يدعي الكرملين أن الولايات المتحدة الإمريكية مسؤولية عن الهجوم الإرهابي الذي نفذته حركة حماس، وهي المسؤولة عن التصعيد في الشرق الأوسط. في المقابل تدعي موسكو أنها تسعى للسلام وتفعل كل شيء من أجل إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. هذا هو الموقف الرسمي لروسيا منذ اندلاع الحرب في الشرق الأوسط.
لكن الحقيقة غير ذلك، يقول الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف في حواره مع المانيا اليوم. بالنسبة إليه الأمر واضح: روسيا مستفيدة من التصعيد الحالي المستمر بين إسرائيل وحماس، ومن مصلحتها أن يستمر هذا التصعيد. وعلاوة على ذلك، كلما ازداد خطر اتساع رقعة النزاع، سيسعد ذلك الكرملين، إذ أنه سيلحق الضرر بعدو روسيا الحقيقي أي الولايات المتحدة.
فالنزاع بالنسبة لأمريكا يشكل تحديا حقيقيا، إنه “نوع من الاختبار” لكل النظام الذي بنته خلال أعوام طويلة، ومحاولتها تحقيق التوازن بين إسرائيل والدول العربية: “روسيا ترقص فرحا الآن مع الصين ومستمتعة بالنظر إلى كامل الوضع”، يقول سليمانوف. وبالإضافة إلى ذلك من مصلحة الكرملين “أن تلتفت الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية إلى الشرق الأوسط، وليس إلى أوكرانيا، رغم إعلان واشنطن قدرتها على قيادة الحرب على جبهتين”.
كذلك يعتقد الباحث السياسي الروسي كونستانتين باخاليوك، أن موسكو سعيدة بحديث العالم عن إسرائيل وليس عن أوكرانيا، رغم أنه لا يستطيع فهم هذه السعادة: حيث يتعلق الأمر بحربين مختلفتين تماما.
“ماذا لديكم لتتهموا به روسيا؟”
في حواره مع المانيا اليوم يقدم باخاليوك، دليلين آخرين على أن الحرب في الشرق الأوسط لمصلحة فلاديمير بوتين. الأول: يمكن لروسيا أن توظف ذلك في آلتها الدعائية وإخافة شعبها بالقول “انظروا الكل يتهمنا ببدء الحرب في أوكرانيا. نحن سيئون جدا. وإسرائيل تتصرف الآن بشكل أسوأ. وأمريكا لا تستطيع أن تفعل أي شيء. وقريبا سيحترق كل الشرق الأوسط، وتعرفون كيف يمكن أن يحترق”. والرسالة هنا، هي أنه يمكن أن تندلع حرب أكبر في المنطقة، والمسؤول عن ذلك هو الغرب: “ماذا لديكم لتتهموا به روسيا؟ أخلاقيا، لا يستطيع أحد أن يتهمنا بشيء” هذا هو شعارهم.
الدليل الثاني، هو أن لدى روسيا الفرصة الآن لتستعرض قربها من العالم الإسلامي، يضيف باخاليوك. ولكن ليس لروسيا نفوذ واضح في المنطقة، لا في سوريا ولا في مصر أو إيران. ولم يبق لها سوى أن تقول للعالم إن هناك الكثير من المسلمين يعيشون في روسيا وكلهم يدعمون الفلسطينيين، رغم أن حركة حماس، التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية، لا ينبغي مساواتها مع الفلسطينيين.
تأثير الحرب على الاستقرار في روسيا
لكن للباحث السياسي والاقتصادي الروسي المقيم في النروج، ميخائيل كروتيتشين، رأي آخر لا يتفق مع باخاليوك. إذ يقول في حواره مع المانيا اليوم: إن الحرب في الشرق الأوسط ستلحق الضرر بروسيا. ويشير كروتيتشين في ذلك إلى الهجمات المعادية للسامية في العديد من الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة في روسيا، وعلى رأسها داغستان، حيث هاجم محتجون المطار حين حطت طائرة قادمة من تل أبيب. ويرى كروتيتشين أن ذلك إشارة واضحة إلى أن الكرملين يزداد ضعفا وأقل قدرة على ضمان الأمن في المنطقة، ويقول “أعتقد أن ذلك يؤثر بشكل سلبي جدا على الاستقرار السياسي في روسيا”. ويضيف بأن روسيا إزاء حوادث كهذه ستتصرف بحذر أكبر وعليها أن تحد من النبرة المعادية للسامية، لكي لا تزعزع الاستقرار في تلك الأقاليم.
ويرى كروتيتشين أن روسيا لم تحقق أي منافع سياسية أو اقتصادية من الحرب في الشرق الأوسط، غير أن أنها ستحصل على منفعة مادية إذا حصل ارتفاع كبير في أسعار النفط، وحصول موسكو على المزيد من الأموال. ولكن هذا لم يحصل بعد، بل على العكس يمكن لأسعار النفط أن تتراجع، إذ ليست هناك دولة منتجة للنفط مستعدة للوقوف إلى جانب الفلسطينيين وخوض الحرب معهم. والنفط مستمر بالتدفق من منطقة الخليج دون أي تغيير.
هل يمكن لموسكو أن تلعب دور وسيط سلام؟
فيما يتعلق بدور روسيا كوسيط سلام في نزاع الشرق الأوسط، فإن باخاليوك متأكد أن الزيارة التي قام بها مؤخرا وفد من حماس إلى موسكو، وانتقدتها إسرائيل بشدة، ليس لها أي أهمية في عملية السلام.
ويؤكد باخاليوك أن الأمر تعلق بالدرجة الأولى بالإفراج عن الرهائن الروس لدى حماس. وقد تم بحث ذلك في قطر أولا، ثم انتقلت المحادثات إلى موسكو، “وليس هكذا من دون سبب”. لكن هل تستطيع روسيا فعلا المساعدة من أجل تحرير الرهائن؟ إنه أمر مشكوك فيه حسب رأي الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف. إذ يجب التفاوض مع “لاعبين آخرين”. هذا ولا يعير سليمانوف أهمية كبيرة لزيارة وفد حماس إلى موسكو، ويقول “وفد حماس الذي زار موسكو ضم القيادة السياسية فقط. لكن المفاوضات تجري الآن مع الجناح العسكري لحماس. وهم هؤلاء الذين في غزة ويختبئون في الأنفاق تحت الأرض. ويحتجزون الناس كرهائن”. ووفقا لسليمانوف، فإن قطر ومصر وربما تركيا يمكن أن تصل إلى الجناح العسكري لحماس، و”روسيا ليس لديها هذا النفوذ”.
ويعتقد سليمانوف أن للكرملين أهدافه الخاصة الأخرى، من استعراض علاقاته مع حماس، “والأهم حسب رأيي هو أن بوتين يرى أنه قد أهين شخصيا من قبل بنيامين نتانياهو، الذي كان يعد صديقا له وقام بالعديد من الزيارات إلى موسكو وتمت دعوته لحضور الاحتفالات بعيد النصر”. وكان بوتين يأمل أن يدعمه نتانياهو في حربه ضد أوكرانيا، لكن لم يحصل ذلك. بل على العكس كانت هناك موجة تعاطف في إسرائيل مع أوكرانيا منذ بدء روسيا الحرب. وهذا ما لم يغفره بوتين لنتانياهو، والآن ينتقم من بلده (إسرائيل) حسب رأي سليمانوف. وآلة الدعاية الروسية تؤكد ذلك: ففي البرامج الحوارية التلفزيونية يمكنك ملاحظة فقط الشماتة تقريبا من الحرب في الشرق الأوسط. و”يبدو أن بوتين يقول” حسب سليمانوف “إذا تصرفتم (إسرائيل) هكذا، فإننا سنعمق علاقاتنا مع إيران عدوكم اللدود، ومع حليفة طهران في الشرق الأوسط، أي مع حركة حماس.
لكن هذا الموقف يمكن يلحق الضرر بروسيا، وخاصة في إسرائيل، حسب رأي الباحث السياسي المقيم في إسرائيل، كونستانتين باخاليوك “بدون شك هذا يغضب الإسرائيليين. أحب أن أذكر بأنه تقريبا ثلث السكان هنا يتحدثون الروسية وبشكل أو آخر هاجروا من روسيا أو كانت لهم صلة بروسيا”. ويشير باخاليوك إلى أنه لم يكن هناك القليل من الإسرائيليين الذين يتحدثون الروسية قد اتخذوا موقفا إيجابيا من روسيا في بداية حربها ضد أوكرانيا، “لكنهم الآن يفكرون في ذلك بجدية”.
يوري ريشتو/ ع.ج