بلغت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين أدنى مستوياتها خاصة مع حدوث مناوشات جوية بين طائرات أمريكية وصينية فوق بحر الصين الجنوبي وتحول القيود على التصدير إلى ما يشبه حربا اقتصادية.
وعلى وقع ذلك، يرى هانز دبليو مول، الخبير الألماني في الشؤون السياسية، أن أنظار العالم تتجه صوب سان فرانسيسكو حيث يعقد الرئيسان الأمريكي والصيني قمة الأربعاء (15 نوفمبر / تشرين الثاني) رغم تواضع التوقعات حيال ما سيسفر عنه الاجتماع.
وأشار مول، الخبير في شؤون شرق آسيا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومعهد مركاتور المتخصص في الدراسات الصينية، إلى تأخر استئناف المحادثات بين بكين وواشنطن.
وأضاف “لكن هذا لا يحمل في طياته أي مؤشر حيال ما إذا كانت القمة ستنجح في إحراز تقدم بشأن القضايا الجوهرية التي تعد السبب الرئيسي وراء التوترات بين الصين والولايات المتحدة. معظم المراقبين يشككون في ذلك”.
من جانبه، قال الخبير والباحث بالشؤون السياسية والمختص بالشؤون الأمريكية، جوزيف برامل، إن الولايات المتحدة والصين أصبحتا بالفعل “وسط دوامة حرب باردة جديدة. وهو ما يثير القلق لأن هذه الحرب الاقتصادية يمكن أن تبدد الفرصة الأخيرة للتعاون الدولي لمواجهة تداعيات ظاهرة تغير المناخ في محاولة لتجنب كوارث مناخية يمكن أن تؤدي إلى حرب ساخنة”.
ووصل شي جين بينغ إلى الولايات المتحدة في 14 نوفمبر / تشرين الثاني في زيارة هي الأولى منذ 2017 بالتزامن مع قمة منتدى التعاون آسيا المحيط الهادئ (أبيك) التي تستضيفها سان فرانسيسكو.
الاعتماد الألماني على الصين
وفيما يتعلق بألمانيا، فإن أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي يعتمد على الصين في مسار التحول إلى الطاقة النظيفة سواء للحصول على الخلايا الكهروضوئية أو تكنولوجيا البطاريات أو تعزيز التنقل الكهربائي الرخيص فيما يقول خبراء إنه من الصعب تحقيق انجاز في مجال الطاقة المتجددة بدون سلسلة التوريد الأولية والنهائية للمنتجات الصينية.
وفي ذلك، قال برامل إن الأمر ينطبق بشكل خاص على ألمانيا، مضيفا “لقد دشنا تجربة جريئة تتمثل في التخلص من الوقود الأحفوري وإيقاف تشغيل محطات الطاقة النووية وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة. ولهذا السبب نعتمد بشكل كبير على الصين”.
ويشير مراقبون إلى أن التوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين قد وضعت برلين في موقف صعب إذ تقف برلين حائرة بين الولايات المتحدة التي تعد الحليف السياسي والعسكري شديد الأهمية من جهة وبين الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأكبر من جهة أخرى.
وفي مسعى لتحقيق توازن ألماني بين العلاقات الأمريكية-الصينية، تبنت الحكومة الألمانية في يوليو/تموز الماضي “استراتيجية الصين” الرامية إلى إعادة صياغة العلاقة مع بكين بعد مناقشات طويلة وحادة.
واستهلت الاستراتيجية بالقول إن “الصين قد تغيرت وهذا يشير إلى حقيقة مفادها أن القرارات السياسية للصين تجعل من الضروري تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الصين”، واصفة بكين “بالشريك والمنافس والخصم الاستراتيجي”.
ويتمحور أهم ركائز الرئيسية لهذه الاستراتيجية حول تقليل اعتماد ألمانيا على الصين تحت عنوان “إزالة المخاطر” ما يعني ضمان أن الشركات الألمانية أصبحت أكثر انخراطا مع بلدان ومناطق أخرى لتفادي أن تصبح مفرطة الاعتماد على الصين.
وفي ردها، قالت وزارة الخارجية الصينية إن الاستراتيجية التي أعلنتها ألمانيا بشأن علاقاتها مع بكين سوف تأتي بنتائج عكسية، مضيفة “سوف يؤدي ذلك تفاقم الانقسامات العالمية”.
وفي هذا السياق، أصدرت السفارة الصينية في برلين بيانا جاء فيه أن “الصين تعد شريكة لألمانيا في التغلب على التحديات وليست خصما لها”، مضيفة أن النظر إلى الصين كمنافس وخصم بشكل منهجي “لن يصب في صالح البلدين فضلا عن أن الأمر يعتمد على تقييم غير واقعي”.
برلين بين المطرقة والسندان
وكانت تصريحات سابقة صدرت عن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مطلع سبتمبر / أيلول الماضي، قد أثارت غضب الصين.
وتعود التصريحات إلى مقابلة أجرتها شبكة فوكس نيوز الأمريكية مع بيربوك التي وصفت الرئيس الصيني شي جين بينغ بـ “الدكتاتور” فيما اعتبرت بكين التصريح “بالسخيف والاستفزازي”.
وأثار تصريح رأس الدبلوماسية الألمانية انتقادات في برلين خاصة من أحزاب المعارضة.
ففي تصريحاتها نقلتها المانيا اليوم، قال يورغن هارت، المتحدث باسم الشؤون الخارجية لأحزاب الاتحاد المسيحي، في حينه إنه “عندما يدلي دبلوماسي أو وزير خارجية بمثل هذا التصريح، فيجب أن يدرك أن هناك ثمنا سياسيا سيُدفع. ما يطرح تساؤلا هاما مفاده هل كان الأمر يستحق هذا الثمن؟”
من جانبه، قال الخبير في الشؤون السياسية شويوو جو، إن الثمن كان تآكل كبير في ثقة القيادة الصينية تجاه حزب الخضر الذي يتزعمه بيربوك.
وانعكس أحد مظاهر الصراع داخل الحكومة الألمانية تجاه التعامل مع الصين في دعوة بيربوك ووزير الاقتصاد روبرت هابيك الذي ينتمي أيضا إلى حزب الخضر، إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه بكين في حين عمد المستشار أولاف شولتس، الذي يعد رابع مستشار لألمانيا من الحزب الاشتراكي، إلى ضمان عدم تنفيذ “استراتيجية الصين” على نحو مقيّد للغاية.
وبحسب البيانات، فقد ضخت الشركات الألمانية استثمارات بقيمة 10.3 مليار يورو (11.1 مليار دولار) في الصين في النصف الأول من العام الجاري وحده فيما ذهب البعض إلى القول بأن مجال تكنولوجيا الاتصالات يعد المثال الأوقع على حيرة ألمانيا بين المصالح الأمنية والاقتصادية.
وفي كلمته أمام مؤتمر الدفاع السيبراني الأول لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في برلين في وقت سابق من الشهر الجاري، دعا الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ كافة الدول الأعضاء إلى الابتعاد عن الاعتماد على معدات اتصالات من شركتي “هواوي تكنولوجيز” و “زد تي آي” الصينيتين.
وأضاف أنه في إطار بناء “العمود الفقري الرقمي لدول الناتو في المستقبل، يجب علينا تجنب الاعتماد على المعدات التي توفرها الأنظمة الاستبدادية.”
ورغم ذلك، مضت شركات الاتصالات المحمولة في ألمانيا قدما في استخدام مكونات هواوي لتوسيع شبكة الجيل الخامس في البلاد، دون تدخل من الحكومة الألمانية فيما تمثل المنتجات الصينية حاليا ما يقدر بنحو 60% من شبكة الجيل الخامس في ألمانيا.
تحدي أوروبي وليس ألماني فقط
بدوره، اعتبر هانز دبليو مول، الخبير الألماني في الشؤون السياسية، المساعي الألمانية لتحقيق توازن بين بكين وواشنطن بأنها تمثل “تحديا”، لكن قال إن ألمانيا “لا تواجه هذا التحدي وحدها وإنما أوروبا بأسرها”.
وقال إنه في ضوء أن الاتحاد الأوروبي يعد لاعبا مهما في التجارة العالمية، فإن “ألمانيا باعتبارها جزءً من الاتحاد الأوروبي تحظى بوزن ثقيل ما يمكنها من ممارسة تأثير معين على الولايات المتحدة والصين والنظام الدولي”.
ورغم ذلك، أقر بأنه “سيكون ضربا من المستحيل الوقوف على مسافة واحدة من القطبين”، مضيفا أن الولايات المتحدة هي الحليف الطبيعي لألمانيا، ولكن في الصراع بين الولايات المتحدة والصين لحسم التفوق العالمي “فإن مصلحة ألمانيا السياسية تكمن في احتواء الأضرار الجانبية الكارثية المحتملة التي يمكن أن تنجم عن هذا التنافس على الساحة الدولية”.
ماتياس فون هاين / م. ع