ظهر مصطلح الإبادة الجماعية لأول مرة لوصف فظائع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية. وبالتعريف هو محاولة القضاء على مجموعة معينة من الناس.
في عام 1943، صاغ المحامي اليهودي-البولندي رافائيل ليمكين المصطلح لوصف القتل المنهجي لليهود في ألمانيا النازية. فقد ليمكين جميع أفراد عائلته باستثناء شقيقه في الهولوكوست.
ومن هنا، عمل في سبيل الاعتراف بالإبادة الجماعية كجريمة بموجب القانون الدولي، مما مهد الطريق لاعتماد اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية في عام 1948، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1951.
وتعرف المادة الثانية من الاتفاقية الإبادة الجماعية بأنها أي فعل “يرتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة على أسس قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية”.
وبحسب تعريف الأمم المتحدة، تشمل هذه الأفعال: قتل البشر، وإلحاق الأذى الجسدي أو النفسي بهم، وتدهور ظروفهم المعيشية إلى حد يهدد حياتهم، ومنع الولادات في هذه الفئة السكانية، والإبعاد القسري للأطفال.
ما هي الجهة المخولة بالتقصي والمحاكمة؟
تنص اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية على أنه يمكن محاكمة ومعاقبة أي شخص بتهمة الإبادة الجماعية، بمن فيهم المنتخبون بطريقة ديمقراطية.
ظهر مصطلح الإبادة الجماعية لأول مرة لوصف فظائع الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية.
والمحكمة الجنائية الدولية هي المكلفة بالتحقيق في قضايا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وعقد المحاكمات بشأنها. ووفقاً لنظامها الأساسي، يمكن محاكمة أي شخص يرتكب جريمة الإبادة الجماعية أو يأمر بها أو يشارك فيها أو يحرض عليها. وهناك محكمة أخرى، وهي محكمة العدل الدولية في لاهاي، تتعامل مع النزاعات بين الدول ويمكنها أن تقرر ما إذا كانت الدول مسؤولة عن الإبادة الجماعية.
الإثبات ليس سهلاً
“في الحياة اليومية، يستخدم الكثير من الناس مصطلح الإبادة الجماعية بشكل فضفاض للغاية للإشارة إلى أكبر وأخطر الجرائم لأنه يبدو بطريقة ما أسوأ بكثير من جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية”، تشرح فاليري غابارد، خبيرة القانون الدولي في لاهاي، في مقابلة مع المانيا اليوم.
وتوضح قائلة: “لكن في السياق القانوني، فإن التعريف دقيق للغاية وغير فضفاض. تحديد الإبادة الجماعية لا يتعلق بالأرقام. المعيار الأكثر أهمية هو نية الإبادة الجسدية لمجموعة ما”.
ويشير الخبراء إلى أنه من الصعب إثبات هذه النية بسبب عدم وجود أدلة مباشرة في كثير من الأحيان. يقول ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي في “جامعة ميدلسكس لندن” و”جامعة ليدن”: “المشكلة في إثبات نية الإبادة الجماعية هي أنه من غير المرجح أن يقدم مرتكبو الجريمة اعترافاً مباشراً في المحكمة. ومن هنا يتعين على المحاكم أن تستنتج النية من سلوك المشتبه بارتكابهم الجرائم، والاعتماد على الأدلة الظرفية”.
المحاكمة تستغرق وقتاً
وعملت فاليري غابارد في المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بكمبوديا ورواندا ويوغوسلافيا السابقة. وتشير الخبيرة إلى أن محاكمة جرائم الإبادة الجماعية يمكن أن تستغرق الكثير من الوقت: “في قضايا الإبادة الجماعية، يكون عدد الضحايا كبير وتستغرق الجرائم وقتاً طويلاً للتحقيق؛ إذ لا يتعين إثبات توافر نية القتل، بل نية القتل لمجموعة من الناس لأنهم ينتمون إلى فئة معينة من البشر”.
اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم إبادة جماعية في أوكرانيا عام 2022.
هل هي إبادة جماعية أم لا؟
في السنوات الأخيرة، استخدم السياسيون بشكل متكرر مصطلح الإبادة الجماعية لوصف انتهاكات حقوق الإنسان في الصين وميانمار وسوريا والآن أوكرانيا. وبعد الفظائع التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا، اتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم إبادة جماعية في عام 2022.
وقبل ذلك بعام، اتهمت حكومات كل من الولايات المتحدة وكندا وهولندا الصين بارتكاب إبادة جماعية ضد الأويغور. كما اتهمت برلمانات العديد من البلدان الأخرى الصين بالأمر نفسه.
ويشير الخبراء إلى ثلاث جرائم إبادة جماعية اعترفت بها المحكمة الجنائية الدولية: رواندا، حيث قُتل ما يقرب من 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين في الإبادة الجماعية في عام 1994، ومذبحة سريبرينيتسا في عام 1995 بحق مسلمي البوسنة والهرسك، وعمليات القتل التي ارتكبها الخمير الحمر في كمبوديا في السبعينيات.
يشير خبراء إلى أنّ المحكمة الجنائية الدولية اعترفت بمذبحة سريبرينيتسا في عام 1995 بحق مسلمي البوسنة والهرسك كجريمة إبادة جماعية.
وبما أن الخمير الحمر قتلوا العديد من ضحاياهم بسبب وضعهم السياسي أو الاجتماعي، فلا يوجد إجماع حول ما إذا كان هذا يشكل بالفعل إبادة جماعية وفق تعريف الأمم المتحدة.
وفي عام 2010، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة الإبادة الجماعية بحق سكان إقليم دارفور.
ويؤكد ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي في “جامعة ميدلسكس لندن” و”جامعة ليدن”: “يبين القانون بوضوح شديد ما هي الإبادة الجماعية، لكن هناك محاولات لاستخدام مصطلح الإبادة الجماعية لأحداث لا تستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية، سواء فيما يتعلق بالأويغور في الصين أو الحرب في أوكرانيا”.
سونيا فالانيكار