عندما اندلعت الحرب بين القوات الحكومية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي قبل ثلاث سنوات، لم يكن لدى الشاب هافتوم كيداي أي خبرة عسكرية، حيث كان منخرطا في حياته المهنية. في مقابلة مع المانيا اليوم، يتذكر أيام القتال والمعارك، قائلا: “عندما اندلع القتال، دخلت القوات الإثيوبية والإريترية إلى تيغراي وبدأت في ارتكاب فظائع. وعقب ذلك، تلقيت تدريبات عسكرية وانضممت إلى القتال كحال شباب تيغراي”.
تعرض هافتوم البالغ من العمر 25 عاما، لإصابات شديدة في جبهات القتال ما تسبب بإصابته بشلل نصفي فيما يعيش حاليا في مركز رعاية عسكري بمدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا. وتشير التقارير المحلية إلى عدم حصول المحاربين الذين شاركوا في القتال على علاج مناسب.
وعلى الرغم من معاناته وجروحه، إلا أن هافتوم لا يساوره أي شعور بالندم لانخراطه في القتال، قائلا: “انضممت إلى القتال من أجل بلدي ومن أجل شعبي ومن أجل أنا شخصيا ولست نادما على التضحيات التي قدمتها. لقد فعلت ما كان يتوجب علي فعله”. وأضاف “لكن اليوم، أصبح الكثير مثلي معاقين، لذا لدينا الكثير من المطالب والاحتياجات، والأهم الآن هو حصولنا على العلاج. إذا خضعت للعلاج المناسب، فهذا ما أريده فقط ولا شيء آخر.”
وقد أسفرت الحرب التي بدأت في نوفمبر / تشرين الثاني عام 2020 واستمرت لعامين، عن مقتل نحو 600 ألف شخص وإصابة مئات الآلاف فيما تقدر الأمم المتحدة نزوح ما يقرب من 1.7 مليون شخص.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني العام الماضي، جرى توقيع اتفاق سلام في بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي. وقد تم ذلك بعد مفاوضات مكثفة قبل شهر من إبرام اتفاق “الوقف الدائم للأعمال العدائية” الذي مهد الطريق أمام إنهاء الحرب الأهلية في إثيوبيا.
وبعد توقيع الاتفاق، عادت مظاهر الحياة تدريجيا إلى مدينة ميكيلي التي توقف فيها سماع أصوات نيران المعارك، فيما قامت الحكومة برفع حصارها عن إقليم تيغراي. وخلال القتال الذي دام لأكثر من عامين، كانت الاتصالات في إقليم تيغراي مقطوعة، لكن بعد التوصل إلى اتفاق السلام عادت خدمات الاتصالات والانترنت فضلا عن عودة الأنشطة التجارية مع تدفق المساعدات الإنسانية التي كان سكان الإقليم الذي مزقته الحرب في أمس الحاجة إليها.
وعلى وقع ذلك، بات سكان المدينة ينعمون بالسلام والهدوء وهو ما أكدت عليه بيلين ميتيكو التي تعيش في ميكيلي,
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، أضافت إن “مجرد عدم سماع أصوات إطلاق النار أو المقاتلات و المسيرات يعد بمثابة نعمة”، مشيرة إلى أن اتفاق السلام ساهم في إعادة ربط إقليم تيغراي بالعالم الخارجي مع عودة الاتصالات ووسائل النقل. وفي ذلك، قالت “أصبحنا جزءا من العالم مرة أخرى بعد ثلاث سنوات من العيش في الظلام”.
الحاجة إلى مساعدات إنسانية
وأكدت ميتيكو على أنه رغم مرور عام على اتفاق السلام، فإن الإقليم مازال يعاني من نقص في الاحتياجات الأساسية، مضيفة “لم يتغير الكثير حيث مازال كثيرون يعيشون في ظلام، لكن الأهم من ذلك وضع إخواننا وأخواتنا ممن نزحوا بسبب القتال حيث مازالوا مشردين عن ديارهم لأكثر من أربع سنوات”.
وبالتزامن مع جهود مضنية تبذلها منظمات الإغاثة الدولية لمساعدة المحتاجين مع تفاقم الأوضاع في ظل تفشي الجفاف والكوليرا والملاريا حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن الوضع الإنساني لا يزال حرجا.
وتذهب التقديرات إلى القول بأن أكثر من مليون شخص ما زالوا نازحين فيما يحتاج 1.5 مليون شخص إلى مساعدات غذائية عاجلة.
تزامن هذا مع إطلاق الأمم المتحدة ناقوس الخطر إزاء استمرار ارتكاب فظائع بما في ذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال دانييل سيمونجوس، المحاضر في جامعة ميكيلي، إن الذكرى السنوية الأولى لاتفاقية بريتوريا ترافقها “مشاعر فريدة ومتباينة بين سكان تيغراي.”
وأضاف “مازالت معاناة النازحين تؤثر علينا جميعا، لكن الاتفاق بشكل عام جلب الكثير من التقدم خاصة عودة خدمات الاتصالات والإنترنت وتمكن الأطفال من الذهاب مجددا إلى المدارس وإعادة فتح مرافق الرعاية الصحية أبوابها واستئناف كافة وسائل النقل”. ورغم ذلك، يدعو الكثير من سكان تيغراي إلى التنفيذ الكامل لاتفاق السلام الموقع قبل عام.
ومن بين هؤلاء هاجوس تسفاي الذي اضطر إلى النزوح بسبب القتال ليعيش في الوقت الحالي بقرية إيروب قرب الحدود مع إريتريا والخاضعة لسيطرة الجيش الإريتري. وقال “منذ توقيع اتفاق السلام، فتحت البنوك أبوابها وعادت شبكة الاتصالات والكهرباء للخدمة، لكن في إيروب، لم يتغير شيء فيما مازالت القرية تحت سيطرة الجيش الإريتري”.
ضرورة تنفيذ اتفاق السلام بالكامل
وليس هاجوس الوحيد الذي يشعر بخيبة أمل إذ يشاركه في هذا الشعور الكثير من النازحين ومنهم جيبريسيلاسي كيدان الذي شردته الحرب من قريته في غرب تيغراي والتي تخضع الآن لسيطرة مسلحي أمهرة. وقالت “قبل ثلاث سنوات، عندما بدأت الحرب، اضطررنا إلى ترك منازلنا لإنقاذ حياتنا، لكن حياتنا الآن صعبة مع نقص الخدمات الأساسية خاصة المساعدات”.
بدوره، شدد تحالف منظمات المجتمع المدني في تيغراي على أنه لم يتم تنفيذ اتفاق السلام بالكامل رغم مرور عام على التوقيع، فيما قال يارد بيرها، رئيس الجمعية المدنية في تيغراي، في تصريح لـ المانيا اليوم إن “الحكومة الفيدرالية لم تف بكافة وعودها”.
من جانبه، دعا رضائي حليفوم، رئيس شؤون الاتصالات في الإدارة المؤقتة لمنطقة تيغراي، الحكومة إلى تحمل مسؤولية في إجبار القوات الأجنبية على الانسحاب من تيغراي مع ضرورة ضمان عودة النازحين إلى ديارهم التي شردوا عنها بسبب الحرب.
وأضاف “نتوقع أن تقدم الحكومة الفيدرالية على خطوات ترمي إلى إخراج جميع العناصر المسلحة التابعة لقوات الدفاع الإثيوبية في تيغراي،” مشددا على أن الاتفاق ينص على خروج مسلحي الأمهرة والجنود الإريتريين من الإقليم.
مليون هيلاسيلاسي/ م.ع