اعتمدت ألمانيا حزمة إجراءات جديدة تشدد القيود ضد الهجرة وتضع ضوابط جديدة بشأن قبول واستقبال ودمج طالبي اللجوء، إجراءات ستدخل حيز التنفيذ بداية العام المقبل (2024).
وجاء ذلك بعد قمة جمعت المستشار الألماني أولاف شولتس كممثل أعلى للحكومة الاتحادية ورؤساء حكومات الولايات. وتهدف الإجراءات إلى جعل ألمانيا أقل جاذبية للهجرة غير النظامية.
وعقدت القمة الثلاثاء (السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) في وقت تتوقع فيه التقديرات وصول عدد طالبي اللجوء ها العام لوحده 300 ألف شخص، مقابل 218 ألف خلال عام 2022. ولمواجهة هذا التدفق الهائل اتخذت عدد من القرارات التي من شأنها تغيير سياسة اللجوء. وجاء هذا التحول بعد وصول ما لا يقل عن مليون أوكراني فرّوا منذ الهجوم الروسي على بلدهم العام الماضي، فيما تواصل تدفق المهاجرين من مناطق النزاعات في الشرق الأوسط وإفريقيا، ما دفع البلديات الألمانية إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من تراجع قدرتها على استقبال هذه الأعداد الهائلة من اللاجئين.
صحيفة “نويه تسوريخه تسايتونغ” السويسرية الناطقة بالألمانية كتبت في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني معلقة على نتائج قمة الهجرة “من المشكوك فيه ما إذا كانت هذه التدابير كافية لتقليل الضغط على ألمانيا. وكان من الممكن تصور اتخاذ المزيد من التدابير مثل خفض المزايا الاجتماعية على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل”.
تشديد وضبط فعال للحدود
حتى قبل تبني الإجراءات الجديدة، سبق للحكومة الألمانية وأن أخطرت المفوضية الأوروبية بضوابط مؤقتة جديدة على الحدود مع النمسا وسويسرا وجمهورية التشيك وبولندا. كما تعمل الولايات الحدودية والشرطة الاتحادية معاً بشكل وثيق لمكافحة أنشطة التهريب والهجرة غير الشرعية. وتم الاتفاق مع بولندا وجمهورية التشيك على تسيير دوريات مشتركة على أراضيهما.
وتكمن الغاية الأساسية td منع اللاجئين من التحرك بشكل عشوائي داخل دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تعزيز عمليات مراقبة الحدود الداخلية، وتمكين الشرطة من إبعاد اللاجئين الذين يرغبون في الدخول من دولة أخرى عضو في الاتحاد الأوروبي. وبقدر ما تسمح به الدول المجاورة، سيتم تنفيذ الضوابط أيضاً قبل الحدود الألمانية. وبهذا الصدد أكد رئيس الشرطة الفيدرالية ديتر رومان في برلين (الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني) أن الضوابط الحدودية الموسعة الحالية أثبتت فعاليتها ضد الهجرة غير النظامية. “منذ نهاية أكتوبر، انخفض عدد الوافدين غير النظاميين وكذلك جرائم التهريب بشكل كبير”. وقال رومان إن حوالي 4.000 ضابط منتشرون في المناطق الحدودية وأنه تم خلال ثلاثة أسابيع فقط، ضبط 9.622 حالة غير نظامية وفي 3.900 حالة منها، تم رفض دخول التراب الألماني وتم بالتالي إبعاد المعنيين.
تسريع عمليات البت
تضمن إجراءات اللجوء لمواطني الدول التي يقل معدل الاعتراف بطلبات مواطنيها عن خمسة بالمائة معالجة أسرع من ذي قبل. والهدف هو إكمال إجراءات طلب اللجوء في غضون ثلاثة أشهر. وفي جميع الحالات الأخرى، ينبغي استكمال إجراءات اللجوء الرسمية والابتدائية بعد ستة أشهر على أبعد تقدير، تتضمن أيضاً مرحلة الاستئناف.
وتتكفل الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات بإعداد وتكوين الموظفين والظروف التنظيمية اللازمة لذلك. وفي الولايات، سيؤثر هذا على التسجيل الأولي للاجئين الوافدين. ويجب على الحكومة أيضاً تجهيز البنية التحتية في المحاكم الإدارية وفقاً لذلك. وتعهدت الحكومة الفيدرالية بتوفير التسهيلات لتحقيق هذا الهدف من خلال المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF). ومن اختصاصها أيضاً النظر فيما إذا كانت هناك حاجة إلى قوانين إدارية إضافية. كما تم التعهد بتعميم الرقمنة لتشمل الجميع بأسرع وقت يمكن.
خفض المساعدات المالية
وتشمل الإجراءات أيضاً خفض المساعدات المالية المخصصة للاجئين، فقد كان كلّ أجنبي يصل إلى مركز استقبال أولي، يتم إطعامه وإيواؤه، ويحصل شهرياً على 182 يورو نقداً “لتلبية احتياجاته الشخصية الضرورية”. وتنص الإجراءات المشددة الجديدة على الحيلولة دون إرسال طالبي اللجوء هذا المبلغ إلى بلدهم الأصلي، وذلك باستحداث بطاقة تسمح للمهاجرين بشراء ما يحتاجون إليه من المتاجر، وبالتالي يوضع هذا المبلغ كرصيد في هذه البطاقة، وبالتالي معرفة الكيفية التي يتصرف بها اللاجئ في هذا المبلغ. وبعد تركهم لمركز الاستقبال الأولي، يوزّع طالبو اللجوء بالعادة على عدة مساكن ويحصلون على مدى 18 شهراً على مبالغ مالية شهرية (410 للشخص الواحد و738 يورو للزوجين)، مبلغ يرتفع بعد انقضاء هذه المهلة (502 يورو للشخص الواحد و902 يورو للزوجين). غير أن التشديد الجديد ينص على ضرورة انتظار 36 شهراً بدلاً من 18 شهراً للاستفادة من هذه الزيادة.
وتعهدت الحكومة الاتحادية بصرف مبلغ 7.500 يورو لكل طالب لجوء سنوياً، في اتفاقها مع الولايات التي كانت تطالب منذ فترة طويلة بمساهمة مالية أكبر في تكاليف اللاجئين، مشيرة إلى أنها هي نفسها ليس لها أي تأثير على عدد الأشخاص الذين يدخلون إلى ألمانيا. وبهذا الصدد وصف المستشار أولاف شولتس الاتفاق بلحظة تاريخية أظهرت فيها جميع مستويات الدولة القدرة على التحرك. وقدر بوريس راين، رئيس وزراء ولاية هيسن، الحجم الإجمالي للمساعدات الفيدرالية بنحو 3.5 مليار يورو.
إشكاليات ضبط اللجوء في دول ثالثة؟
تقوم الفكرة على تنفيذ إجراءات تقييم طلبات اللجوء على طول الطرق التي يعبرها اللاجئون. وظهر بسرعة أن نموذج رواندا، كما هو مقترح في بريطانيا، صعب التصور لحد الآن في ألمانيا. وتسعى الحكومة البريطانية إلى ترحيل الأشخاص الذين يدخلون المملكة المتحدة بشكل غير نظامي بغض النظر عن أصلهم إلى رواندا في أقرب أجل ممكن، ومن هناك يمكنهم التقدم بطلب اللجوء. يذكر أن محكمة عليا بريطانية اعتبرت هذه الخطط غير قانونية.
أما في لمانيا، فمن من الملفت أن الولايات التي يقودها كل من الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي وحزب الخضر أيدت إجراءات اللجوء خارج أوروبا، وبالتالي دعمت اقتراحاً مماثلاً من قبل رئيس وزراء شمال الراين وستفاليا، هندريك فوست (من الحزب الديمقراطي المسيحي). ومع ذلك، رفضت الولايات التي يحكمها الحزب الاشتراكي الديمقراطي في وقت لاحق هذا الاقتراح.
وصدرت تحذيرات من أن أي خطة من هذا القبيل يجب أن تمتثل لاتفاقية جنيف للاجئين والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
الهجرة الفوضوية تخدم التيارات الشعبوبة
تتغذى الأحزاب اليمينية الشعبوية من تنامي الغضب الشعبي من تداعيات الهجرة غير النظامية، فقد كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة في ألمانيا تراجع شعبية أحزاب الائتلاف الحاكم في برلين إلى أدنى مستوياتها مقابل ارتفاع شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي بصورة غير مسبوقة. ففي استطلاع أجراه معهد “إنفراتست ديماب” لقياس مؤشرات الرأي بتكليف من القناة الألمانية الأولى العمومية “ARD” منتصف أكتوبر/تشرين الثاني الماضي وصلت شعبية الحزب إلى 23%. وكان الحزب سبق وأن سجل هذه النسبة في استطلاعات أخرى أجراها معهدا “يوغوف”.
وتشعر الأحزاب التقليدية في ألمانيا بقلق حيال المكاسب الكبيرة التي حققها حزب “البديل” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في ولايتي هيسن وبافاريا الأخيرة. في المقابل، سجل حزب شولتس الاشتراكي أسوأ نتيجة انتخابية له في الولايتين، كما تراجعت نسبة التأييد التي حصل عليها كل من حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، وهما شريكا الحزب الاشتراكي في الائتلاف الحاكم على المستوى الاتحادي.
وبهذا الصدد اعتبر موقع “تاغسشاو دي.إي” التابع للقناة الألمانية الأولى العمومية (ARD) في (السابع من نوفمبر/تشرين الثاني) أن ما قامت به الأحزاب الديمقراطية هو أفضل طريقة للحد من الهجرة مع الحفاظ في الوقت نفسه على المعايير الإنسانية. فبعدما كان ائتلاف “إشارة المرور” مهتم فقط بإدارة وتدبير التدفق المطرد للمهاجرين، بات التركيز اليوم على الحد الفعال منه.
حسن زنيند