بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، ردت إسرائيل بشن غارات استهدف قطاع غزة الذي تسيطر عليه وتديره الحركة ، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وقال مراقبون إن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة يرقى إلى “مستوى العقاب الجماعي” فيما يعني ذلك جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
وعلى وقع ذلك، تفاقمت وتدهورت الأوضاع المعيشية لسكان القطاع ما دفع فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين “الأونروا”، إلى القول بأن غزة تشهد “كارثة غير مسبوقة”.
ونجم عن ذلك قرب نفاد الأدوية والغذاء والمياه والوقود فيما مازال مئات الآلاف من المدنيين يعيشون في مراكز الأونروا من مدراس وغيرها حيث ذكر أحدث تقرير صادر عن الوكالة الأممية في الثالث من نوفمبر /تشرين الثاني الجاري أن قرابة 700 ألف نازح يعيشون في 149 منشأة تابعة للأونروا.
وفي مقابلة مع المانيا اليوم، قال رئيس التعاون الدولي للصليب الأحمر الألماني كريستوف جونين إن عمال الإغاثة الجدد لم يتمكنوا من دخول غزة، مضيفا “يشكل المتطوعون جُل الفلسطينيين الذين يعملون على الأرض حيث باتوا في طليعة مقدمي المساعدات ويفعلون ذلك رغم المخاطر على حياتهم”.
ويقدم التقرير التالي نظرة شاملة على الوضع الإنساني في غزة.
كيف تصل المساعدات إلى غزة؟
يُجرى شحن المساعدات الدولية من مختلف دول العالم إلى مصر حيث يتم نقلها إلى شبه جزيرة سيناء تمهيدا لعبورها معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة.
بمجرد دخول المساعدات إلى القطاع، تقوم منظمات الإغاثة الأممية ومنظمات أخرى مثل الصليب الأحمر الدولي بتوزيعها على المستشفيات ومرافق الأمم المتحدة، بيد أن هذه العملية تواجه عقبة رئيسية متمثلة في أن العديد من شوارع بات مدمرة جراء القصف فضلا عن أن الركام وحطام المنازل المدمرة تحول دون نقل المساعدات داخل القطاع.
وفي ذلك، قال جونين إن الدمار الواسع النطاق في شمال غزة جعل من المستحيل تسليم المساعدات للصليب الأحمر الألماني والهلال الأحمر الفلسطيني.
يواجه المسعفون وفرق الإنقاذ صعوبات في الوصول إلى المصابين في غزة فضلا عن مخاطر على حياتهم مع استمرار القصف
ويُضاف إلى ذلك، فرض إسرائيل قيودا على إيصال المساعدات ونقلها للحيلولة دون استفادة حماس منها فيما تقول تقارير إن تل أبيب تخشى من أن تستخدم حماس إمدادات الوقود لأهداف عسكرية.
وقد ذكر الهلال الأحمر الفلسطيني أن إسرائيل سمحت لـ 370 شاحنة مساعدات بالدخول إلى غزة خلال الأسبوعين الماضيين، لكن يبدو أنها لا تشمل شاحنات محملة بالوقود.
ومتحدثا إلى المانيا اليوم، شدد توبي فريكر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، إنه يجب السماح بدخول ما لا يقل عن مئة شاحنة محملة إلى قطاع غزة يوميا لتلبية حاجة أكثر من مليوني غزاوي في القطاع.
الاتصالات داخل القطاع؟
وقبل أيام، أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية “بالتل” انقطاع جميع خدمات الاتصالات والإنترنت داخل قطاع غزة، للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر، ولم يتسن لـ المانيا اليوم التحقق من ذلك من مصدر مستقل.
وقال جونين إن انقطاع الإنترنت يعيق عمل منظمات الإغاثة، التي لا تستطيع التواصل مع فرقها إلا بشكل مؤقت من خلال موجات الراديو فيما لم يعد السكان قادرين على الاتصال بخدمات الطوارئ.
ويقول نشطاء إن انقطاع الاتصالات دفع عمال الإغاثة إلى نشر سيارات الإسعاف في أنحاء متفرقة من القطاع حتى يمكن انتقالها بسرعة في حالة سقوط ضحايا.
وفي ذلك، قال جونين “هذه بالطبع ظروف غاية في الصعوبة وتحمل في طياتها مخاطر على حياة من يحاولون المساعدة في ظل عدم وجود وسائل لحمايتهم”.
الحصول على المياه؟
وأضاف جونين أن إمدادات المياه “باتت نادرة للغاية وغير مستقرة في القطاع”، فيما قالت منظمة “إنقاذ الطفولة” إن الكثير من سكان القطاع باتوا يعتمدون على “مصادر مياه ملوثة مما قد يؤدي إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه”.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن هناك ثلاثة خطوط إمداد بالمياه من إسرائيل إلى غزة، لكن إسرائيل أعلنت وقف تزويد غزة بالمياه إلا بعد إطلاق سراح الرهائن الذين باتوا في قبضة حماس.
وأفادت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الثالث من الشهر الجاري بأن خطين اثنين من خطوط إمداد المياه الثلاثة القادمة من إسرائيل يعملان فيما ذكر تقرير سابق للأونروا أنه لم يتم تشغيل أي من خطوط المياه القادمة من إسرائيل إلى غزة.
وعلى وقع هذا الوضع، اضطر سكان غزة على الاعتماد على محطات تحلية المياه والآبار وخزانات المياه، رغم أنها تشكل خطرا على حياتهم فيما قال فريكر إن هذه المصادر “قذرة وغالبا ما تكون مالحة”.
وتشير تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن سكان غزة لا يحصلون حاليا إلا على ثلاثة لترات من الماء يوميا لفرد الواحد، فيما أشار فريكر إلى أن حاجة كل فرد إلى 15 لترا يوميا لتغطية احتياجاته الأساسية من شرب وطبخ ونظافة.
نقص الوقود؟
يشار إلى أن شركة توزيع الكهرباء في غزة قد أعلنت في أوائل الشهر الماضي توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عن العمل بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيلها.
في المقابل، اتهم الجيش الإسرائيلي حماس “بتخزين” ما بين 500 ألف ومليون لتر من الوقود فيما لا يمكن الوقوف على صحة مثل هذه الادعاءات من مصدر مستقل.
لكن المؤكد أن الوقود يعد ضروريا لسكان غزة فيما أطلقت الأونروا نداءات متكررة للسماح بدخول الوقود لتلبية حاجة المستشفيات إلى الوقود لتشغيل المولدات الاحتياطية في ظل انقطاع الكهرباء.
وقالت الأونروا لـ المانيا اليوم إنه لم يدخل أي شحنات وقود جديدة إلى غزة منذ حوالي شهر فيما أفادت تقارير قبل أيام بأن الجيش الإسرائيلي أبدى استعداده للسماح بتوصيل الوقود إلى المستشفيات.
وضع المستشفيات؟
وفي هذا الصدد، كتب كريستيان كاتزر، رئيس فرع منظمة “أطباء بلا حدود” في ألمانيا، على الموقع الإلكتروني للمنظمة “ابلغنا جراحونا بأنهم يضطرون في بعض الأحيان إلى إجراء عملية جراحية دون تخدير عام. لقد قالوا إن هناك نقصا في عقاقير التخدير والمهدئات.. هذا أمر لا يمكن تصوره”.
ونقل الموقع عن محمد عبيد، أحد الجراحين التابعين للمنظمة ويعمل في مستشفى الشفاء في مدينة غزة، قوله إنه أجرى عملية جراحية على الأرض داخل المستشفى.
وأضاف الطبيب – وفقا للمنظمة – إنه اضطر إلى “بتر قدم طفل يبلغ من العمر 9 سنوات، دون أي مخدر تقريبا فيما قام طبيب التخدير بفتح فمه حتى لا يختنق..هذا كل ما استطعنا فعله”.
وتعاني كافة مستشفيات غزة من نقص حاد في الأدوية ومسكنات الألم والوقود فيما باتت المرافق الصحية مقصدا للأصحاء الذين يبحثون عن مأوى من القصف المستمر.
الجدير بالذكر أنه جرى فتح معبر رفح في الأول من نوفمبر / تشرين الثاني من أجل عبور الجرحى الفلسطينيين إلى مصر وذلك لأول مرة منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول فيما أعلنت وزارة الصحة المصرية رفع حالة الطوارئ في مستشفيات العريش والشيخ زويد بشمال سيناء ومدن القناة شرقي البلاد.
التنقل داخل القطاع
وفي ضوء نقص الوقود، اضطر سكان غزة إلى البحث عن وسائل نقل بدائية سواء أكان السير على الأقدام فيما وجد البعض ضالته في ركوب عربات تجرها الخيول والحمير.
وفي أعقاب أوامر الإخلاء التي أصدرتها إسرائيل، حاول الكثيرون الانتقال من شمال غزة إلى جنوبها فيما شدد جونين على أن الجميع لم يتمكن من ذلك حيث يصعب إخلاء المستشفيات.
ونقل الصليب الأحمر الألماني عن المسعفين والأطباء رفضهم ترك المصابين وهم في أمس الحاجة للمعالجة.
سيلجا تومس / م. ع