيرة.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال خبير بالشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية “لقد تصاعدت الأمور إلى مستوى مُقلق بالنسبة للمسؤولين الأردنيين حيث بدأ المهربون مؤخرا في تهريب الأسلحة والمتفجرات عبر الحدود مما أدى إلى زيادة التهديد الأمني في الأردن بشكل كبير”.
وفي ردها، اكتفت سوريا بإدانة الغارات الجوية الأردنية، إذ اعتبرت وزارة الخارجية السورية أنه “لا مبرر للضربات الأردنية على أراضيها، مبدية أسفها بشدة لتلك الضربات الجوية”. وشدد البيان على أن سوريا ترمي إلى احتواء الوضع “في إطار حرصها على عدم إثارة التوتر بين البلدين”.
وأثار البيان رد فعل غاضب من الأردن الذي أكد على لسان الخارجية أن تهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية إلى المملكة خطر يهدد “الأمن الوطني”.
وقالت الخارجية الأردنية في بيان لها: إن “الأردن زود الحكومة السورية خلال اجتماعات اللجنة المشتركة التي شكلها البلدان بأسماء المهربين والجهات التي تقف وراءهم، وبأماكن تصنيع المخدرات وتخزينها وخطوط تهريبها، والتي تقع ضمن سيطرة الحكومة السورية. إلا أن أي إجراء حقيقي لتحييد هذا الخطر لم يتخذ”.
محاربة تهريب المخدرات شرطة للعودة إلى الجامعة العربية
ويقول مراقبون إنه يتم تهريب مخدر الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون إلى السعودية وباقي دول الخليج، حتى باتت حبوب الكبتاغون التي تُعرف باسم “كوكايين الفقراء”، بمثابة المخدر المفضل بين الشباب في منطقة الخليج.
وقد دفع هذا الأمر السعودية إلى ممارسة الكثير من الضغوط على الأردن للحد من عمليات تهريب المخدرات من الحدود السورية.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال إدموند راتكا، مدير مكتب “مؤسسة كونراد أديناور” الألمانية في الأردن، إنه في حالة فشل الأردن في وقف عمليات تهريب المخدرات، فإن هذا سوف يدفع “السعودية إلى التلويح بتقييد حركة المرور عبر الحدود مع الأردن وستترتب على ذلك عواقب اقتصادية سلبية على الاقتصاد الأردني”.
وفي السياق ذاته، قالت كريسي ستينكامب، الأستاذة المشارك في جامعة أكسفورد بروكس في المملكة المتحدة، إن الأردن يشعر بقلق بالغ إزاء المخاوف من أن يتحول من مجرد بلد عبور إلى سوق مستهلك لمخدر الكبتاغون.
ويشير مراقبون إلى أن تزايد القلق حيال ارتفاع عمليات تهريب الأسلحة أيضا إلى الأردن في ظل استمرار الحرب بين إسرائيل وحماس.
ورسميا، تقول سوريا إنها قامت بتكثيف جهودها للحد من عمليات التهريب، حيث كان هذا المطلب جزءا لا يتجزأ من شروط عودة سوريا إلى الجامعة العربية في مايو / آيار الماضي بعد تعليق عضويتها منذ اندلاع الانتفاضة عام 2011.
وفي ذلك، قالت ستينكامب في حديثها إلى المانيا اليوم إن الأردن لعب “دورا فعالا في تسهيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن المحاولات الدبلوماسية لمحاربة تهريب الكبتاغون لم تؤت ثمارها بعد”.
تزايد شعبية الكبتاغون في الشرق الأوسط
وقال راتكا إنه يعتبر استراتيجية الأردن المزدوجة الحالية والتي تقوم على شقين، الأول هو التعاون مع النظام السوري، والثاني: شن عمليات عسكرية ضد شبكات التهريب. وهذه الاستراتيجية متناقضة لأن كيانات من النظام السوري متورطة في تحويل سوريا إلى ما يشبه “دولة مخدرات”.
ففي مارس / آذار الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب الرئيس السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج وتصدير منشط الكبتاغون.
وبعد ذلك بشهر، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على اثنين من أبناء عمومة الأسد بتهمة تهريب الكبتاغون، حيث ذكر التكتل الأوروبي في بيانه أن “تجارة الأمفيتامين أصبحت نموذجًا تجاريًا يقوده النظام وهذا يؤدي إلى إثراء الدائرة المقربة من النظام ويزوده بعائدات تساهم في قدرته على الاستمرار في تطبيق سياساته القمعية بحق المدنيين”.
ولا توجد أرقام رسمية توضح بالتفصيل مسار إنتاج حبوب الأمفيتامين في سوريا، لكن تقارير دولية تشير إلى ارتفاع وتيرة الإنتاج. إذ ذكر تقرير المخدرات العالمي لعام 2023 والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، بأن عمليات مصادرة الأمفيتامينات في الشرق الأوسط قد تضاعفت من حوالي 42 طنا عام 2020 إلى حوالي 89 طنًا عام 2021.
وبحسب تحقيق أجرته وكالة فرانس برس في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022 فإنّه خلال عشر سنوات من الحرب تغيّرت خارطة سوريا، فرُسمت خطوط جديدة ومعابر داخلية تفصل بين المناطق، لكنّ شيئاً واحداً وهو الكبتاغون بدا وكأنه عابر للتقسيم ولخطوط التماس وتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشرة مليارات دولار.
النجاح من خلال التعاون
ويقول مراقبون إن عمليات إنتاج الكبتاغون لا تصب في صالح الحكومة السورية فقط بل تمتد إلى جهات أخرى فاعلة، مما يجعل من الصعب الحد من إنتاجه والاتجار به. فعلى وقع الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد، باتت سوريا بمثابة “دولة ممزقة” إذ تسيطر المعارضة على مناطق في شمال شرق وشمال غرب البلاد فيما تتمتع روسيا وإيران بنفوذ سياسي في العاصمة دمشق وجنوب البلاد.
وفي تعليقه، قال خبير الشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية إنه “من المرجح أن تؤدي الغارات الأردنية خاصة في حال استمرارها إلى الحد من تهريب المخدرات على المدى القصير، لكن عمليات تهريب المخدرات والأسلحة سوف تستمر ما لم يتوصل الأردن إلى اتفاق مع النظام السوري وحليفته روسيا”.
وفي ضوء استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا منذ فبراير/شباط عام 2022، انخفض الوجود الروسي في جنوب سوريا قرب حدود الأردن وهو ما سمح بتعزيز نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران التي تعتمد على عمليات التهريب كمصدر دخل. ويقول راتكا “لقد أدى ذلك إلى ظهور شبكات إجرامية عابرة للحدود الوطنية تعمل خارج سيطرة الدولة السورية أو روسيا”.
بدوره، أضاف خبير مجموعة الأزمات الدولية أن نجاح الأردن في الحد من تهريب المخدرات والأسلحة قد يكون مرتبطا بالتعاون مع وكلاء (إيران) المحليين، لكنه شدد على أن هذا المسار يمثل السيناريو الأسوأ بالنسبة لسوريا.
وأضاف “مصدر قلق النظام السوري الرئيسي في ظل التصعيد الأخير يتمثل في احتمال نجاح الأردن في إنشاء قنوات اتصال مع المجتمعات المحلية في جنوب البلاد، لأن هذه المنطقة رغم أنها تحت سيطرة النظام، إلا أنها تتمتع بتاريخ طويل من المعارضة”.
يشار إلى أن “حركة رجال الكرامة” التي تعد أكبر فصيل عسكري في محافظة السويداء، جنوبي سوريا قرب الحدود مع الأدرن، قد أعلنت استعدادها للانخراط في “جهود التنسيق” مع الجيش الأردني وتبادل المعلومات من أجل مكافحة المخدرات.
وقد نقلت تقارير عن العقيد فريد القاسم قائد فصيل سوري معارض يُعرف باسم “جيش سوريا الحرة” و المتمركز بمنطقة التنف شرق سوريا، قوله إن التنسيق قد بدأ مع الجانب الأردني فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من الجانب الأردني.
أعده للعربية: محمد فرحان